تأملات مغربية الجزء العاشر.. الأمازيغية بين الاعتراف والتهميش

تيل كيل عربي

بقلم: ناجي العماري

هل الاعتراف بلغة ما كافٍ لجعلها حية في واقع الناس؟ هل يكفي أن يُذكر اسمها في نصوص الدستور كي تُصبح جزءًا من الفضاء العام؟ الأمازيغية اليوم لغة رسمية، لكن أين هي في المؤسسات؟ في الإدارات؟ في الإعلام؟ لماذا لا نسمعها في المحاكم، ولا نراها في المعاملات البنكية، ولا نجدها في عقود الشغل؟ هل الاعتراف بالأمازيغية كان فعلًا قطيعة مع ماضٍ من التهميش، أم مجرد خطوة أخرى في لعبة التوازنات السياسية؟

حين تم ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، كان ذلك انتصارًا معنويًا، لكنه لم يتحول إلى تغيير ملموس في حياة الناس. بقيت اللغة حيث كانت، محصورة في خطاب الاحتفالات والمناسبات، بينما الواقع لم يتغير كثيرًا. فكيف نفسر هذا التناقض؟ هل هناك مقاومة غير مرئية تعرقل حضورها؟ هل المشكلة في غياب الإرادة السياسية، أم في منظومة ترى في الاعتراف أكثر مما تستطيع تحمله؟

الاعتراف الذي لم يغير المعادلة

يقول غرامشي إن الهيمنة لا تُفرض بالقوة فقط، بل تُمارس أيضًا عبر فرض نماذج ثقافية ومعرفية معينة. فهل الاعتراف بالأمازيغية جاء لتوسيع مجال التنوع، أم لإعادة ترتيب المشهد دون المساس بجوهره؟ هل هو خطوة نحو دمج حقيقي، أم مجرد آلية أخرى لاستيعاب المطالب دون تغيير موازين القوى؟

إذا كانت اللغة تعكس موقع أصحابها في المجتمع، فماذا يقول واقع الأمازيغية عن ميزان القوى في المغرب؟ لماذا بقيت لغة الهوامش، رغم أنها لغة تاريخية لهذا الوطن؟ لماذا ظلت سوق الشغل مغلقة أمامها، ولم تتحول إلى لغة إنتاج ومعرفة؟ هل التعدد اللغوي في المغرب حقيقة معاشة، أم مجرد واجهة لإخفاء تراتبية لغوية واضحة؟
يقول إنجلز: "ليس الوعي هو الذي يحدد الحياة، بل الحياة الاجتماعية هي التي تحدد الوعي." فهل يمكن الحديث عن عدالة لغوية دون الحديث عن عدالة اقتصادية واجتماعية؟ هل يمكن أن تجد الأمازيغية مكانها في المغرب، بينما المناطق الناطقة بها لا تزال تعاني التهميش الاقتصادي؟ كيف يمكن للغة أن تفرض نفسها إذا كان أهلها لا يملكون القوة الاقتصادية التي تجعلهم مؤثرين في قرارات الدولة؟

الأمازيغية والسلطة

إذا كانت اللغة أداة للسلطة، فكيف يمكن للأمازيغية أن تتحول من لغة مهمشة إلى لغة فاعلة دون أن يتغير ميزان القوى داخل الدولة؟ هل يمكنها أن تصير لغة معرفة وإدارة وهي لا تزال غائبة عن المؤسسات الحقيقية لصنع القرار؟

يقول ستالين: "المسألة القومية ليست مجرد قضية ثقافية، بل هي في جوهرها مسألة توزيع للسلطة والثروة." فهل يمكن الحديث عن مساواة لغوية بينما لا تزال الفجوات الاقتصادية والتنموية بين المناطق الناطقة بالأمازيغية وباقي المغرب قائمة؟ هل المشكلة في اللغة نفسها، أم في موقعها داخل بنية اقتصادية وسياسية لا تزال ترى التعدد كترف وليس كحق؟

عبد الله أوجلان يرى أن "القضية القومية ليست مجرد مسألة هوية، بل هي في عمقها قضية تحرر اجتماعي وسياسي." فهل يمكن الحديث عن الأمازيغية دون الحديث عن العدالة الاجتماعية؟ كيف يمكن تحويل الاعتراف بها إلى مشروع تحرري يعيد رسم العلاقة بين اللغة، والسلطة، والمجتمع؟

هل نحتاج إلى ثورة ثقافية؟

اللغة ليست مجرد أداة تواصل، بل هي طريقة لرؤية العالم. من يقرر اللغات التي تُستخدم في المؤسسات؟ من يحدد قيمتها الاجتماعية؟ لماذا تبقى بعض اللغات في الهامش بينما تحتل أخرى مواقع المركز؟ هل هو مجرد مصادفة، أم انعكاس لعلاقات القوة في المجتمع؟

يقول إنجلز: "لا تُستجمع الشجاعة للتقدم الحقيقي إلا إذا حفزتها الآلام التي تبدو فائقة." فهل يحتاج المغرب إلى ثورة ثقافية تعيد النظر في علاقته بلغاته وهويته؟ أم أن التغيير سيبقى رهينًا بإصلاحات متأخرة لا تمس جوهر التراتبية اللغوية؟

هل الاعتراف بالأمازيغية بداية مسار نحو وطن أكثر عدلًا، أم أنه مجرد تسوية أخرى في لعبة التوازنات السياسية؟ هل يمكن أن تصبح لغة المستقبل، أم أن قدرها أن تظل عالقة بين القانون والواقع؟