الدراجة الهوائية كانت رفيقة مريم بلكيحل، صاحبة الـ29 عاما، حين قررت خوض مغامرة مخالفة للمألوف، بقطعها أبرز دول القارة السمراء، من المغرب وصولا إلى تنزانيا، والهدف تسلق جبل "كيليمنجارو" في تنزانيا، أعلى قمة في القارة الإفريقية.
خلال حوالي السنتين على مغادرتها المغرب عبر دراجتها الهوائية، مرت الشابة البيضاوية بـ25 دولة، والرحلة لاتزال مستمرة، حسبها، قبل تحقيق هدفها.
زارت دولا تعيش توترا سياسيا، ولم تسلم من الإصابة بالأمراض الشائعة في دول جنوب الصحراء، كالملاريا، في أزيد من مناسبة، إلا أنها ظلت مصرة على إكمال رحلة الحلم كما وصفتها في حوار مع TELSPORT"".
مريم بلكيحل، وبكثير من الفخر، أكدت أن رحلة قطع القارة السمراء برا، وعبر دراجة هوائية، ممكن، مشيرة إلى أن ما يقال عن إفريقيا ليس كما يصوره البعض، فلقد وجدت الترحيب والدعم أيضا من نساء القارة السمراء.
دروس الحياة، الصبر والقناعة.. كلها مكتسبات قالت مريم إنها تعلمتها خلال الـ24 شهرا وفي الطريق.
متى بدأت فكرة التجوال عبر دراجة هوائية في القارة الإفريقية؟
بدأت أفكر جدياً في خوض مغامرة التجوال عبر القارة الإفريقية بدراجتي الهوائية في 2018، وذلك لاعتبارات عديدة، منها ممارستي رياضة المشي لمسافات طويلة، ورغبتي في صعود أعلى القمم الجبلية.
ومن هنا جاءت الفكرة أن تكون البداية من القارة الإفريقية التي أنتمي إليها، بعد أن صعدت إلى أعلى قمة جبلية في المغرب (توبقال)، وحملني الطموح مباشرة لصعود أعلى قمة في إفريقيا، وهي جبل كيليمنجارو في تنزانيا.
لم يتوقف طموحي عند تحقيق هدف صعود أعلى قمة جبلية في القارة السمراء، بل فكرت في أن يكون الوصول إلى هذه النقطة مميزاً وعن طريق مغامرة حقيقية، وبعيداً عن الطرق التقليدية، أي السفر عبر الطائرة إلى الوجهة المحددة ثم صعود جبل كليمنجارو.
حبي للطبيعة والمغامرة والسفر بطريقة مختلفة عما هو روتيني، جعل من الدراجة الهوائية رفيقتي في هذه المغامرة التي مازالت مستمرة بعد حوالي سنتين على انطلاقتها بالمغرب.
هل كان مسار الرحلة من المغرب وصولا إلى تنزانيا بتخطيط قبلي، وما القصة وراءه؟
لم أضع خطة بخصوص مسار رحلتي عبر الدراجة الهوائية من المغرب مرورا بموريتانيا ثم السنغال وعدد من دول القارة السمراء، وصولا إلى الهدف وهو تانزانيا وصعود قمة جبل كيليمنجارو.
أحاول ترك الأمور تسير بطريقة سلسلة وحسب ما هو متاح، كما منحت نفسي الوقت الكافي للتعرف على كل بلد على حدة، والتقرب بشكل كبير من ثقافته وشعبه.
بعض الدول لم تكن مطروحة كخيار لزيارتها في طريقي صوب تنزانيا، لكن رغبتي في الاكتشاف وعيش تجربة استثنائية شجعني على زيارتها وقضاء وقت مهم بها.
هدفي الأول، هو استكشاف قارتي.. القارة الإفريقية بعمق، وبعيدا عن الصورة النمطية التي ترسخت في أذهان الكثيرين عنها، بالإضافة إلى إبراز الجوانب الإيجابية لهذه الرحلة.
إلى حدود مارس 2025، كم دولة زرت قبل الوصول إلى نقطة نهاية الرحلة والتي حددتها في تنزانيا؟
وصلت إلى الدولة الـ25، منذ انطلاق رحلتي من المغرب في فبراير 2023، وحاليا أنا أوجد بدولة زامبيا. أمامي طريق طويل للوصول إلى تنزانيا، وتحقيق هدف صعود أعلى قمة في القارة الإفريقية.
زرت كلا من موريتانيا، والسنغال، وكوت ديفوار، وسيراليون، وناميبيا، وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى ليبيريا وأنغولا، وغينيا بيساو، والطوغو، وغانا، ونيجيريا، والكاميرون، وغامبيا، وغينيا كوناكري، والبنين، وجمهورية إفريقيا الوسطى، والكونغو برازافيل، وزيمبابوي، وموزمبيق، وإيسواتيني، والكونغو الديمقراطية، وبوتسوانا، وزامبيا.
رحلة عبر الدراجة الهوائية لمدة تجاوزت السنتين تقريبا، هل هي تحد لإثبات أن الفكرة ممكن تنفيذها أم تشبث بالحلم؟
رحلتي هي مزيج من التحدي والحلم في الوقت ذاته، أؤمن بأن السفر منبع للتعلم واكتشاف أمور جديدة، ستعلمنا دروسا في الحياة.
أردت أن أشعر بصعوبات هذه الرحلة في كل كيلومتر أقطعه عبر دراجتي، لأن المغامرة الحقيقية تكون دائما محفوفة بالعراقيل والصعوبات وطريقها ليس ممهدا.
خلال رحلتك، هل فكرت يوما في التخلي عن الدراجة أو على الأقل الاستعانة بوسائل النقل المتاحة لقطع الطرق الوعرة داخل القارة السمراء؟
أحيانا يتسلل إلي التعب والمرض بعد قطعي مسافات طويلة برحلتي، لكن لم يسبق لي التفكير في التخلي عن الدراجة الهوائية، لأنها الوسيلة الأساسية للوصول إلى الهدف الذي وضعته.
في مرات قليلة، كنت مضطرة للاستعانة، مثلا، بباخرة من أجل الوصول إلى الوجهة المحددة، أما الاستعانة مثلا بسيارة أجرة أو سيارات خاصة فهذا الخيار أتركه فقط للمستعجلات، ونادرا ما ألجأ إليه.
ما هي الدول الإفريقية التي تركت أثرا في رحلتك؟
رحلتي إلى نيجيريا كانت خاصة واستثنائية، وكانت من الدول التي أثرت في، لسبب بسيط هو أنني سمعت الكثير من الأمور عنها قبل الوصول إليها، وكانت تقريبا كلها سلبية.
لكن، ومنذ وصولي إلى البلد وجدت ترحيبا كبيرا من سكانها، إنهم شعب طيب.
بالرغم من أن دولة نيجيريا ليست وجهة سياحية، لكن استكشافي لمدينة لاغوس كبرى المدن بالدولة، ذكرني بمدينة الدارالبيضاء وأجوائها.
التحدي الأكبر الذي واجهني في نيجيريا هو الهاجس الأمني، لكن عموما استمتعت كثيرا بهذه التجربة الفريدة.
أنغولا كانت من بين الوجهات التي تركت أثرا طيبا في رحلتي، أناسها رائعون، كما أن الطبيعة في هذا البلد رائعة، لقد قضيت 60 يوما بين مدنها، وشعرت بارتباط كبير مع هذا البلد.
ناميبيا أيضا كانت استثنائية بطبيعتها وأجوائها.
تحدثت عن عامل مهم وهو الأمن، هل واجهتك مشاكل تتعلق بهذا الجانب دفعتك للتفكير في إنهاء رحلتك قبل محطة النهاية بتنزانيا؟
تعرضت لمواقف صعبة بالتأكيد خلال رحلتي، ومررت بدول غير آمنة، حتى بالنسبة إلى سكانها الأصليين، لكن في العموم كنت أحاول أخذ احتياطاتي اللازمة، وبشكل عام الرحلة ولحدود الساعة جيدة بالنسبة إلي.
لم أفكر في التراجع رغم بعض الصعوبات كما ذكرت ببلدان معدودة، لأن هدفي كان واضحا منذ الانطلاقة من المغرب.
بعد أن عشت هذه التجربة بتفاصيلها، إن عاد الزمن للوراء هل ستقومين بخوض نفس التحدي؟
الرحلة غيرت أشياء عديدة في حياتي، لقد تعلمت الكثير، ورغم أن المدة ليست طويلة جدا، إلا أنني أصبحت أكثر نضجا من اليوم الذي انطلقت فيه من المغرب وصولا إلى زامبيا الآن.
تعلمت الكثير من دروس الحياة في هذه الرحلة، وإن عاد بي الزمن إلى الوراء سأكرر نفس الأمر دون شك. أنا غير نادمة على هذه المغامرة التي لاتزال مستمرة.
فتاة، ودراجة هوائية، واستكشاف القارة الإفريقية بمساراتها الصعبة ومناخها المتنوع، هل كان يُنظر إليه على أنه مهمة مستحيلة؟
الناس عندما يسمعون قصتي يقولون إن الأمر مستحيل أو صعب تحقيقه.
أنا أثبتت اليوم العكس لكل من يقول إن تحقيقه مستحيل، إفريقيا للقلوب الشجاعة، بسبب طرقها الصعبة لكن سكانها استثنائيون وطيبون.
الشيء الذي أثارني هو أن نساء القارة السمراء يحرصن بطبعهن على حماية بعضهن البعض، وكن دائما في تواصل معي ويحاولن توفير سبل الراحة على قدر المستطاع.
لقد لمست، أيضا، الاحترام الكبير للأجنبي عموما، إن استثنينا المدن الكبرى بخصوصيتها فلم يسبق لي أن واجهت مشكلاً مع أي من السكان في كل الدول التي حللت بها.
كيف تعاملت مع الأمراض الشائعة بدول جنوب الصحراء خلال رحلتك؟
أصبت بالملاريا 4 مرات في رحلتي، كما أنني أصبت بالعدوى، وواجهت مشاكل بالأسنان بشكل متكرر، كما لم أسلم من الإصابة بحمى التيفوئيد.
الوقاية في البداية ثم العلاج، إضافة إلى مشاركة تفاصيل وضعي الصحي مع عدد من الأطباء في المغرب من الأمور التي أحرص عليها خلال هذه الرحلة.
ماذا عن دور العائلة؟
في البداية خيم التخوف على أفراد عائلتي عندما شاركت معهم فكرة قطع القارة السمراء وصولا إلى تنزانيا، لكن مع مرور الوقت وتنقلي بين أبرز الدول، تفهموا رغبتي في تحقيق هذا الحلم.
حاليا هم السند والدعم، من أجل الوصول إلى وجهتي النهائية بعد هذه المغامرة، لكنهم في الوقت ذاته يريدون مني العودة في أقرب وقت، بعد أزيد من سنتين على مغادرتي للمنزل.
ما هو أكبر درس تعلمته من هذه المغامرة؟
سأقول إن العالم كبير و"الطريق فيها خير"، بالإضافة إلى أمور أخرى تتعلق بالصبر والقناعة، فلا يمكن مواصلة هذا النوع من المغامرات دون التحلي بها، لأنها من ضمن المفاتيح التي تساعد الشخص في التركيز على هدفه.
هل تشجعين النساء عموما على خوض مغامرة مماثلة للتي تعيشينها الآن؟
الأكيد هو أن المغامرة ليست حكرا على الرجال فقط، لهذا أشجع النساء أيضا على التشبث بحلمهم وتجربة أمور مختلفة.
يمكننا كنساء خوض مغامرات، مثل قطع القارة السمراء بدراجة هوائية والنجاح في ذلك، والأمر الذي يحدث الفارق بالنسبة لي هو الجانب الذهني للشخص الذي يطمح للإقدام على هذه التجربة، سواء امرأة أو رجل.
بعد تجاربك في هذه الدول، كيف تصفين المرأة الإفريقية التي عايشتها عن كثب؟
خلال هذه الرحلة، رأيت المرأة الإفريقية الصبورة والقوية والتي تعمل بجد كبير، وتواجه الحياة بابتسامة رغم الصعوبات.
بالنسبة إلي المرأة في إفريقيا تحمل ثقلا كبيرا في جميع المجالات دون استثناء، ومن موقعها كيفما كان.
كيف كان التفاعل من طرف سكان الدول التي زرتها، مع قميص المنتخب الوطني المغربي الذي ترتدينه؟
التفاعل كبير جدا مع قميص المنتخب الوطني المغربي، بشكل أكبر في دول غرب إفريقيا، وأغلب متابعي كرة القدم من الرجال يعرفون جيدا المنتخب الوطني ويتابعون مبارياته.
أشرف حكيمي، حكيم زياش.. يعدان من بين اللاعبين الأكثر شهرة في هذه الدول، والجميع يتحدث عنهما.
أعتقد أن كرة القدم ساهمت بالتعريف أكثر بالمغرب في عدد من دول القارة السمراء، وساهمت في تقريب الشعوب خصوصا بعد كأس العالم 2022.
إضافة إلى أن اللاعبين المغاربة المحترفين في كبرى الدوريات الأوروبية، لديهم من الشعبية الكثير والكل يتحدث عنهم وعن إنجازاتهم، ويحبونهم.
خلال هذه المغامرة كيف استطعت تمويل الرحلة؟
لقد كان الأمر مزيجا بين مدخرات شخصية طيلة فترة عملي، كما تمكنت من الحصول على دعم بعض الشركات التي آمنت بفكرتي وشجعتني على المضي قدما في المغامرة التي قررت دخولها.
مقاطع الفيديو التي أتقاسمها مع الناس عبر منصة "يوتيوب"، تدر، بدورها، بعض المال، رغم أنه قليل إلا أنه يساعدني في رحلتي.
أنشأت مشروعا صغيرا لبيع القمصان وأيضا الحقائب وأشياء بسيطة متعلقة بالسفر، كيف كان التفاعل مع الأمر خصوصا أنك أعلنت أن مداخليه ستساعدك ماديا في تمويل ولو جزء بسيط من تكاليف الرحلة؟
بالفعل، قمت بإنشاء مشروع بسيط لبيع القمصان وغيرها، والهدف منه كان جمع مبلغ من المال لتمويل رحلتي قبل الدعم الذي تلقيته من الشركات.
لقد كنت ضد فكرة جمع تبرعات مثلا أو مساعدات لتمويل رحلتي، وفكرت أن أبيع بعض المنتجات قبلها بأشهر، وصراحة كان التفاعل كبيرا ومفاجئا بالنسبة لي، لأن الناس أرادوا المساهمة بطريقتهم الخاصة في هذه الرحلة، واقتناء الأقمصة وغيرها.
أسعدني كثيرا كيف أن الناس آمنوا بمغامرتي وقرار القيام بجولة في القارة السمراء عبر دراجة هوائية، وهو ما أظهروه عن طريق الإقبال الكبير على هذه المنتجات.
هل كانت مداخيل يوتيوب بعد انطلاق المغامرة مربحة؟
كما أشرت سابقاُ يوتيوب يوفر بعض الدعم المالي بناء على عدد المشاهدات بمقاطع فيديو المغامرة أو الرحلة التي أعيشها، لكنه ضعيف جدا ولا يغطي حتى تكلفة التأشيرات التي أدفعها لدخول عدد من الدول.
فكرة إنشاء قناة منذ البداية لم تكن من أجل جني الأرباح، لهذا لم أعتمد عليها 100 في المائة لتمويل الرحلة بشكل أساسي، لكن في الوقت ذاته أحاول الاجتهاد في القناة ومشاركة جميع تفاصيل الرحلة مع الناس.
هل هناك تاريخ محدد لنهاية رحلتك؟
ليس لدي تاريخ محدد أو واضح بخصوص نهاية الرحلة، أحاول ترك الأمور تسير بشكل طبيعي، وعندما سأقترب من تحقيق الهدف الذي وضعته منذ البداية، ستكون حينها نهاية المغامرة بالنسبة إلي.