تحقيق.. كواليس عالم الإجهاض في المغرب

المختار عماري

تفجرت خلال الأسبوع الماضي قضية إجهاض كبرى بمدينة مراكش، تورط فيها أطباء وطيار وطالبات وعدد من العاملين في النوادي الليلية. "تيل كيل عربي" يقدم في هذا التحقيق كواليس التحقيق في هذه القضية، ويبحث عن أرقام الإجهاض في المغرب، ويسأل المتخصصين عن سبب استشرائه، ويسائل النصوص القانونية الحالية، وتلك التي لا تزال حبيسة مناقشات نواب الأمة، عن سبب عجزها عن محاصرة الظاهرة.

 تستأنف المحكمة الابتدائية بمراكش، صبيحة اليوم الجمعة 24 ماي 2019، النظر في قضية إجهاض مثيرة، فخلف قفص الاتهام يقف ثلاثة أطباء وربان طائرة وفتيات بينهن قاصر، وصك الاتهام يشير إلى استهلاك للمخدرات الصلبة، وهتك عرض، والفساد والتحريض عليه والتغرير بقاصر، فضلا عن تكوين شبكة متخصصة في الإجهاض، والتي قامت بما لايقل عن 25 عملية، حسب إفادات المتهمين أنفسهم.

"أ.ش" و"ز.ب" و"ب.ش"، ثلاثة أطباء متدربين داخليين، ليست لديهم أية سوابق قضائية، جمعتهم علاقة صداقة أيام الدراسة. في فترة التدريب خلال السنة الخامسة "تعرفوا على طريقة إجهاض المرأة الحامل وخصوصا بالشهرين الأولين من الحمل، وذلك باستعمال أقراص علاج الروماتيزم الحاملة لاسم  ARTOTEC أو دواء CYTOTEC الذي يباع فقط بالدول الأوروبية، وذلك لاحتواء هاذين العقارين على مواد تساعد على تقلص عضلات الرحم وتؤدي إلى الإجهاض بطرقة سهلة وبدون عناء".

 ومن أجل الحصول على الدواء من أوروبا، يتم استنساخ وصفة طبية من موقع إلكتروني خاصة بالاتحاد الأوروبي، وتوضع في اسم "م.ع.ب" الذي يتكلف بالسفر إلى الجزيرة الخضراء لاستقدام الدواء دون مشاكل.

الرواية الأمنية تقول إن هؤلاء أدمنوا معاقرة الخمور، والتعاطي لمخدر الكوكايين، ولحاجتهم الماسة إلى المبالغ المالية لتأمين متطلباتهم الشخصية، فقد ارتأوا تدبر زبائن راغبات في إجراء عمليات الإجهاض مقابل اقتسام المبالغ المتحصل عليها فيما بينهم. وأمام ترددهم على النوادي الليلية، من أجل السمر والسهر وتعرف كل واحد على مومسات ومتعاطيات للدعارة، أصبح كل واحد يتدبر إحدى الزبونات الحوامل، التي تقدم مبلغا يتراوح بين 2500 و3500 درهم.

المجموعة استعانت بأشخاص بعيدين عن قطاع الطب للحصول على خدمات مساعدة من قبيل: جلب أدوية من خارج المغرب، تدبر زبونات راغبات في الإجهاض أو توفير سكن لإجراء عمليات الإجهاض. وكان من بين هؤلاء "م.ع.ب" قبطان طائرة، و"م.ه"، مسؤول علاقات عامة بأحد النوادي الليلية.

بعد توفر الشروط الكاملة، تحقن الراغبة في الإجهاض بمصل "سيروم" عبر الوريد، وتقدم لها أربع حبات من الدواء سالف الذكر لابتلاعها، وتبلل حبتان أخريان بالماء، ويتم إيلاجهما بعد تبليلهما بالماء داخل المهبل. وبعد ساعتين، يسقط الحمل عبارة عن قطع من الدم المتماسكة، وتسلم للمجهضة وصفة بمضادات حيوية.

 حقيقة الأقراص الطبية المستعملة في عملية الإجهاض

حسب تقرير طبي توصلت به الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمدينة مراكش، فإن الأقراص الطبية  CYTOTEC تستورد من الخارج ولا تباع في المغرب، والأقراص الطبية  ARTOTEC 50 ملغ و75 ملغ، وهي أقراص مضادة للالتهاب، كانت تباع في المغرب، لكن جرى منعها بمذكرة وزارية  بسبب استعماله في الإجهاض.

الدواءان معا لهما فعالية كبرى في الإجهاض العمدي والطبي، كيفما كان عمر الحمل، كما يستخدمان في جلب المخاض الاصطناعي عندما يتعدى الحمل أوانه الطبيعي، لكن للدوائين خطورة على حياة النساء الحوامل، بحيث يمكن أن يتسبب في نزيف حاد، مما يتطلب تدخلا طبيا عاجلا وإنعاشا.

البروفيسور شفيق الشرايب ، رئيس الجمعية المغربية للإجهاض السري،  يوضح، في حديث مع "تيل كيل عربي"،  أن دواء CYTOTEC موجود في المستشفيات العمومية المغربية، وفضلا عن دوره في الإجهاض، يملك فعالية كبيرة في إنقاذ النساء أثناء الولادة من النزيف، وقد لعب دورا كبيرا في الحد من وفيات الأمهات أثناء الولادة. ويتم تهريبه من المستشفيات العمومية، ليباع بأثمنة خيالية، بحيث أن أربعة أقراص يمكن أن يصل ثمنها إلى ما بين 2000 و3000 درهم، في حين لا يتجاوز ثمن العلبة كاملة مابين 100 و150 درهما.

الإجهاض.. شجرة تخفي الغابة

يعتقد البروفيسور شفيق الشرايبي أن "قضية مراكش" ما كان لها أن توجد لو جرى تقنين الإجهاض.

ويضيف، في تصريحه لـ"تيل كيل عربي"، "هناك عواقب عديدة لتجريم الإجهاض، فالنساء الحوامل الراغبات في وقف حملهن يجدن أنفسهن مجبرات على اللجوء إلى الإجهاض غير الطبي وغير الآمن، ويجد أطباء أنفسهم وراء القضبان لأنهم متهمون بممارسة الإجهاض السري، ناهيك عن مشاكل اجتماعية لا حصر لها، من انتحار وجرائم شرف وأطفال مهملين".

ويستطرد الشرايبي موضحا "تسقط الفتاة في فخ الحمل غير المرغوب فيه، ولاتجد من يقدم لها يد المساعدة للتخلص من حملها، وينوء كاهلها بثقل الخوف من أولياء أمرها وأسرتها، فتضيق عليها الدنيا بما رحبت، ولا تجد غير الانتحار بابا للخلاص. عندما كنت أشتغل في المستعجلات، كنا نتوصل بحالات لفتيات تناولن مواد سامة لوضع حد لحياتهن على أساس أنها قضية انتحار والسلام، لكن عند الفحص يظهر جليا أن الفتاة كانت حاملا. ولا يتعلق الأمر بقضية معزولة، بل هناك حالات كثيرة".

وعندما لا تنتحر الفتاة، فإن أفراد أسرتها هم من يتكفلون بوضع حد لحياتها، في إطار جرائم الشرف. ويضرب الشرايبي مثالا بما حدث في مدينة طنجة، عندما أقدم شاب على قتل أخته، بعد أن أنجبت دون أن تكون متزوجة، أو الأب الذي قتل ابنته، بعدما انتهى إلى علمه حملها من علاقة خارج إطار الزواج، ليتأكد بعد تشريح الجثة أنها لم تكن تحمل في بطنها سوى الخواء.

لائحة العواقب لا تقف عند هذه الحدود، فهناك جرائم قتل الأطفال بعد الولادة للتخلص منهم، أو رميهم في حاويات النفايات، أو إهمالهم في الشارع العام.

الإحصائيات تتضارب لكنها تؤكد حقيقة واحدة

كم عدد حالات الإجهاض في المغرب؟

لا أحد يستطيع أن يقدم إجابة جازمة، وحتى الذين قاموا بـ"دراسات في الموضوع"، لا يقدمون أرقاما دقيقة. الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة، التي يقول منسقها محمد الزواق إنها قامت بدراستين؛ الأولى، في منتصف الثمانينات والثانية في سنة 2015، تتحدث عن سقف أعلى يصل إلى 80 ألف حالة إجهاض في السنة، بينما تتحدث الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري عن عدد حالات يتراوح بين 600 و800 حالة إجهاض يوميا.

أرقام لم يقع عليها أي تغيير يذكر، يعلق الدكتور الشرايبي، لكن الجديد أن الأطباء أصبح يتملكهم الخوف من هذه العمليات، الآمنة من الناحية الطبية لكن غير القانونية، لأن النتيجة أنهم سيصبحون، بين عشية وضحاها، خلف قضبان الزنازن، مما دفع بالنساء الراغبات في التخلص من الحمل غير المرغوب فيه إلى اللجوء إلى الطرق التقليدية في الإجهاض، والنتيجة هي المزيد من الأطفال المقتولين والمرميين في الحاويات والمهملين.

لكن ماذا يقول القانون؟

في مثل هذا الشهر قبل ثلاث سنوات، أي في شهر ماي من العام 2016، صادقت الحكومة على مرسوم يعطي الحق في بعض حالات الإجهاض، لكن رغم طبيعته الاستعجالية لم ير مشروع القانون هذا النور.

وفي انتظار خروج القانون الجديد إلى حيز الوجود، يتهيب الأطباء من إجراء عمليات إجهاض، عند الأطباء وفي المسشتفيات والمصحات، حتى وإن كانت الحالات تندرج ضمن مقتضيات الفضل 453 من القانون الجنائي المغربي المعمول به حاليا، الذي ينص على "لاعقاب على الإجهاض، إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج. ولا يطالب بهذا الإذن، إذا ارتأى الطبيب أن حياة الأم في خطر، غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم. وعند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع الزوج من إعطاء موافقته أو عاقه عن ذلك عائق، فإنه لا يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم بالعملية الجراحية أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتب عنه الإجهاض إلا بعد شهادة مكتوبة من الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم يصرح فيها بأن صحة الأم لا تمكن المحافظة عليها إلا باستعمال مثل هذا العلاج".

ويضرب البروفيسور الشرايبي مثالا على ذلك بحالة الأم المصابة بسرطان الثدي، والتي لا يمكن أن تخضع للعلاج بالأشعة وهي حامل، فيرفض الأطباء توقيف حملها، فقط بسبب عدم استعدادهم للدخول في التعقيدات الإدارية، من انتظار موافقة المندوب أو طبيب العمالة أو الإقليم.

هل يشكل النص الموعود حلا؟

يوسع مشروع القانون الجديد من الحالات التي يسمح فيها للأطباء بالإجهاض، بحيث يحدد الفصل 453 الحالات التي لا يعاقب عليها القانون في حالة القيام بإجهاض في:

-إذا كان الحمل ناتجا عن اغتصاب أو زنا المحارم، شريطة أن يقوم طبيب في مستشفى عمومي أو مصحة معتمدة بذلك، وأن يتم قبل اليوم التسعين من الحمل، وأن يتم الإدلاء بشهادة رسمية تفيد فتح مسطرة قضائية يسلمها الوكيل العام للملك المختص بعد تأكده من جدية الشكاية، وأن يُشعِر الطبيب مندوبَ وزارة الصحة بالإقليم أو العمالة، قبل إجراء عملية الإجهاض، وأن تُشعَر المرأة الحامل إلى الإمكانية القانونية المتاحة لها بخصوص كفالة الطفل، وإلى الأخطار الصحية التي يمكن أن تتعرض لها جراء الإجهاض، وتمنح مهلة لا تقل عن ثلاثة أيام للتفكير.

-لا يعاقب على الإجهاض، إذا كانت المرأة الحامل مختلة عقليا (مع تقييد هذه الحالة كسالفتها بمجموعة من الشروط)

-في حالة ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية خطيرة غير قابلة للعلاج وقت التشخيص.

لكن لماذا تأخر هذا النص في الخروج إلى حيز الوجود بعد ثلاث سنوات من تقديمه؟

رضى بوكمازي، النائب البرلماني وعضو لجنة العدل والتشريع، يعيد سبب تأخر خروج التعديلات إلى كون المقتضيات المرتبطة بموضوع الإجهاض لم تقدم كمشروع مستقل، إنما جاءت ضمن مقتضيات المنظومة العامة للقانون الجنائي 10/16 الذي وصل إلى المراحل الأخيرة  في المناقشة التفصيلية، على أن الفرق ستتقدم بتعديلاتها، قبل أن يعرض على المصادقة العامة. ويرفض يوكمازي أن يقدم أفقا زمنيا لخروج النص إلى حيز الوجود على اعتبار أنه من الصعب التحكم في زمن التشريع.

فهل ستجري عليه تغييرات جوهرية تخفف قيوده؟

يرد بوكمازي "هنالك إجماع بين الفرق على التعجيل بإخراجه إلى حيز الوجود، فضلا عن كون تعديلات الفرق لن تتجاوز العمل على تحسين النص وتجويده، بالنظر إلى أن المادة سبق أن نوقشت من طرف مختلف الأطراف، بحضور وزير العدل والحريات سابقا المصطفى الرميد، ورئيس المجلس العلمي الأعلى، والرئيس السابق  للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكانت الصيغة توافقية، حولها اتفاق مبدئي".