شهر أبريل الماضي، اجتمعت لجنة مختلطة تضم مسؤولين من وزارة الصحة وأطباء وخبراء لوضع خارطة طريق للقضاء نهائيا على فيروس التهاب الكبد C المعروف عند المغاربة بـ"ليباتيت C" بحلول العام 2030. برنامج يتضمن تكفل الدولة بعلاج المرضى المغاربة الذين يقدر عددهم بـ400 ألف؛ أي ما نسبته 1,2 في المائة من ساكنة المغرب.
تنزيل البرنامج رافقه جدل حول مختبرات الأدوية التي سوف تتكلف بتأمين كمية الدواء الذي يقضي نهائياً على المرض، كما رافقه ملاحظات حول الفئات المستهدفة والكلفة، جدل وصل حد مراسلة المجلس الأعلى للمنافسة للتدخل من أجل إلغاء طلب العروض الذي طرحته مديرية الصيدلة والأدوية، وفاز به مختبران للأدوية.
"تيلكيل عربي" حصل على وثائق ومعطيات حصرية تهم تفاصيل "البرنامج الاستراتيجي الوطني للمغرب بلا فيروس التهاب الكبد C"، كما بحث في الجدل الذي رافق طلب العروض للفوز بصفقة الأدوية، ورست الصفقة حسب ما أفرزه طلبة العروض، يوم الجمعة 27 شتنبر الجاري، على مختبر "Mylan" ومختبر "Kemipharm".
ما هي تفاصيل البرنامج الوطني؟ وكيف سيتم تنزيله؟ كم رصدت له وزارة الصحة؟ ومن هي الفئات التي سوف تستفيد أولا من العلاج المجاني؟ وما هو نوع الدواء الذي طور مؤخرا للقضاء النهائي على الفيروس؟ وما تفاصيل صراع مختبرات الأدوية للفوز بصفقة تأمين الكميات المطلوبة من الدواء بنوعيه؟
مغرب بدون "ليباتيت C"
400 ألف مغربي مصابون بمرض "التهاب الكبد الفيروسي C"، حسب نتائج إحصاء رسمي لم ينشر بعد، حصل "تيلكيل عربي" عليه من مصدر رفيع بوزارة الصحة.
الإحصاء يتحدث عن وجود 112 آلفا من المصابين يستفيدون من برنامج نظام المساعدة الطبية "راميد"؛ أي أنهم من الفئات المعوزة. وتصل كلفة العلاج النهائي اليوم في المغرب، حسب سعر الدواء الذي يقضي نهائيا على الفيروس، إلى 10 آلاف درهم.
كما تشير أرقام الإحصاء ذاته إلى أن من بين المصابين بالفيروس هناك 3800 شخص يعانون من الفشل الكلوي، و1300 شخصا حاملون لفيروس فقدان المناعة المكتبسة "السيدا"، و1400 شخص من المدمنين على المخدرات عبر الحقن، هؤلاء، وحسب تفاصيل البرنامج الذي أعدته لجنة مختلطة، تضم مسؤولين عن وزارة الصحة وأطباء وخبراء، سوف يستفيدون من المرحلة الأولى للعلاج، للقضاء النهائي على الفيروس في أوساطهم بحلول العام 2021.
وتوضح الوثائق، التي حصل عليها "تيلكيل عربي"، أنه سيتم خلال العام 2020 علاج ما مجموعه 1000 شخص من الفيروس ضمن الفئة التي تعاني من الفشل الكلوي، و300 شخص من المرضى الذين يحملون فيروس "السيدا"، و400 شخص من مدمني المخدرات عبر الحقن. أما في العام 2021، فتم التخطيط لعلاج 2800 شخص يعانون من الفشل الكلوي، و300 شخص يحملون فيروس "السيدا"، و1000 شخص من المدمنين على المخدرات عبر الحقن.
وبخصوص باق المرضى الحاملين لفيروس الالتهاب الكبدي C، وضعت وزارة الصحة برنامجاً للعلاج يمتد إلى العام 2030، إذ سيتم التكفل بهم مجاناً على مراحل، وسيعرف العام 2020، إطلاق المرحلة الأولى بالنسبة لهؤلاء بعلاج 2300 شخص، أما في العام 2021، فسيتم علاج 600 شخص.
مصادر "تيلكيل عربي" في وزارة الصحة، فسرت استهداف الفئات الثلاثة المذكورة بالدرجة الأولى بالنظر إلى سهولة حصرها، لأنها في الأصل تستفيد من عدة برامج صحية ترتبط بالأمراض التي تعاني منها، أو تتردد على مصحات العلاج من إدمان المخدرات. وأوضحت أن نتائج الإحصاء، الذي ينشر "تيلكيل عربي" نتائجه حصرياً، ليست نهائية؛ إذ لم يتم بعد تحديد كل المعطيات الخاصة بحاملي الفيروس على المستوى الوطني.
واعتبرت المصادر ذاتها، أن "الكلفة المالية باهظة جداً، بالنظر إلى سعر الدواء الذي يقضي نهائيا على المرض، واليوم يبلغ سعر الدواء الذي يحتاجه المريض ما يفوق 10 آلاف درهم سنوياً (السعر المحدد الآن والمتضمن في وثائق البرنامج هو 11 ألفاً و733 درهماً وتم التفاوض على تخفيضه)؛ أي أن التكفل بدواء 400 ألف مغربي، دون احتساب باقي مصاريف العلاج، يحتاج ميزانية تقدر بـ400 مليار سنتيم".
وعن الميزانية المرصودة لإطلاق المرحلة الأولى من "البرنامج الاستراتيجي الوطني للمغرب بلا فيروس التهاب الكبد C"، تفيد الوثائق أنها ستكلف 59 مليار سنتيم وذلك خلال العام 2020؛ أما العام 2021 فرصدت له ميزانية تقر بـ74 مليار سنتيم، وتشمل الميزانية شراء الأدوية والقيام بالتحليلات وشراء المعدات الخاصة.
دواء فعال 100 في المائة
شهر يونيو من العام 2016، حصلت شركة "غيلياد ساينسز" بأمريكا على ترخيص من إدارة "الغذاء والدواء الأمريكية"، لدواء طورته يقضي بشكل نهائي على "التهاب فروس الكبد C"، الدواء هو مركب يحمل اسم "Sofosbuvir/velpatasvir".
كما تم تطوير دواء آخر يحمل اسم "Sofosbuvir/Daclatasivr" له نفس خاصية المركب الدوئي السابق مع وجود اختلاف في مدة العلاج، فضلا عن أن المركبين الدوائيين يوصفان في حالات مختلفة عند من يعانون من أمراض أخرى مثل فقدان المناعة المكتسبة "السيدا" أو يعانون من مرض السكري أو يعانون من فيروس "ليباتيت C" مع وجود تشمع للكبد.
وبالنسبة لـ "Sofosbuvir/velpatasvir"، فمدة العلاج التي يضمنها بنسبة 100 في المائة في الحد الأدنى، حسب وثيقة توصل بها وزير الصحة من مديرية الأدوية، هي 12 أسبوعا من استعمال المركب الدوائي؛ سواء كان المريض يعاني من تشمع الكبد أو لا.
أما "Sofosbuvir/Daclatasivr"، حسب الوثيقة ذاتها، فيمنح للمريض علاجا خلال 12 أسبوعا؛ إذا لم يكن يعاني من تشمع الكبد وعلاجا في 24 أسبوعا إذا ما كان يعاني من تشمع الكبد.
صراع على صفقة علاج المغاربة من "ليباتيت C"
يوم الـ11 من شهر شتنبر الجاري، توصل مجلس المنافسة بمراسلة موقعة من طرف لحلو فيلالي، مالك مختبر "Pharma 5" والكرماعي ساليم، نجل مالك مختبر "Galenica"، وهو في نفس الوقت الصيدلي الرئيسي للمختبر.
المراسلة، التي يتوفر "تيلكيل عربي" على نسخة منها، تطالب المجلس بالتدخل لإلغاء طلبات العروض بخصوص صفقة شراء كل من "Sofosbuvir/velpatasvir" و"Sofosbuvir/Daclatasivr".
مراسلة المختبرين، وحسب ما ورد في نصها، تتهم وزارة الصحة ومديرية الأدوية والصيدلة بعدم "احترام شروط المنافسة النزيهة، وضرب الصناعة الوطنية للأدوية"، كما ذهبت المراسلة إلى "وضع طلب عروض على المقاس ليفوز أحد المختبرين بتأمين الدواء المستورد "Sofosbuvir/velpatasvir"، قبل أن يحصل المختبر على رخصة الوضع في السوق (AMM)".
وزارة الصحة، وعبر مسؤول رفيع في مديرية الأدوية التقاه "تيلكيل عربي"، تدافع عن اختيارها بالقول، إن "مختبر Mylan يتوفر على رخصة الوضع في السوق وأنشأ منذ مدة وحدة لإنتاج الأدوية في منطقة ليساسفة بالدار البيضاء"، كما يشدد المسؤول ذاته على أنه "تم احترام جميع شروط طرح طلب العروض".
المسؤول الرفيع في مديرية الأدوية أشهر مراسلة موقعة من طرف الكرماعي عبد الغني مالك مختبر "Galenica" الذي وقع مع مختبر "Pharma 5" مراسلة الاحتجاج التي تم بعثها إلى مجلس المنافسة. المراسلة التي وجهت لمجلس المنافسة، ويتوفر "تيلكيل عربي عليها، وتحمل تاريخ 18 شتنبر الجاري، يتبرأ فيها الأب المؤسس والمالك للمختبر من موقف نجله سليم الكرماعي، وجاء فيها أن "خطوة الابن كانت مبادرة لم يستشر فيها إدارة المختبر"، كما وصف الأب خطوة ابنه بـ"الخاطئة"، بل وصل حد وصف توقيع نجله لمراسلة المطالبة بإلغاء طلب العروض بأنها "تمثله فقط ولا تمثل إدارة المختبر".
"تيلكيل عربي" اتصل بمريم فيلالي لحلو، نجلة مالك مختبر "Pharma 5"، والتي تمسكت في حديثها للموقع بالموقف الذي تم التعبير عنه في المراسلة الموقعة من مختبر "Galenica" قبل أن يتراجع مالكه عليها.
واختارت مريم فيلالي لحلو توضيح موقفهم بطرح مجموعة من الأسئلة وهي: "إذا كانت الصحة حقا دستوريا لكل مواطن مغربي، لماذا لم يتمكن من يتوفرون على نظام المساعدة الطبية (راميد) من الوصول إلى هذه العلاجات عندما تم تصنيعها في المغرب منذ ما يقرب من 4 سنوات؟ ولماذا هم دون أي علاج إلى اليوم؟ وإذا حاولنا تقديم أفضل علاج للمغاربة، فلماذا نمنح ضعف الحصة للمركب الدوائي (Sofosbuvir/velpatasvir) بينما لا يمكن إعطاؤه لجميع المرضى؟ في حين يمكن إعطاء (Sofosbuvir/Daclatasivr) لجميع المرضى؟! وهل نبحث عن أدنى سعر للمركب الدوائي لصالح ميزانية الدولة عندما نطلق طلب عروض للصفقة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا نحترم قانون المنافسة؟".
وأضافت نجلة مالك "Pharma 5" متسائلة: "لماذا تعطي ثلثي العلاجات لواحد فقط من العلاجين المتاحين، في تناقض تام مع الالتزامات التي تم التعهد بها في البيان الرسمي لوزارة الصحة الصادر في ماي 2019؟ وأيضا، لماذا يدفع هذا العلاج المستورد ضعف تكلفة العلاج المصنع محليا مرتين ونصف، مع العلم أنه سيولد أيضا تكلفة إضافية لا يتحدثها عنها أحد، وهي تكلفة اختبار فيروس نقص المناعة المكتسبة لوصفه؟!"
وشددت مريم فيلالي لحلو، في تصريحها لـ"تيلكيل عربي" على أن صفقة "مغرب بدون فيروس التهاب الكبد C شابتها عيوب وتجاوزات وأن الملف لدى المصالح المعنية بحماية قانون المنافسة والدفاع عن الصناعة المغربية للأدوية".
وختمت المتحدثة ذاتها حديثها بالقول: "نحن نثق في السلطات الوطنية التي تنظر على هذه القضية، وسننتظر نتائج تحقيقاتها، وكما أن ملفا متكاملا وصل إلى مجلس النواب للنظر فيه".
أمام كل هذه المرافعات، حصل "تيلكيل عربي"، عبر مصادره الخاصة الموثوقة، على وثيقة تشير إلى التاريخ الذي حصل فيه مختبر "Mylan" على رخصة الوضع في السوق (AMM) للمركب الدوائي (Sofosbuvir/velpatasvir).
وحسب الوثيقة ذاتها، فإن الترخيص صدر بتاريخ 16 شتنبر 2019؛ أي بعد 5 أيام من مراسلة مجلس المنافسة من طرف لحلو فيلالي مالك مختبر "Pharma 5" والكرماعي ساليم نجل مالك مختبر "Galenica"، بشأن التدخل لإلغاء الصفقة، وقبل يومين من مراسلة الكرماعي عبد الغني مالك مختبر "Galenica" للتراجع عن موقف نجله".
مديرية الأدوية والصيدلة، أوضحت بشأن تاريخ حصول مختبر "Mylan" على (AMM) بأنه كان يتوفر على رخصة لاستيراد المركب الدوائي قبل أن يتقدم للتنافس على الصفقة.
كما حصل "تيلكيل عربي" على نتائج طلبات العروض، وقيمة الصفقة التي حصل عليها كل من "Kemipharm" الذي سوف يوفر المركب الدوائي (Sofosbuvir/Daclatasivr) و"Mylan" الذي سوف يوفر المركب الدوائي (Sofosbuvir/velpatasvir).
وتظهر المعلومات الموثوقة التي حصل عليها "تيلكيل عربي" أن "Mylan" حصل على الصفقة بقيمة 14 مليون درهم، أي بسعر59,5 درهما للحبة الواحدة في العلاج.
أما مختبر "Kemipharm" الذي يملكه مصري، ففاز بالصفقة مقابل 29,5 درهم فقط للحبتين؛ أي أقل من السعر الذي منح "Mylan" بالضعف ونصف!