حذارِ! الخلايا السرطانية للرهان غير القانوني تتكاثر بعدما اتخذت من منطقة الشمال قاعدة لنشر نسختها المتحورة من المرض العضال. بل أصبح نشاطها يمتد ليطال ألعاب اليانصيب وسباقات الخيول.
تفاصيل دق ناقوس الخطر تحملها وثائق وشهادات حصرية حصل عليها "تيلكيل عربي"، بالإضافة إلى مقاطع فيديو اطلع عليها، تفضح مرور تطبيقات الرهان غير القانوني ومعها اليانصيب... للسرعة القصوى في اختراق السوق المغربية، ومحاربة الشركات المغربية المرخص لها بالاستثمار في المجال، عبر استقطاب وكلائها، وإقناع أصحاب محلاتها ونقط بيعها المرخصة بالتحول للاشتغال لحسابها.
وتفضح الوثائق التي حصل عليها الموقع، نهج هذه التطبيقات لسياسة الإغراء والتهديد والمساومة، فضلا عن التحكم في مصائر المراهنين، عبر خلق شبكات مهمتها إنشاء حسابات للرهان واللعب غير القانونيين، وتجميع الأرباح في حسابات بنكية 70 في المائة منها تفتح بهوية نساء، بغرض التمويه على مصدر الأموال المتحصلة وطريقة إعادة توزيعها على المتنفعين منها.
كيف تتم عملية الاستقطاب ومن يتكفل بها؟ ما هي طرق الإغراء والتهديد؟ ما هي طريقة توزيع الأرباح؟ أين تمارس هذه الأنشطة غير القانونية؟ وكيف عادت "الرياشات" بصيغة رقمية؟
استهداف مباشر
مع بداية العام الجاري، تم رصد تنقل مجموعة من الوكلاء الأجانب بين المحلات ونقط البيع المرخص لها بتقديم منتوج الرهان الرياضي القانوني وغيره من الألعاب، تحديدا بمدن الشمال، لإقناع أصحابها على توجيه المراهنين نحو تحميل تطبيقات الرهان واللعب غير القانونيين، بل والاشتغال معهم مقابل نسبة من الأرباح.
ويقول أحد مصادر "تيلكيل عربي" الذي قبل الحديث حول هذا الموضوع مع التشديد على إخفاء هويته "منذ شهر يناير الماضي، يتنقل ممثلون لشركات الرهان واللعب مقابل الربح في الإنترنت، بين المحالات المرخص لها، لإقناع هؤلاء بالعمل لحسابهم. هناك فيديوهات تم توثيقها من طرف بعض الوكلاء وأصحاب المحلات، وتم إرسالها لإدارة (MDJS) قصد التدخل لوقف هذه الممارسة، لأنها تستهدف بالدرجة الأولى نقط بيعها".
ويضيف في شهادته: "استطاع ممثلو تلك التطبيقات اقناع مجموعة من أصحاب المحلات ونقاط البيع المرخص لها. وهم اليوم يعملون تحت امرتهم. بل أصبحوا يشتغلون بطريقة التشبيك، أي اقناع مجموعة من الزبناء على لعب الرهان غير القانوني، مقابل تسهيلات إنشاء حسابات لهم بدون الحاجة لهويتهم الوطنية، ودون الحاجة لفتح حسابات بنكية قصد تحصيل الأرباح".
وعن هوية ممثلي هذه التطبيقات، يجيب المصدر ذاته: "أشخاص أجانب. ما هو معروف في المغرب هو تطبيق 1XBET لكن هناك تطبيقات أخرى إما تابعة له أو مستقلة عنه، تنشط بقوة في السوق المغربية، وبدأت تتغلغل داخل مختلف الفئات".
هل وحدها محلات ونقط بيع المغربية للألعاب والرياضة المستهدفة؟ يجيب مصدر "تيلكيل عربي": "لا".
ويوضح: "التطبيقات غير القانونية لا تقتصر على الرهان الرياضي، بل امتدت إلى اليانصيب وسباقات الخيول".
تحول تؤكده وثائق يتوفر "تيلكيل عربي" عليها، تظهر إنشاء حسابات للعب غير القانوني بالمغرب، بالإضافة إلى أرقام حسابات بنكية مرتبطة بها، وأيضا توفر مجموعة منها على ربط مباشر بوكالات تحويل الأموال أو تعبئة الهاتف، قصد تسهيل حركة المبالغ المالية التي توضع في اللعب وتحصيل الأرباح.
مصيدة الإغراء قبل التهديد
"معنا سوف تربحون أكثر كل ما استقطبتم المزيد". هذه هي مصيدة سماسرة تطبيقات الرهان الرياضي واللعب غير القانونيين، لإقناع أصحاب المحلات ونقط البيع، للخروج من مجال يحكمه القانون وتؤطره التشريعات الخاصة بالمغرب.
وبخصوص هذا الجانب، وحسب ما حصل عليه "تيلكيل عربي" من وثائق وشهادات، يطلب سماسرة مواقع الرهان غير القانوني واليانصيب بالإضافة إلى سباقات الخيول، من أصحاب المحلات ونقاط البيع بعد إقناعهم المبدئي بعرضهم، الاطلاع على العقود التي تجمعهم مع الشركات المغربية القانونية.
وبعد الاطلاع عليها، يعرضون عليهم الرفع من هامش الربح الذي قد يتحاوز 40 في المائة، وذلك حسب قوة نشاطهم في المجال وعدد من يتردد على محلاتهم ونقط بيعهم من لاعبين في الشهر.
ويتحدث أحد شهود "تيلكيل عربي" عن وجود "نبرة تهديد تجاه من يرفضون الالتحاق بقطار الرهان واللعب غير القانونيين".
كيف؟ يوضح الشاهد ذاته: "أصحاب المحلات ونقط البيع يتعاملون مع وكلاء معتمدين، وهؤلاء هم الذين يتحكمون في المبالغ التي تشحن بها أجهزة اللعب، وذلك حسب الإقبال في مختلف المناطق. مثلا هناك أجهزة تدور ب30 ألف درهم وأخرى ب10 آلاف درهم. عدد من أصحاب المحلات ونقط البيع، يفاجؤون بعد رفضهم لعروض سماسرة التطبيقات غير القانونية، بأن مبلغ اللعب المرخص لهم يتقلص بأكثر من النصف، بل منهم تصل عتبته لأقل من 200 درهما في اليوم".
من يتحمل مسؤولية هذا الاستهداف؟ يجيب مصدر الموقع: "قرار خفض قيمة شحن أجهزة الرهان واللعب يتحكم فيه الوكلاء المعتمدون. وهنا تطرح علامات استفاهم تجاه هؤلاء الذين يشتغلون لحساب الشركات المرخص لها!".
"رياشات" رقمية
قبل سنوات خاضت السلطات الأمنية حملة لتطهير عدد من المقاهي بمختلف المدن من آلات لليانصيب والرهان والقمار غير القانونية. كانت تعرف حينها ب"الرياشات". ولا تزال بعض حالات ضبطها بالمدن الصغيرة تحديدا.
هذه الآلات يظهر اليوم أنها تحولت من "ماكينات" كان يمكن ضبط أين توضع إلى تطبيقات أصبح لها سماسرة ووكلاء يستقطبون من يُدمنها بدون حسيب ولا رقيب.
في هذا السياق يصرح مصدر من مدينة طنجة، إن "شركات التطبيقات غير القانونية، أصبحت تعمل بحرية مطلقة ولا أحد يحاسبها، بل أصبحت تتوفر على محلات مفتوحة للعموم".
ويكشف المصدر ذاته في شهادته، أن "مهمة المسؤولين أو المشرفين عن هذه المحالات، هو استقاطب اللاعبين، حيث يقومون بشحن حسابات اللعب عند أشخاص معينين مكلفين بهذه العملية".
بل ذهب حد القول إن "المحلات ونقط البيع المرخص لها لم تعد وحدها المستهدفة، بل تم استقاطب أصحاب ومسيري عدد من محلات المقاهي السريعة (COFFE SHOP)".
من المسؤول عن حركة الأموال داخل هذه التطبيقات؟
ما هو مؤكد بناء على الأبحاث التي قام بها "تيلكيل عربي"، منذ حصوله على الوثائق واستماعه للشهادات، بخصوص هذا التطور الخطير الذي طرأ في طريقة اختراق تطبيقات الرهان واللعب غير القانونيين للسوق المغربية، أنها لا تتوفر على أي سند قانوني لممارسة هذا النشاط سواء بطريقة مباشرة وعبر وكلاء أو وسطاء.
كما أن النزاعات التي قد تطرأ مع هذه التطبيقات لا يمكن حلها بشكل قانوني، وتضيع حقوق الآلاف يوميا بالنظر لغياب ممثل قانوني لها أو مقر اجتماعي بالمغرب.
في هذا الصدد، يكشف محامي بهيئة الدار البيضاء لموقع "تيلكيل عربي"، أنه "توصل بملفات من عدد من موكليه، فازوا بمبالغ مالية بعد استعمال إحدى تطبيقات الرهان الرياضي غير القانوني، لكن تم تجميد حساباتهم، ورفض من يديرها من وراء ستار، تحويل قيمة الأرباح إلى حساباتهم البنكية".
ويضيف المحامي أنه لم يجد أي مخاطب أو عنوان مقر يتم من خلاله تبليغ شكاية الضحايا، ما يضيع على هؤلاء كل حقوقهم.
في السياق ذاته، يجب الإشارة إلى أن كل حسابات من يراهنون أو يلعبون عبر هذه التطبيقات غير القانونية، تبقى رهينة من يتحكمون فيها من خارج المغرب.
ما يدفع لطرح السؤال أيضا عن كيف يتم إخراج الأرباح الخيالية التي تحصدها هذه الشركات.
خاصة وأن الحسابات التي تتم من خلالها عمليات الرهان واللعب غير القانونيين، مفتوحة لدى أبناك بالمغرب، فيما الأموال تضخ في حسابات شركات توجد خارج أرض الوطن، ولا يمكن أن تتصرف فيها، دون تحويلها إلى العملة الصعبة ثم عبورها لحدود مكتب الصرف!
دون إغفال أن هذه التطبيقات أصبحت تسخر حتى وكالات تحويل الأموال وتعبئة الهواتف في الرهان واللعب غير القانونيين.