تجميد المساعدات الأمريكية.. هل يبحث المغرب عن شركاء أكثر التزاما؟

بشرى الردادي

في خطوة أثارت جدلا واسعا، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تجميد المساعدات الخارجية، بما في ذلك تلك التي تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، والتي تمثل أداة رئيسية لنفوذ واشنطن في العالم.

وحسب استطلاع رأي صادر حديثا عن "الباروميتر العربي" للفترة بين سنتي 2022 و2024، لا يؤثر هذا القرار فقط على الدول التي تعتمد على هذه المساعدات في مجالات التنمية الاقتصادية والمجتمع المدني، بل قد تكون له تداعيات مباشرة على صورة الولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة في المغرب، الذي كان من بين الدول المستفيدة من هذه البرامج.

وتابع المصدر نفسه أن هذا القرار قد يفرض تحديات اقتصادية جديدة على المغرب، خاصة في ما يتعلق بتمويل بعض المشاريع التنموية، لكنه قد يفتح، في المقابل، المجال أمام شراكات بديلة لتعويض هذا الغياب الأمريكي.

وبينما يشكل التعاون بين البلدين إحدى ركائز السياسة الخارجية للمغرب، فإن تقليص أو وقف هذا الدعم قد يدفع الرباط إلى إعادة تقييم علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الولايات المتحدة، والبحث عن مصادر تمويل جديدة للحفاظ على دينامية برامجها التنموية.

المساعدات.. أداة تنموية أم وسيلة نفوذ؟

وسجل الاستطلاع أنه لطالما شكلت المساعدات الأمريكية عنصرا أساسيا في دعم عدة قطاعات حيوية في المغرب؛ حيث شملت برامج التعليم والتدريب المهني، التي تهدف إلى تعزيز مهارات الشباب وإدماجهم في سوق العمل، وريادة الأعمال وتمكين المرأة، من خلال دعم المقاولات الصغيرة، خصوصا في المناطق القروية، فضلا عن مشاريع البنية التحتية والتنمية المحلية، التي شملت تحسين إمدادات المياه والطاقة وتطوير القطاع الزراعي.

ووفقا للبيانات الرسمية، بلغت قيمة المساعدات الأمريكية للمغرب بين 50 و100 مليون دولار، سنويا، مع تخصيص 48 مليون دولار، في عام 2022، لدعم مشاريع تنموية مختلفة.

وتعتبر هذه المساعدات جزءا من الاستراتيجية الأمريكية لتعزيز علاقاتها مع المملكة، التي تعد حليفا استراتيجيا رئيسيا في شمال إفريقيا.

كيف ينظر المغاربة إلى المساعدات الأمريكية؟

وحسب المصدر نفسه، ارتفعت نسبة المغاربة الذين يقرّون بفعالية المساعدات الأمريكية بأكثر من 10 نقاط مئوية. كما أظهرت البيانات أن 68 في المائة من المغاربة الذين يعتقدون أن المساعدات الأمريكية تدعم التعليم، أبدوا رغبتهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، مقارنة بـ44 في المائة فقط من الذين رأوا أن هذه المساعدات غير فعالة.

وأضاف أن 29 في المائة من المغاربة يعتبرون أن الهدف الأساسي لهذه المساعدات هو كسب النفوذ الأمريكي في البلاد، وهي نسبة أقل مقارنة بدول عربية أخرى، ما يعكس تصوّرا مختلفا عن دور المساعدات الأمريكية في المغرب.

تحديات التجميد

وفي ظل هذا القرار، يواجه المغرب عدة تحديات اقتصادية وتنموية قد تتطلب إعادة ترتيب أولوياته المالية؛ أبرزها تمويل المشاريع الاجتماعية والتربوية. فمع تقليص الدعم الأمريكي، قد يجد المغرب صعوبة في استمرار بعض البرامج التي كانت تعتمد جزئيا على المساعدات الأمريكية، خاصة في مجال التعليم والتكوين المهني ودعم الشباب.

أما ثاني أولوية؛ فهي التأثير على برامج دعم المرأة وريادة الأعمال؛ إذ لطالما ساهمت المساعدات الأمريكية في دعم المقاولات الصغرى، لاسيما تلك التي تديرها النساء. ومع وقف هذه التمويلات، قد يواجه العديد من رواد الأعمال الناشئين تحديات في الحصول على الدعم المادي والاستشاري الذي كان متاحا سابقا.

كما هناك، أيضا، إعادة توجيه الميزانية الحكومية لتعويض الفراغ المالي؛ إذ قد تضطر الحكومة المغربية إلى إعادة ترتيب أولوياتها المالية لتغطية الفجوة التي سيتركها وقف المساعدات الأمريكية؛ مما قد يؤثر على قطاعات أخرى تحتاج إلى تمويل حكومي إضافي.

البحث عن بدائل

وأشار "الباروميتر العربي" إلى أن وقف المساعدات قد يكون إشارة إلى برود محتمل في العلاقات الاقتصادية بين البلدين؛ ما قد يدفع المغرب إلى البحث عن أسواق وشراكات جديدة لتعويض هذا النقص.

وفي مواجهة هذا التحدي، يمتلك المغرب عدة خيارات لتعويض الفراغ الذي قد يخلفه وقف الدعم الأمريكي؛ ومن أبرزها تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي الذي يعد أكبر شريك اقتصادي له؛ إذ يخصص أكثر من 200 مليون يورو سنويا لدعم مشاريع التنمية، وهو ما قد يساعد في تعويض النقص الناجم عن غياب المساعدات الأمريكية، بالإضافة إلى التوسع في الشراكة مع الصين التي أصبحت مستثمرا رئيسيا في المملكة، خصوصا في مشاريع البنية التحتية والطاقة المتجددة؛ مثل مشروع ميناء "الناظور غرب المتوسط". ويمكن للرباط أن تستفيد من القروض والاستثمارات الصينية لتمويل مشاريعها التنموية، فضلا عن توسيع التعاون مع دول الخليج، خصوصا السعودية والإمارات وقطر، والتي لعبت دورا كبيرا في تمويل مشاريع اقتصادية كبرى في المغرب؛ مثل مشروع القطار فائق السرعة (TGV). ويمكن للمغرب تعزيز هذا التعاون للحصول على تمويل إضافي.

وقد يكون الحل الأكثر استدامة هو تعزيز مناخ الاستثمار لجذب شركات عالمية جديدة، والاستفادة من موقع المغرب الاستراتيجي كمركز للأعمال في إفريقيا.

هل تفقد واشنطن نفوذها في المغرب؟

وأبرز المصدر نفسه أنه لطالما استخدمت الولايات المتحدة المساعدات الخارجية كوسيلة لتعزيز نفوذها السياسي والدبلوماسي. ومع وقف هذه المساعدات، فإن واشنطن تخاطر بفقدان إحدى أدواتها المهمة في علاقتها مع المغرب. وفي الوقت الذي تقلص فيه الولايات المتحدة دعمها المالي، تجد قوى أخرى؛ مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، فرصة لتعزيز حضورها الاقتصادي والدبلوماسي في المملكة.

ترتيب التحالفات؟

ويجد المغرب نفسه، اليوم، أمام مرحلة جديدة من إعادة التوازن في علاقاته الدولية. فبينما يسعى إلى الحفاظ على تحالفه الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، فإن وقف المساعدات قد يدفعه إلى توسيع نطاق شراكاته مع أوروبا والصين والخليج لتعويض هذا الغياب.

ويبقى السؤال المطروح هو: هل ستعيد واشنطن النظر في قرارها مستقبلا، أم أن المغرب سيتوجه نحو شركاء جدد أكثر التزاما بتمويل مشاريعه التنموية؟