تربية الأحياء المائية.. خبيرة تتحدث لـ"تيلكيل عربي" عن مستقبل القطاع بالمغرب

خديجة قدوري

أفادت المجلة الإيطالية (Porto e Interporto) بأن المغرب يعتبر نموذجًا للابتكار والنمو المستدام في قطاع تربية الأحياء المائية، ويعد مثالًا يحتذى به من قبل الدول الإفريقية التي تسعى إلى اعتماد تربية الأحياء المائية المستدامة كبديل للصيد التقليدي.

وأشارت المجلة، في مقال بعنوان "المغرب والاستراتيجية الجديدة لتربية الأحياء المائية"، إلى أن المملكة قد عززت دور هذا القطاع كدافع رئيسي للتنمية الاقتصادية المستدامة، عبر تأسيس شركات متخصصة في هذا المجال، مما ساهم في إنشاء منظومة اقتصادية شاملة.

وفي هذا السياق، تواصل "تيلكيل عربي" اليوم الاثنين مع نادية بردعي، أستاذة التعليم العالي بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، قسم الصيد وتربية الأحياء المائية، التي أكدت أن برنامج تربية الأحياء المائية في المناطق الساحلية والبحرية هو برنامج قديم بدأ منذ عام 1950 واستمر حتى 1998، وشهد نموًا ملحوظًا والعديد من المشاريع الناجحة. من بين أول هذه المشاريع، تربية المحار بمنطقة الوالدية، التي تبعته مشاريع أخرى في مناطق الناظور، السعيدية، والمضيق. وللأسف، توقفت غالبية هذه المشاريع لأسباب مختلفة.

وأوضحت بردعي أنه رغم الإخفاقات التي شهدها البرنامج، فإن المهارات العالية التي اكتسبها الممارسون، بالإضافة إلى تبادل الخبرات الكبيرة في هذا المجال، كانت وراء تحسين الوضع. حيث التحق العديد من أصحاب المهارات بالمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، وساهموا في تعزيز البحث العلمي في هذا المجال. كما كان لهم دور كبير في تنمية الأطر المتخصصة ذات الخبرة الواسعة.

وأشارت إلى أنه في عام 2009، جاء مخطط "أليوتيس" الذي اعتُبر من الركائز الأساسية لهذا المجال، حيث شمل تربية الأحياء المائية بشكل رئيسي، وأسفر عن إنشاء الوكالة الوطنية للتطوير المستدام لتربية الأحياء المائية في عام 2011.

دور الوكالة في تنظيم وتنمية تربية الأحياء المائية

وأضافت بردعي أن هذه الوكالة لعبت دورًا حيويًا في القطاع، حيث كان من أهم ما قدمته أنها ساهمت بشكل فعال في تأطير وتنظيم القطاع، وكانت الصندوق الوحيد المخصص لذلك. كما وضعت استراتيجيات متعددة تم تنظيمها على مراحل، أبرزها مرحلة التخطيط للمشروع، التي كانت تهدف إلى استكشاف المناطق المؤهلة لاستزراع الأحياء المائية. بالإضافة إلى ذلك، قامت الوكالة بإعداد بطاقة خرائطية للمناطق المؤهلة.

واستطردت قائلة إن المرحلة الثانية تمثلت في "خطة التهيئة الزراعية"، حيث سعت إلى تأهيل المناطق وتنمية القطاع. وقامت الوكالة بالعديد من الأدوار، منها التكوين والتأطير، بالإضافة إلى المساهمات التقنية وتقديم الدعم من خلال الإمدادات والمعدات. وقد شمل هذا الدعم المؤسسات في القطاع الخاص والتعاونيات. كما ساهمت الوكالة في تطوير البحث العلمي وجذب المستثمرين على الصعيدين الوطني والدولي.

نتائج تطوير قطاع الأحياء المائية

وأفادت أنه في ما يتعلق بالنتائج على صعيد الإنتاج والمساهمة الفعالة في تطوير الاقتصاد، تم تحقيق زيادة في مستوى إنتاج الأحياء المائية، لكن هذا الارتفاع ما زال ضعيفًا مقارنة بطموحات الوكالة. ومع ذلك، تعتبر هذه بداية فقط، والنتائج ستظهر بوضوح على المديين المتوسط والبعيد.

وفي ما يخص التأثيرات الملموسة الحالية، قالت إنه يمكن الإشارة إلى إنشاء فرص عمل جديدة في قطاع تربية الأحياء المائية والصناعات المرتبطة بها، بالإضافة إلى زيادة كمية الأحياء المائية المنتجة محليًا التي توفرت في السوق، مما أدى إلى تقليص الاعتماد على الاستيراد. كما ساهمت الوكالة بشكل فعّال في تنمية المناطق الساحلية.

تحسين سلاسل القيمة وجذب الاستثمارات في الأحياء المائية

وفي سياق متصل، ذكرت بردعي أن من أبرز مشاريع المخطط الاستراتيجي للوكالة الوطنية لتربية الأحياء المائية دعم تطوير صناعة التعبئة والتغليف والتصنيع والتسويق لزيادة العائدات، مما يعرف بتحسين سلاسل القيمة. كما تطرقت إلى دور الوكالة في التدريب والتأهيل، حيث حاولت توفير برامج تدريبية للعاملين في القطاع بهدف تزويدهم بكفاءات ومهارات عالية. كذلك، قامت بتسهيل الإجراءات الحكومية من خلال تبسيط الإجراءات للحصول على التراخيص والتصاريح اللازمة.

ولفتت الانتباه إلى أن هذه المشاريع ساهمت في جذب الاستثمارات، حيث إن تحسين سلاسل القيمة ساهم في زيادة الأرباح المحتملة. كما ساهمت في دعم البحث والتطوير والتدريب من أجل زيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف. إضافة إلى ذلك، فإن تسهيل الإجراءات الحكومية كان له دور كبير في جذب المستثمرين، حيث أصبح بإمكانهم الحصول بسهولة على التراخيص اللازمة، مما ساعد في تعزيز جذب الاستثمارات في هذا القطاع.

وتابعت قائلة: "بخلاصة، كان هدف المخطط هو إنشاء بنية استثمارية آمنة ومربحة، وهو ما دفع المستثمرين الوطنيين والأجانب للمساهمة في المشاريع وضخ أموالهم في قطاع الأحياء المائية البحرية، حيث كانت هناك ثقة متبادلة بين الوكالة والمستثمرين".

تجربة المغرب في تربية الأحياء المائية ودورها في إفريقيا

واسترسلت في حديثها قائلة إن التجربة المكتسبة على الصعيد الوطني في مجال تربية الأحياء المائية لاقت صدى كبيرًا وحققت نجاحًا ملحوظًا، ما دفع بعض الدول المحيطة بنا، خصوصًا الإفريقية، إلى أن تحذو حذو المغرب وتطلب الاستفادة من خبراته لتنمية هذا النشاط في سواحلها.

وأوضحت أن هذه الدول يمكنها الاستفادة من تجربة المغرب من خلال التعلم من نجاحاته وإخفاقاته، بما في ذلك الدراسات والسياسات المعتمدة، فضلاً عن التحديات التي واجهها وكيفية التغلب عليها.

وأضافت بردعي أنه بالإضافة إلى ذلك، تحاول الدول الإفريقية التفكير في بناء تقنيات ملائمة تتناسب مع الظروف المناخية والبيئية لبلادها، من خلال اختيار تقنيات تتماشى مع هذه الظروف، وكذلك اختيار أنواع الأسماك المناسبة ونظم التربية التي يمكن اعتمادها، بالإضافة إلى طرق معالجة المياه.

واستطردت قائلة إن الدول الإفريقية يمكنها الاستفادة من خبرة المغرب في مجالات الاستثمار والبحث والتطوير، حيث تسعى هذه الدول لدعم البحث العلمي لتطوير سلالات أسماك محلية قادرة على مقاومة الأمراض والتأقلم مع الظروف المحلية.

كما أشارت إلى أن هذه الدول تهدف إلى تدريب كوادرها وبناء قدرات الفنيين والباحثين في مجال تربية الأحياء المائية من خلال برامج تدريبية متخصصة.

واختتمت حديثها قائلةً إن تطوير التشريعات الخاصة بتربية الأحياء المائية يعد أمرًا بالغ الأهمية، حيث يجب وضع قوانين تنظم هذا القطاع وتضمن استدامته وحماية البيئة. كما أكدت على ضرورة تشجيع الاستثمار في القطاع عبر توفير حوافز للمستثمرين، بالإضافة إلى الدعم المالي والتسهيلات الضريبية لجذب الاستثمارات.

وأضافت أنه من الضروري بناء شراكات إقليمية مع المغرب ودول أخرى ذات خبرة لتبادل المعرفة والخبرات. وفي هذا السياق، أشارت إلى أهمية قياس تأثير هذه التنمية على المجتمعات المحلية، من خلال تنظيم دورات تثقيفية للصيادين والمجتمعات الساحلية حول أهمية الأحياء المائية المستدامة والدور الفعّال في الحفاظ على الثروة السمكية.