من تكون فعلا سيليا الزياني، الفنانة الشابة، أحد رموز الحراك، التي ظلت معتقلة منذ 5 يونيو 2017 إلى حين استفادتها من عفوي ملكي بمناسبة عيد العرش الأخير؟
"صوت الحراك"، الفنانة، هكذا تعرف سليمة الزياني أو سيليا (اسمها بالأمازيغية) بين شباب الحراك في الحسيمة. تم توقيفها يوم 5 يونيو، ثم نقلت للاعتقال الاحتياطي يوم 10 يونيو بسجن عكاشة. أعلن محاموها وعائلتها، خلال مدة اعتقالها أن المغنية والممثلة الشابة البالغة 23 سنة كانت "تعاني من الاكتئاب".
تصريحات تم نفيها فيما بعد، حيث كانت مصادر مقربة من الفنانة الشابة قد أكدت أن هذه الأخيرة تتحمل الوضع بشكل جيد. في المقابل، خرج عدد من الفاعلين المدنيين والفنانين، من بينهم مارسيل خليفة، مدافعين عن سيليا ومطالبين بإطلاق سراحها.
من جهته، كان وزير حقوق الإنسان، مصطفى الرميد، قد عبر عن رغبته في متابعة سيليا الزياني في حالة سراح، وذلك خلال ندوة حول الحراك، عقدت يوم 7 يوليوز الماضي. وعلى الرغم من تقدم دفاع سيليا حينها بطلب السراح المؤقت، يوم 13 يوليوز، إلا أنها بقيت قيد الاعتقال.
إلى جانب سنها الصغير، فإن مسار الفنانة الشابة ساهم في اكتسابها هذا الكم من التعاطف. فقبل أن تلتحق بالحراك، أولا كمتظاهرة عادية ثم كأحد أبرز وجوه هذه الحركة، كانت الشابة "تكرس روحها وحياتها للفن"، يحكي لنا علي العبوتي، الفاعل الثقافي وصديق سيليا. "كنا نلتقي كل يوم في دار الشباب بالحسيمة، حيث كانت تتدرب رفقة فرقتها. إنها فنانة شغوفة وموهوبة. لقد كانت تعشق ما تفعل، واستطاعت رغم سنها الصغير، فرض موهبتها في المسرح والموسيقى"، يضيف المتحدث.
تنحدر سيليا الزياني من عائلة متواضعة، وهي أصغر إخوانها الستة. هي أيضا عضو في فرقة المسرح الأمازيغي "تيفسوين"، وهي "فرقة محلية تقدم عروضا بين الناضور، طنجة تطوان ووجدة"، يقول علي العبوتي. إحدى المسرحيات التي مثلت فيها سيليا، كانت بعنوان "ترينكة" وقد عرضت في 12 مارس الماضي على قناة الأمازيغية، ثامن قنوات القطب العمومي.
إذا كانت الممثلة لا تزال تخطو خطواتها الأولى على خشبة المسرح، فإن شغفها الحقيقي هو الغناء. فقد بدأت الشابة المنحدرة من قرية إمزورن، الغناء منذ نعومة أظافرها، كما يخبرنا صديقها. حيث كانت تعيد غناء قطع إنزران، وهو فن ريفي قديم، في الساحات الصغيرة للمنطقة. كانت تغني الحب، الأرض والوطن.
"تعرفت عليها قبل 3 سنوات من خلال موسيقاها، من ميزاتها إعادة إحياء تراثنا الموسيقي، وهي تقوم بذلك بموهبة كبيرة"، يحكي عنها المرتضى إمعراشن، أحد الوجوه القيادية للحراك، والمتابع في حالة سراح مؤقت. المتحدث ذاته يضيف: "نحن نعيش في مجتمع محافظ، لكن سيليا امرأة حرة، تقاوم وتصر على عيش شغفها. في هذا الجانب، هي تقدم مثالا لجميع شابات المنطقة".
ومع ذلك، "فإن صورة الريف المحافظ والمنغلق هي صورة نمطية"، يقول علي العبوتي، مضيفا أن "عائلة سيليا بدءا من والدها، تدهمها وليست لديها أي مشكلة في التعايش مع فنها بالشكل الكامل". بالموازاة مع عروضها المسرحية، تتابع سيليا دراستها في الأدب الإنجليزي بجامعة الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة.
قبل أكثر من 11 شهرا، وبعد الوفاة المأساوية لمحسن فكري، تاجر السمك بالجملة، مطحونا في شاحنة نفايات، تركت سيليا كل شيء وكرست نفسها لشوارع الحسيمة. "ليس لدي خيار آخر، يجب العمل على إنجاح هذا"، أسرت لنا الفنانة الشابة أياما قليلة قبل اعتقالها.
"في البداية كانت تخرج للتظاهر مثل الجميع، لم تكن من الزعماء، لكنها مع الوقت نجحت في فرض نفسها من خلال صوتها"، يحكي عنها صديقها علي العبوتي. أما المرتضى إمعراشن فيتذكر لحظات أخرى مؤثرة، "ابتداء من فبراير الماضي، أصبحت سيليا تأخذ الميكروفون خلال المظاهرات، وهنا أتذكر يوما مؤثرا. فقد خضرت قوات الشرطة لتفريق مظاهرة نظمت إحياء لذكرى عبد الكريم الخطابي بالعنف. لقد قضينا اليوم بأكمله معا، ورغم صلابتها وإقدامها فقد كانت تبكي طوال الوقت، متسائلة لماذا يفعلون ذلك. إنها تكره العنف".
بعد حادث يوم 26 ماي، عندما أوقف زعيم الحراك ناصر الزفزافي خطبة صلاة الجمعة في المسجد، بدأت الأمور تتسارع. فرغم الاعتقالات الأولى لزعماء الحراك، كانت سيليا تستجيب دائما لدعوات التظاهر دعما للحراك والمعتقلين. "لقد حرصت على الاستمرار في النضال. أتذكر أنها نجحت بمهارة في إدارة مظاهرة سيدي عابد، وقد تم اعتقالها في اليوم الموالي"، يتذكر المرتضى.
مكثت الفنانة الشابة قابعة طوال مدة اعتقالها في زنزانة انفرادية في سجن عكاشة، متابعة بتهمة "المشاركة في مظاهرة غير مرخص لها"، و"إهانة موظفين عموميين إبان اعتقالها".
لكن القاضي كان قد أسر لوالدها أن ابنته ستكون على "رأس اللائحة" إذا ما تم منح السراح المؤقت لسجناء الحراك، حسب ما كشفت عنه حينذاك يومية أخبار اليوم، في عددها ليوم 14 يوليوز. ظل هذا الأمل الوحيد الذي تشبتت به عائلة الشابة إلى حين استفادتها من العفو الملكي في عيد العرش.