عين الملك محمد السادس، يوم أمس الاثنين، عبد القادر عمارة، رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وتندرج هذه التعيينات، حسب الديوان الملكي، في إطار حرص عاهل البلاد على نهوض هذه المؤسسات بالمهام التي يخولها لها دستور المملكة، وتوطيد دورها في ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وتعزيز الديمقراطية التشاركية، وحماية الحقوق والحريات. كما تعكس الأهمية التي يوليها الملك لهذه الهيئات، باعتبارها مؤسسات دستورية مستقلة، من أجل إضفاء دينامية جديدة على مهامها، وتعزيز تفاعلها مع مختلف المؤسسات الوطنية، في مواكبة مختلف الإصلاحات والأوراش الكبرى التي تعرفها المملكة.
وفي هذا الصدد، حاور "تيلكيل عربي"، اليوم الثلاثاء، أمين سامي، خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات والاستراتيجيات التنموية، لمعرفة الدلالات وراء تعيين اعمارة في هذا المنصب، وما الذي يمكن أن يقدمه للمجلس مقارنة بأسلافه، خصوصا في ما يتعلق بتعزيز دوره كمؤسسة استشارية مؤثرة في صناعة القرار، وما الأولويات التي يجب أن يركز عليها المجلس في المرحلة المقبلة، في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه المغرب.
1 ما هي الدلالات وراء تعيين عبد القادر اعمارة في هذا المنصب؟
تعيين عبد القادر اعمارة رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يحمل عدة دلالات. أولا، الاستفادة من الخبرات السابقة؛ حيث شغل مناصب وزارية مهمة في قطاعات حيوية؛ مثل التجارة والصناعة والطاقة والتجهيز والماء؛ مما يشير إلى الرغبة في الاستفادة من خبراته التقنية في قيادة مؤسسة استشارية تُعنى بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وبالتالي، التوظيف الاستراتيجي لخبرته التنفيذية، التي تجمع بين الخبرة الوزارية المتعددة (كالطاقة والماء) والفهم العميق للتعقيدات البيروقراطية.
هذا الاختيار يُشير إلى توجه الدولة نحو تعزيز الحوكمة التقنية؛ حيث يُصبح صنع السياسات أكثر استنادا إلى التجربة الميدانية بدلا من المقاربات النظرية.
ثانيا، تعزيز دور المؤسسات الدستورية؛ إذ يأتي هذا التعيين في سياق حرص الملك محمد السادس على تمكين المؤسسات الدستورية من الاضطلاع بمهامها، وتعزيز دورها في ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية.
ثالثا، الاستجابة للتحديات المركبة؛ إذ يأتي هذا التعيين في وقت يواجه فيه المغرب تحديات مركبة (الجفاف، التضخم، البطالة)؛ ما يتطلب قيادة قادرة على المزاوجة بين السياسات الاقتصادية قصيرة المدى والأبعاد البيئية طويلة الأمد. وخبرة رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الجديد، خاصة في قطاع الماء والطاقة، تُعتبر أداة حاسمة لمعالجة قضايا مثل ندرة المياه والتحول الطاقي.
2 - بالنظر إلى المسار المهني لعبد القادر اعمارة، هل تعتقد أن لديه الخبرة المناسبة لقيادة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؟
بالنظر إلى مساره المهني، يبدو أن اعمارة يمتلك المؤهلات المناسبة لقيادة المجلس. أولا، خبرة وزارية متعددة؛ حيث تولى مسؤوليات في قطاعات مختلفة؛ ما أكسبه فهما عميقا للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تواجه المغرب.
ثانيا، كفاءة في تدبير الملفات الحساسة؛ إذ أثبت كفاءة في إدارة ملفات معقدة خلال مسيرته الوزارية؛ ما يجعله قادرا على توجيه المجلس نحو تقديم استشارات فعّالة ومبنية على معرفة عملية، وبالتالي، المرونة في إدارة الأزمات؛ حيث أثبت، خلال أزمات مثل ندرة المياه (2017-2018)، وتحديات الطاقة، قدرته على تبني حلول غير تقليدية؛ كالاستثمار في تحلية مياه البحر، وتعزيز الطاقات المتجددة.
ثالثا، القدرة على الانفتاح والحوار؛ حيث يُعرف اعمارة بقدرته على الانفتاح والعمل على القضايا الاستراتيجية والاستشرافية، وهو أمر مهم في مؤسسة تستند إلى مقاربة تشاركية وتعددية.
رابعا، القدرة على التوفيق بين الأجندات؛ حيث يعتبر الرئيس الجديد للمجلس رجل التوافقات. فمن خلال خبرته، يستطيع التوفيق بين مطالب القطاع الخاص (مثل اتحاد الصناعيين) والمطالب الاجتماعية (كخلق فرص العمل)، وهو ما يتوافق مع طبيعة المجلس التوفيقية.
3 - ما الذي يمكن أن يقدمه اعمارة للمجلس مقارنة بأسلافه، خصوصا في ما يتعلق بتعزيز دوره كمؤسسة استشارية مؤثرة في صناعة القرار؟
مع تولي اعمارة رئاسة المجلس، يُتوقع أن يضيف توجيها عمليا مبنيا على التجربة التنفيذية. فبفضل خبرته الوزارية، قد يركز على تقديم توصيات قابلة للتنفيذ وملائمة للواقع العملي؛ مما يعزز فعالية المجلس كمؤسسة استشارية مؤثرة.
أما ثاني إضافة؛ فهي تعزيز التواصل بين المجلس والسلطات التنفيذية. فنظرا إلى علاقاته السابقة في الحكومة، قد يسهم في تحسين قنوات التواصل والتنسيق بين المجلس والجهات التنفيذية؛ مما يضمن تفعيلا أفضل للتوصيات الصادرة عن المجلس.
وتتمثل ثالث إضافة لعبد القادر اعمارة في التركيز على الملفات الاقتصادية الحيوية؛ إذ من المتوقع أن يولي اهتماما خاصا للقطاعات التي أشرف عليها سابقا؛ مثل الطاقة والماء والتجهيز؛ مما قد يعزز دور المجلس في صياغة سياسات فعّالة في هذه المجالات، باعتبارها مجالات استراتيجية وحيوية.
4 - ما الأولويات التي يجب أن يركز عليها المجلس في المرحلة المقبلة، في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه المغرب؟
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه المغرب، أعتقد أن المجلس سيقوم بالتركيز على المجالات ذات الأولوية الاستراتيجية. أولا، معالجة آثار الجفاف على الاقتصاد؛ حيث يُعتبر الجفاف المستمر تحديا كبيرا يؤثر على القطاع الفلاحي والاقتصادي، بشكل عام. وبالتالي، يجب تقديم توصيات لتعزيز استراتيجيات مواجهة ندرة المياه وتطوير الزراعة المستدامة.
ثانيا، مكافحة التضخم وتحسين القدرة الشرائية. فمع عدم استقرار معدلات التضخم، ينبغي التركيز على سياسات تحافظ على استقرار الأسعار وتعزز القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
ثالثا، تحفيز الاستثمار وخلق فرص الشغل؛ حيث يجب تقديم مقترحات لتعزيز مناخ الأعمال، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة لخلق فرص عمل جديدة وتقليل معدلات البطالة.
رابعا، تعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية، بالعمل على تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، من خلال سياسات تنموية متوازنة تضمن توزيعا عادلا للثروات والخدمات بين مختلف جهات المملكة، من خلال تصميم برامج حماية اجتماعية "ذكية" تستهدف الفئات الهشة، عبر أنظمة تحديد الهوية الرقمية، والعمل على تعزيز اللامركزية المالية لتمكين الجهات من تصميم سياسات تناسب خصوصياتها.
خامسا، الاستدامة البيئية ومواجهة التغيرات المناخية، من خلال تقديم توصيات لتعزيز الاقتصاد الأخضر، وتطوير الطاقات المتجددة، والاقتصاد الدائري، والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وحماية البيئة لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة والعمل على تحويل الأزمات البيئية إلى فرص اقتصادية.
سادسا، تسريع الانخراط في الثورة الصناعية الرابعة، من خلال العمل على دمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات الإنتاجية (مثل الزراعة الدقيقة)، وتطوير اقتصاد المعرفة عبر شراكات بين الجامعات والقطاع الخاص.