قرابة الساعة السابعة والنصف من صباح اليوم السبت، طرق أربعة شباب منزل أحد الأسر بدوار "حربيل" المتواجد قرب الطريق الساحلية بين مدينتي الدار البيضاء والمحمدية، يرتجفون ولون وجوههم أزرق، يترجون الملابس والدفء قبل مغادرتهم للمكان بسرعة، ما إن حصلوا على ما يبحثون عنه، تقول سيدة سمراء رفقة طفل صغير كان برفقتها.
"تيلكيل عربي" انتقل إلى شاطئ "زناتة الصغرى"، كما يعرف في المنطقة، العشرات من أبناء المنطقة ورجال الدرك والسلطات المحلية يراقبون أمواج البجر تحت ضباب كثيف، وكل يبوح بتوقعاته عن المكان الذي يمكن أن تلفظ فيه أمواج البحر جثتت المفقودين المحتلمين.
وحسب المعطيات التي حصل عليها "تيلكيل عربي" من مصادر في الدرك الملكي ومصادر متطابقة لشهود عيان، القارب الذي انقلب في الساعات الأولى من صباح اليوم، كان يقل قرابة 30 مرشحاً للهجرة، لفظ البحر منهم 7 جثت، يظهر من ملامحها وبنيتها الجسمانية، يقول أحد رجال الدرك الملكي، أنها قاصر في الـ16 من عمرها.
خلال تواجد الموقع بالمنطقة، حلقت طائرة هليكوبتر ذهابا وإيابا، يسمع صوتها دون القدرة على رؤيتها بسبب الضباب الكثيف الذي يخيم على الشاطئ، رجال الدرك الذين تحدثوا لـ"تيلكيل عربي" أكدوا أنه يتم تمشيط المنطقة عبر الأجواء بسبب صعوبة دخول فرق الإنقاذ إلى البحر، وشددوا على أن الضباب الكثيف يصعب عملية البحث عن المفقودين المفترضين، خاصة وأنه لم يتم إلى حدود الساعة تحديد المنطقة بالضبط التي خرج منها قارب الهجرة.
"لقد اختاروا أسوأ وقت للقيام بمحاولة الهجرة عبر البحر من هذه النقطة، وإذا كان من غرر بهم وأدوا الثمن له، فإنهم أدوا الثمن ليلقوا حتفهم، من قذف بهم وسط البجر من هذا المكان استغل الضباب الكتيف الذي خيم طيلة الليل ومستمر إلى اللحظة كما تلاحظون، لكنه لم يكثرت لحالة البحر، الأمواج عالية جدا ولا يمكن للقارب المطاطي مواجتهتها دون أن ينقلب، خاصة إذا كانت حمولته فوق المستطاع"، يقول معلم سباحة ومنقذ كان رفقة زميله بعين المكان لـ"تيلكيل عربي".
وتضيف السيدة التي طرق الناجون الأربعة بابها في قرابة الساعة السابعة والنصف: "كانوا يرتجفون، قام أطفال وشباب بإشعال نار لهم ليتدفؤوا وقمنا بمنحهم ملابس جديدة". هل سألتهم عن ما وقع؟ ومن أين ينحذرون؟ يسأل "تيلكيل عربي" السيدة، لتجيب: "قالوا إن الفلوكة انقلبت بهم في عرض البحر، وصرحوا أنهم من مدينة قلعة السراغنة، لقد طلبوا المساعدة بسرعة ثم عادوا إلى الطريق ليستقلوا سيارة أجرة كبيرة دون الافصاح لمن تحلق حولهم عن وجهتهم، كانوا خائفين جدا".
معلم السباحة الذي تحدث إليه "تيلكيل عربي" استغرب من قدرة الذين نجوا من الوصول إلى رمال الشاطئ، وفسر ذلك بالقول: "البحر هائج كما شرحت لكم، وما يصعب محاولات النجاة أكثر الضباب الكثيف وقوة التيارات المائية في هذه المنطقة، من نجوا قاموا ببذل جهد كبير جدا، لذلك عثر على عدد منهم مغشيا عليهم".
بلاغ السلطات المحلية لمدينة المحمدية الذي توصل الموقع بنسخة منه، أكد عدد القتلى في الفاجعة، كما تحدث عن العثور على ثلاثة ناجين شباب تم نقلهم إلى المستشفى الإقليمي لمدينة المحمدية، "تيلكيل عربي" انتقل إلى الأخير لمعرفة تفاصيل ما وقع على لسان الناجين، لكن وجد أنه تم نقلهم إلى المستشفى الجامعي ابن رشد بمدينة الدار البيضاء. أحد رجال الأمن الخاص صرح أن "أحد الناجين حالته خطيرة، ورجال الدرك الملكي الذين يرافقونهم قرروا أن يبقى الثلاثة مجتمعين، لذلك نقلوا إلى الدار البيضاء".
داخل قسم المستعجلات بالمستشفى الجامعي ابن رشد، تمكن "تيلكيل عربي" من الوصول إلى حيث تقدم العلاجات للناجين الثلاثة من الفاجعة، أحدهم في العناية المركزة، كما أكد ذلك طبيب وأحد رجال الدرك المرافقين لهم، هذا الأخير رفض بشكل قاطع أي تواصل معهم.
بالعودة إلى مكان وقوع الفاجعة، تحدثت كل المصادر المحلية بإجماع على أنه ليست المرة الأولى التي ينقلب فيها قارب لمرشحين للهجرة قبالة شواطئ المنطقة، والكل يتحدث عن ثلاث حالات مشابهة لكنها لم تسجل خسائر في الأرواح، رجال الدرك الملكي الذين تحدث إليهم "تيلكيل عربي" قالوا إن ما وقع اليوم يحدث لثاني مرة، دون أن يحددوا النقطة بالضبط التي تنطلق منها "قوارب الموت".
لكن، أبناء المنطقة والدرك أجمعوا على أن آخر محاولة للهجرة من هذه المنطقة كانت يومين بعد عيد الأضحى الأخير. وفي انتظار التأكد من المعطيات رسميا حول عدد الضحايا والناجين، يتضح أنه لحدود اللحظة هناك حديث عن 7 ناجين، من بينهم 3 يستفيدون من الرعاية الصحية تحت أعين رجال الدرك، و7 ضحايا لم تكشف هويتهم والمناطق التي ينحدرون منها بعد.
وفي انتظار التوصل إلى تفاصيل أكثر حول الفاجعة، جدير بالذكر أن السلطات المحلية بمدينة المحمدية أعلنت فتح بحث من طرف المصالح المختصة تحت إشراف النيابة العامة، لتحديد الظروف والملابسات التي تم فيها تنظيم عملية الهجرة السرية هاته.