=أصبح المشهد السوداني أكثر دموية وتعقيدا الآن بعد مقتل أكثر من 35 متظاهرا وجرح المئات جراء قيام قوات الأمن السودانية الاثنين بفض اعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم كان يطالب بتسليم السلطة للمدنيين.
يرى المحللون أن البلاد مقبلة على فترة من الغموض قد تصل إلى الفوضى خصوصا بعدما ألغى المجلس العسكري ما تم التوصل إليه خلال مفاوضات الفترة الماضية مع قوى الاحتجاج بشأن إدارة الفترة الانتقالية وتسلم المدنيين الحكم.
وفجر الثلاثاء أعلن رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان في بيان بثه التلفزيون الرسمي "وقف التفاوض مع تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير وإلغاء ما تم الاتفاق عليه، والدعوة إلى إجراء انتخابات عامة في فترة لا تتجاوز التسعة أشهر (بدءا) من الآن". وأضاف أن الانتخابات ستتم بإشراف إقليمي ودولي.
يقول حسن الساعوري أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين السودانية إن "تعنت قوى الحرية والتغيير في المفاوضات مع المجلس العسكري وعدم اعترافها كليا بدوره في قيام الثورة" من الأسباب التي أدت إلى تصعيد الأمور.
وأضاف لوكالة فرانس برس "هناك عدم ثقة بين القوى العسكرية وقوى الاحتجاج وليس هناك رؤية مشتركة لإدارة البلاد".
وأوضح أن الضغوط التي يمارسها المحتجون لاستلام السلطة مثل "الإضراب العام كان ناجحا للغاية وأوشك أن يصيب العاصمة بالشلل. لذا، فكر العسكر في البدء في تجريد المتظاهرين من أوراق الضغط وكان القرار تجريدهم من سلاح الاعتصام".
إلا أن المتحدث باسم المجلس العسكري الفريق شمس الدين كباشي قال "إن القوات السودانية لم تفض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالقوة"، مضيفا أنها "استهدفت منطقة مجاورة باتت تشكل خطرا على أمن المواطنين" وتحولت إلى "بؤرة للفساد والممارسات السلبية التي تتنافى وسلوك المجتمع السوداني".
وبدأ الاعتصام في السادس من أبريل حتى دفع الجيش للاطاحة بالرئيس عمر البشير بعد خمسة أيام. وشكل الجيش مجلسا عسكريا انتقاليا يحكم مذاك. لكن المتظاهرين واصلوا تحركهم واعتصامهم مطالبين بنقل السلطة الى المدنيين.
وعلقت المفاوضات بين المجلس العسكري والمتظاهرين في 21 مايو بسبب عدم التوصل إلى اتفاق حول تشكيلة ورئاسة مجلس سيادة قرروا تأسيسه على أن يتشكل من عسكريين ومدنيين، ويقود الفترة الانتقالية في السودان.
ويعقد مجلس الأمن الدولي الثلاثاء جلسة مغلقة لمناقشة الأزمة في السودان بطلب من ألمانيا وبريطانيا، في وقت أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش استخدام قوات الأمن القوة المفرطة لفض الاعتصام.
واعتبر الساعوري أن استخدام العسكريين ورقة الانتخابات بوجه المحتجين مرده أن هؤلاء "غير جاهزين لها وليس لديهم مرشحا وتجاربهم السابقة في انتخابات 2010 و2015 كانت ضعيفة". وقال إن "الانتخابات مناورة من المجلس العسكري لاجبار المحتجين على التنازل عن بعض المطالب".
من جهته، يقول اندرياس كريغ الاستاذ المساعد في "كينغز كوليج" في لندن "من الصعب تخيل أن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة في هذه المرحلة".
وأوضح أن "الانتخابات لن تقدم خيارا تمثيليا وتعدديا للناخبين" خصوصا إذا كان "المجتمع المدني في السودان غير قادر على التطور تحت الضغط الحالي للجيش ووسط قيود على الحريات المدنية".
بدوره، أكد ماثيو غويدير، الأستاذ بجامعة باريس وخبير الشؤون العربية أنه "من غير المرجح أن تكون الانتخابات نزيهة بسبب الدعوة إلى المقاطعة".
وعزا توقعاته بشأن الانتخابات الى دور خليجي قائلا"خلال زيارته (البرهان) إلى الخليج ، تم تذكيره بالمواقف الصعبة في ليبيا واليمن الناجمة عن حاجة قادتها للعزم والإصرار".
وأضاف "كما تم تذكيره بواجباته: حماية الدولة، الحفاظ على الاستقرار، وتجنب الحرب الأهلية بأي شكل من الأشكال. وأعطي كمثال نموذج القائد العسكري في مصر".
وخلال الشهرين الماضيين، أعلنت السعودية والإمارات ومصر تقديم مساعدات إلى الشعب السوداني الذي يواجه أزمة اقتصادية حادة شكلت سببا رئيسيا للتظاهرات ضد نظام البشير.
لكن بعض المحللين السودانيين يرون في المساعدات دعما للمجلس العسكري للبقاء في الحكم فترة أطول.
يرى محللون أن الضغوط في السودان ستستمر من قبل العسكريين والمحتجين ما قد يؤدي إلى فوضى في نهاية الأمر.
وقال الساعوري إن "البلد في طريقها للفوضى السياسية والاجتماعية والامنية وهذا المشهد قد يسمح بحدوث انقلاب من عسكريين شباب قد يكون في صف الثورة أو صف المجلس العسكري".
من جهته، توقع مركز صوفان للتحليل الأمني ومقره نيويورك في تقرير الثلاثاء أن "هناك خطر حقيقي من تحول الوضع إلى حرب أهلية شاملة، ما سيؤثر بشكل كبير على المنطقة".
ورغم المكتسبات التي توصل إليها الطرفان خلال الفترة الماضية من خلال المفاوضات، قال البرهان في بيان المجلس الأخير إن "القوى السياسية التي ت حاور المجلس العسكري" ت حاول "استنساخ نظام شمولي آخ ر ي فرض فيه رأي واحد يفتقر للتوافق والتفويض الشعبي والرضا العام ويضع وحدة السودان وأمنه في خطر حقيقي".
وبالنسبة لتحالف قوى الاحتجاج فقد أكدوا استمرار تحركهم حتى إسقاط المجلس العسكري الحاكم، عبر الإضراب والعصيان المدني.
وقال تجمع المهنيين "ندعو للتظاهر السلمي وتسيير المواكب في كل مكان بعد الصلاة مباشرة ، مع المواصلة في إغلاق كل الطرق الرئيسية والكباري والمنافذ بالمتاريس وشل الحياة العامة تماما بما يشمل حتى المؤسسات الحيوية".