تأملات مغربية - الجزء العاشر.. بين الاحتجاج والتغيير الجذري

تيل كيل عربي

بقلم: ناجي العماري

هل يمكن للحركات الاجتماعية أن تُحدث تغييرًا حقيقيًا من خارج المؤسسات القائمة، أم أنها تبقى محكومة بمنطق الإصلاحات الشكلية؟ لماذا تفشل في تجاوز العتبات التي يفرضها النظام السياسي والاقتصادي؟

يقول لينين: "الثورة لا تحدث عندما تريد الطبقة العاملة ذلك، بل عندما لا يستطيع الحكام أن يحكموا كما كانوا يحكمون من قبل".

فهل تكفي لحظة الغضب الجماهيري لإحداث تغيير جذري، أم أن الوعي والتنظيم هما الحاسم الحقيقي في معادلة التحول؟ إذا كان الاحتجاج في ذاته لا يشكل تهديدًا للنظام، فما هي الشروط التي تجعله فعلًا سياسيًا قادرًا على زعزعة أسس السلطة؟

الاحتجاجات بين الضغط والإصلاحات السطحية

في المجتمعات التي تعاني من الهشاشة الاقتصادية، هل يكون الاحتجاج تعبيرًا عن مقاومة حقيقية أم مجرد رد فعل محكوم بسقف النظام؟ يقول ماركس: "ليس وعي البشر هو الذي يحدد وجودهم، بل وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم". إذا كانت الدولة هي الأداة الرئيسية للهيمنة الطبقية، فهل تتيح أي مجال لتغيير جذري، أم أنها تعمل دائمًا على احتواء الاحتجاجات ضمن مساحات لا تمس جوهر السلطة؟

لنأخذ مثال حراك 20 فبراير ودستور 2011: هل كان التعديل الدستوري انتصارًا للحركة، أم استراتيجية لإفراغها من بعدها الثوري؟ وماذا عن حراك الريف؟ هل كان القمع العنيف مؤشرًا على خطورة المطالب المطروحة، أم أن الدولة تملك دائمًا أدوات كبح أي حراك يمس توزيع السلطة والثروة؟ يقول ماو تسي تونغ: "الثورة ليست حفلة عشاء، ليست كتابة مقال، ليست رسم صورة، إنها فعل عنيف يحطم نظامًا قديمًا". فهل تظل الحركات الاجتماعية اليوم محصورة في مطالب فئوية، مثل حركة الأساتذة المتعاقدين، التي تسعى للإدماج داخل الوظيفة العمومية دون مساءلة المنطق الاقتصادي الذي فرض التعاقد أصلًا؟

كيف تتعامل الدولة مع الاحتجاجات؟

إذا كانت الاحتجاجات تُفهم أحيانًا كأدوات للضغط، فكيف تديرها الدولة؟ يقول ستالين: "القوة الحقيقية للثورة تكمن في قدرتها على تحويل الغضب الجماهيري إلى آلة سياسية لا تُقهر". لكن هل تسمح الدولة لمثل هذا التحول أن يحدث؟ أم أنها تعمل على تفكيك الاحتجاجات عبر استراتيجيات الاحتواء والقمع؟

في المغرب، تعاملت الدولة مع الحركات الاحتجاجية بآليات مزدوجة: تقديم تنازلات شكلية في بعض الحالات، مثل دستور 2011، واللجوء إلى العنف المباشر في حالات أخرى، كما حدث في حراك الريف. أما مع الأساتذة المتعاقدين، فقد اعتمدت الدولة استراتيجية الاستنزاف التدريجي عبر وعود مؤجلة وقمع متزايد. فهل يكون الحل في الانتقال من الاحتجاج إلى التنظيم؟

من العفوية إلى التنظيم

إذا كانت الاحتجاجات وحدها غير كافية، فما الذي يجعلها قادرة على تحقيق تغيير جذري؟ يقول لينين: "لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية". فهل يكمن ضعف الحركات الاجتماعية في غياب بُنية تنظيمية قادرة على تحويل الغضب إلى مشروع سياسي فعلي؟

لقد أصبحت الأحزاب والنقابات، التي كانت في الماضي أدوات للنضال الطبقي، اليوم امتدادًا للدولة، مما جعل الجماهير تتجه نحو أشكال احتجاج غير مؤطرة، يغلب عليها الطابع العفوي. لكن هل يمكن للعفوية أن تصنع بديلاً سياسيًا؟ وهل يكفي الفضاء الرقمي، الذي أصبح منصة رئيسية للاحتجاجات، لإنتاج ديناميكية تنظيمية قادرة على تجاوز منطق الاحتواء والقمع؟

أي أفق؟

يقول ماركس: "التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة كمأساة ومرة كمهزلة". فهل نعيش اليوم تكرارًا لدورات الاحتجاج التي تنتهي بإعادة إنتاج النظام نفسه؟ أم أن هناك فرصة لبناء وعي سياسي جديد يتجاوز منطق الاحتجاجات المتفرقة نحو مشروع تغييري شامل؟

إن السؤال الجوهري يظل: هل تستطيع الحركات الاجتماعية الانتقال من كونها رد فعل إلى أن تصبح قوة فاعلة في إعادة تشكيل السلطة؟ وكما قال ماو تسي تونغ: "السلطة تنبع من فوهة البندقية"، فهل يبقى التغيير الحقيقي مرهونًا فقط بمواجهة مباشرة مع النظام، أم أن هناك بدائل أخرى لصياغة مستقبل سياسي جديد؟