أفادت تقارير إعلامية دولية بأن إيران تسعى إلى التقارب مع عدد من الدول التي قطعت العلاقات معها، في وقت سابق؛ ومنها المملكة المغربية.
وحسب نفس المصادر، هناك تقدم ملحوظ في المشاورات "غير المباشرة" بين البلدين، دون مؤشرات قوية على إعادة العلاقات قريبا، مشيرة إلى أن المغرب متشبث بضرورة سحب إيران لدعمها لجبهة "البوليساريو" الوهمية، وعدم تقديم أي دعم لها، بأي شكل من الأشكال، في المستقبل.
وفي هذا الصدد، حاور "تيلكيل عربي" محمد تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، لكشف أسباب سعي إيران إلى التقارب مع المغرب، في هذا الوقت بالذات، وإلى أي درجة يمكن أن تثق الرباط في طهران، وموقع ملف الصحراء المغربية في معادلة الصلح بين البلدين، وعلاقة الجزائر وإسرائيل بمدى تقدم هذا التقارب.
لماذا تسعى إيران، حاليا، إلى التقارب مع المغرب؟
في اعتقادي أن موقف إيران جاء مرتبطا بالظرفية التي تعاني منها في الشرق الأوسط والخليج العربي. نعلم، جيدا، أن وضعية الأذرع التي تمارس بها نشاطها في هذه المنطقة، سواء تعلق الأمر بحزب الله، أو بحركة "حماس"، ولو أنها ليست شيعية، أو بالحوثيين الموجودين في اليمن، عرفت تدهورا كبيرا؛ بحيث يحدث، الآن، تدمير قوي لـ"حماس"، بالإضافة إلى تضعضع مركز حزب الله داخل لبنان نفسه، خاصة بعد مقتل حسن نصر الله، الذي كان يشكل قوة معنوية لها أهميتها بالنسبة للحزب وللمجموعة ككل. وبالنظر إلى كل هذا، بدأت طهران في التفكير، جليا، في إعادة تطبيع العلاقات مع المجموعة العربية الإسلامية.
وتحرك إيران لم يبدأ، اليوم، فقط، بل منذ مدة؛ إذ هناك علاقات مفضلة قائمة بينها وبين السعودية، رغم العداء المستفحل بينهما. كما أن هناك، حاليا، محاولات جادة من طرف طهران لتطبيع العلاقات مع المغرب؛ بحيث يصرح الإيرانيون، بقوة، بأنهم توقفوا، منذ مدة، عن مد "البوليساريو" بأي دعم، وبأنهم مستعدون للتعاون مع المملكة المغربية، وإعادة العلاقات الدبلوماسية معها إلى ما كانت عليه، في الماضي.
المغرب متشبث بضرورة سحب إيران لدعمها للكيان الانفصالي، إلى أي درجة يمكن أن تحقق طهران هذا الشرط؟
موقف المغرب من هذه النقطة حاسم. فعاهل البلاد أشار، في خطاب ملكي سابق، بمناسبة ذكرى عيد العرش، إلى أنه، من الآن فصاعدا، تعتبر قضية الوحدة الترابية المنظار والمعيار الدقيق الذي يقيس به المغرب صدق الصداقات ونجاعة الشراكات. وهذا معناه، بعبارة أخرى، أن المغرب لن يدخل في إطار أي شراكات منتجة ومربحة للطرفين، أو أي تعاون كبير، إلا إذا اتخذ الطرف الآخر موقفا صريحا وواضحا من قضية الصحراء المغربية.
وأعتقد أن الحد الأدنى في هذا الموقف هو اعتبار الحكم الذاتي المجال الأفضل لتسوية النزاع. وبطبيعة الحال، هذا الموقف المغربي أعطى أكله على جميع المستويات. فكل التحولات التي عرفتها مواقف دول مهمة داخل أوروبا؛ كألمانيا، وإسبانيا، وأخيرا، فرنسا، مرتبطة به.
هو نوع من الصرامة الذكية التي أدت، كما لاحظنا، إلى هذا التطور المشهود. ونعلم أن هذا التطور لم يرتبط فقط بأوروبا، بل حتى بدول في أمريكا اللاتينية وفي آسيا.
وحتى بالنسبة لإيران، ها نحن نسمع تصريح أحد مسؤوليها، الذي قال إن بلاده توقفت عن أي مساعدة لـ"البوليساريو"؛ ما يعني أنه كان يعلم، سلفا، أن الموقف المغربي لا يقبل التنازل فيما يخص هذا الموضوع.
لا يعقل بالنسبة لمتخذ القرار المغربي أن يدخل في تطبيع مع إيران وهي تزود "البوليساريو" بأي نوع من الأسلحة. ونحن نعلم أن إيران لديها إمكانيات مهمة في تزويدها بـ"الدرون" وبعض الأسلحة الخفيفة، أو ما يسمى بـ"أسلحة حرب العصابات"، التي تزود بها حتى روسيا، حاليا.
وبالتالي، المغرب صارم في موقفه، ولو تبين له، ولو في مستقبل قريب، أن إيران عادت إلى دعم "البوليساريو"، فبطبيعة الحال، ستكون كل محاولات التصالح أو التسوية محكومة بالإعدام.
بلغة المصالح، هل يمكن أن تنقلب إيران على الجزائر وتنحاز إلى المغرب؟
إيران، لن تفرط بأي حال من الأحوال، بعلاقاتها المفضلة مع الجزائر، هذا شيء مؤكد. ولكن كونها تقوم بالامتناع عن تقديم دعم لوجيستيكي أو بالأسلحة لـ"البوليساريو"، ليس أمرا من شأنه أن يغير طبيعة علاقاتها مع هذا البلد.
ربما إذا اعترفت طهران بمغربية الصحراء، وأوفدت قنصلية إلى العيون أو الداخلة، آنذاك، سنقول إن الجزائر ستناصبها العداء، كما فعلت مع إسبانيا وفرنسا، بل إنها مستعدة لتفعله، بقوة أكبر، مع إيران.
لكن هذه الأخيرة لن تصل، أبدا، إلى هذا الحد. لا أعتقد ذلك إطلاقا. فإيران سوف تدخل في علاقات حذرة في التطبيع مع المغرب. سوف تتوقف عن مساعدة "البوليساريو"، إذا ما تحقق، فعلا، هذا الشرط، ولكنها في نفس الوقت، ستحتفظ بعلاقات مفضلة مع الجزائر، وهي العلاقات المعروفة تاريخيا؛ إذ لا نزال نذكر حينما توسطت الجزائر في تسوية أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران، سنة 1981، فضلا عن تضامنها مع إيران في المنتديات الدولية، خاصة داخل الأمم المتحدة، وفي المجال الإقليمي كذلك.
وبالتالي، لا أظن أن القطيعة مع الجزائر ستكون النتيجة المرجوة أو المختارة لمسألة التعاون المغربي الإيراني في المستقبل.
بمعنى أن الموقف المتوقع من إيران لن يتعدى نقطة التزام الحياد؟
تماما، يعني التعامل بمبدأ "مسك العصا من الوسط"، وربما مع نوع من الميل نحو الجزائر، في جميع الأحوال.
ونحن نتحدث عن الأطراف، هل يمكن أن يمنع التطبيع مع إسرائيل عملية التقارب بين المغرب وإيران؟
لا، أبدا. لا أعتقد ذلك. وكمثال على ذلك، الإمارات العربية التي تجمعها علاقات طيبة بإيران، ولكنها في نفس الوقت، لا تزال مرتبطة، في إطار "اتفاقيات أبراهام"، مع إسرائيل.
هل يمكن أن نرى، عما قريب، مؤشرات قوية من الرباط فيما يخص إعادة العلاقات مع طهران؟
مسألة إعادة العلاقات بالنسبة للمغرب ستتطلب الكثير من التفكير، أولا مع حلفائه الأساسيين، ولو أنه يعتبر أن سياسته الخارجية سياسة مستقلة، لا يمكن أن يؤثر فيها أي طرف آخر؛ بحيث اختار، منذ سنة 2015 أو 2016، سياسة "لا تضع كل البيض في سلة واحدة"، من خلال تنويع الشراكات وعلاقات التعاون. لكن مع ذلك، المغرب حذر فيما يخص قرارات كهذه؛ كون القرارات السابقة في هذا الاتجاه لم تعط نتائج إيجابية. فالمغرب كان ينتظر، منذ التطبيع، أن تسير في اتجاه معين، فإذا بإيران تتخذ مواقف عدائية، إلى آخره.
المغرب سيتريث كثيرا. ربما في البداية، سوف يكون هناك مكتب اتصال أو نوع من اللقاءات الثنائية بتعاون أولي، ولكن اتخاذ قرار فتح السفارة بكيفية نهائية سوف يتطلب بعض الوقت، إلى أن تتأكد السلطات المغربية، فعلا، من أن إيران لن تعود إلى سابق عهدها، فيما يخص دعم "البوليساريو"، باعتباره العنصر الأساسي والمركزي.
هناك نقطة أساسية أخرى؛ وهي مسألة دعم الشيعة. فالمغرب يعتبر نفسه مدافعا عن الوجود السني، خاصة مذهب الإمام مالك، ولا يريد أن يرى في شمال البلاد أو في الشتات المغربي في أوروبا أي استفحال للنفوذ الإيراني.
إذا حسنت النيات من الطرف الإيراني، فلماذا لا يسارع المغرب إلى فتح سفارة في طهران، ومثيلة إيرانية لها في الرباط؟