حاوره : عزيز الساطوري
نجاح عملية القطار والصدى الذي خلفته، كيف تم استقباله من طرفكم كقيادة مركزية لحركة المقاومة المسلحة؟
بعد اطلاعنا على نتائج العملية، كما نشرتها الجرائد الاستعمارية والخسائر التي تكبدها المستعمر، سواء على الصعيد المادي أو السياسي، أصبح واضحا بالنسبة إلينا أنه بالرغم من شح الإمكانيات، فقد بدأت المقاومة المسلحة تفرض نفسها على الساحة، وأن الشعب بدأ يقتنع بأنه من الممكن ضرب الاستعمار وتمريغه في الوحل بالرغم من كل الإمكانيات التي يتوفر عليها·
لابد وأن هذه العملية قد زادت من حماسكم ورفعت معنوياتكم خصوصا بعد حالة الارتباك التي سادت في صفوف السلطات الاستعمارية وأذنابها·
في الواقع، نحن كنا متحمسين منذ أن قررنا الانخراط في العمل الفدائي "احنا كنا مشجعين من البداية"، وكنا مصرين على الاستمرار في هذا النهج حتى النهاية، ومهما كان الثمن، فالمقاومون كانوا يضعون أمام نصب أعينهم، وطوال الوقت احتمال الموت في سبيل القضية، ولذلك كنا نحمل معنا حبة السم·
أنت أيضا كنت تحملها معك؟
طبعا، وكنا مستعدين لتناولها إذا ما استدعت الضرورة ذلك، وكان أول من تناولها الشهيد حسن الصغير، وبعده الشهيد محمد الزرقطوني الذي لم يتردد لحظة واحدة في تناولها عندما حاول رجال الشرطة إلقاء القبض عليه، أقول هذا لأوضح إلى أي درجة كان الحماس والاستعداد لبذل أغلى ما يملكه الإنسان، سائدا لدى المقاومين· وقد كنا، في هذا الإطار، نتوصل بطلبات من المقاومين للقيام بعمليات انتحارية·
وماذا كان ردكم، وهل تذكر بعض الذين اقترحوا تنفيذ عمليات انتحارية ضد المستعمر؟
لم نستطع أن نلبي هذه الطلبات، لأننا لم نكن نتوفر على الوسائل الكفيلة بإنجاحها· وفي هذا الإطار، أتذكر أننا تلقينا طلبا ملحا من طرف مقاوم يدعى "ملال" وهو لايزال على قيد الحياة، وآخر لا يقل حماسه من طرف "الحطاب" الذي انتقل الى جوار ربه· لكننا رفضنا تحقيق مطالبهما، لانعدام الإمكانيات· فمثلا ذات مرة، ذكر لنا منصور أنه يريد الحصول على سلاح رشاش، ليتوجه الى "بلاس دوفرانس" بشارع "لاگار" ـ شارع محمد الخامس حاليا ـ ويطلق النار على الفرنسيين الذين كانوا يتجمعون بكثافة في هذه الساحة، ولو توفر لنا سلاح رشاش آنذاك، لما تردد منصور في تنفيذ هذه العملية التي لم يكن من الممكن أن يخرج منها حيا، أقول هذا لأوضح إلى أية درجة وصل الحنق والغضب من المستعمر، وكيف كان المقاومون يبحثون عن أية وسيلة لضربه·
بعد عملية القطار، جاءت عملية السوق المركزي "مارشي سنطرال" التي لم تكن تقل عنها أهمية نظرا للخسائر التي تكبدها الاستعمار والصدى الذي خلفته وكذلك التوقيت الذي تم اختياره·
بالفعل، واختيار التوقيت كان عاملا حاسما، وكان مقصودا لأننا قررنا "نْعَيْدُوا بهم في نُوِّيل كيما عيْدوا بنا في العيد الكبيرْ"·
ماذا تقصد بذلك؟
السلطات الاستعمارية، كما هو معلوم، أقدمت على نفي محمد الخامس في 20 غشت 1953، وكان هذا اليوم يصادف عيد الأضحى، فبالإضافة الى اقترافها لهذه الجريمة الشنعاء التي استهدفت السلطة الشرعية بالبلاد، أصرت على تنفيذ ذلك في مناسبة دينية مقدسة لدى المغاربة وهي "العيد الكبير"، لذلك وكي نرد لها الصاع صاعين، قررنا أن نقوم بعمليات يكون لها وقع كبير في أعياد الميلاد، التي يخصص لها المسيحيون احتفالات كبيرة، وأن نحول هذه المناسبة إلى يوم حداد، كماحولوا العيد الكبير إلى يوم حداد لنا عندما قاموا بنفي محمد الخامس·
لماذا اخترتم تلك الأماكن بالضبط، أقصد السوق المركزي والبريد المركزي ومركز الطرود "كولي بوسطو"؟
لم يكن الاختيار عشوائيا، فالسوق المركزي "مارشي سنطرال" كان ذلك اليوم، 24 دجنبر 1953، يعج بالفرنسيين الذين يقصدونه بكثافة قصد التبضع للاحتفال بأعياد الميلاد، ونفس الشيء بالنسبة للبريد المركزي ومركز الطرود "كولي بوسطو"، حيث كان العديد منهم، في مثل هذه المناسبة، يقومون ببعث رسائل وهدايا إلى ذويهم·
أنت لم تكن ضمن الذين كلفوا بتنفيذ هذه العمليات وكنت خارج الدار البيضاء ساعتها، هل هذا صحيح؟
نعم، فبعد عملية القطار، وكإجراء احترازي، قمت بنقل أفراد عائلتي إلى "البلاد" ليستقروا هناك بصفة نهائية، لأني شعرت بأنه لن يمر وقت طويل حتى أضطر للاختفاء عن الأنظار، وأن التطورات القادمة ستتطلب مني حرية الحركة وتغيير أماكن الإقامة بشكل دائم، وبالتالي، فمن الضروري أن أتفرغ بالكامل للمقاومة·
وماذا فعلت بالشاحنة التي كانت في ملكك؟
تركتها لدى شريكي، وتفرغت بالكامل لما يفرضه عليه واجب الكفاح·
كانت عملية المارشي سنطرال ناجحة وخلفت خسائر كثيرة في أوساط المستعمرين، من الذين تم تكليفهم بهذه العمليات؟
بالنسبة للسوق المركزي "المارشي سنطرال"، فالذي تولى تنفيذ العملية هو محمد بنموسى، وقد توجه الى هناك رفقة عبد الله الزناكي، على متن سيارة هذا الأخير· بعد الوصول، حمل بنموسى القنبلة ووضعها قرب أحد محلات الجزارة، دون أن يثير انتباه المتبضعين الذين كانوا يملأون فضاء السوق، ثم قفل راجعا· وما هي إلا لحظات حتى انفجرت القنبلة لتحصد معها العديد من الضحايا·
وبالنسبة لعمليتي "كولي بوسطو" و "البريد المركزي"؟
كما هو معروف، البنايتان متلاصقتان، وقد توجه الى هناك كل من محمد منصور والغندور وبوشعيب الأيوبي ومولاي العربي الشتوكي، وذلك على متن سيارة هذا الأخير· بعد الوصول الى عين المكان، توجه الغندور الى مركز الطرود البريدية "كولي بوسطو" وبوشعيب الأيوبي إلى إدارة البريد المركزي، وقد حمل كل واحد منهما القنبلة التي تم إعدادها لذلك، وآخر التوجيهات التي زودهما بها منصور، وقد قام كل من الغندور وبوشعيب بتنفيذ المهمة التي أنيطت بهما، لكن القنبلتين لم تنفجرا، لأنه بعد إشعال الفتيل، أثار الدخان المنبعث، وفي مكان مغلق، انتباه الحاضرين، فبدأ الصراخ وهب رجال الشرطة فأطفأوها·
على العموم، أحدثت عملية "المارشي سنطرال" زلزالا في الأوساط الاستعمارية، وكانت من أكبر العمليات التي نفذتها المقاومة المسلحة، وحسب ما نشرته الجرائد بعد ذلك، فقد خلفت مقتل 18 شخصا وجرح 26 آخرين·