لايسأم أهل قرية "تنغرين" بالحوز من المطالبة بحقهم في قنطرة صغيرة بين ضفتي وادي "إمنان"، لم يستسلموا لخيبة الأمل، بعد تأخر إنجاز المشروع. يتمسكون بحلمهم، كما تمسكت القرية منذ قرون بإحدى تجاويف جبال الأطلس، متحدية أحوال الطقس وقصر ذات اليد، مكتفية بالقليل الذي تجود به أشجار الجوز وحقول الشعير وقطيع الماعز الذي كانت تتربص به الذئاب، يواجهون غضب الطبيعة والمرض والموت، بالكثير من التسليم والصبر دون أن يشغلوا العالم بحالهم.
غير أنهم شرعوا منذ أكثر من خمسة عشرة عاما في التعبير عن رغبتهم في تحقيق بعض من أحلامهم البسيطة، فلم تأتهم الطريق والمدرسة وشبكة الاتصالات بقرار اتخذ من صاحب قرار، منتخب أو معين، يعتقد أن الخدمات والمرافق العمومية، لا تحتاج لتكتل الساكنة كي تطالب بها، بل توجب عليهم السعي إلى تلك الخدمات العمومية، والإلحاح في المطالبة بها، بعد سنوات من الحرمان. هم اليوم يواصلون ما دأبوا عليه في الأعوام الماضية، حيث اتفقوا على الإلحاح في السؤال عن قنطرة وعدوا بهم ولم تطأها أرجلهم أو تعبرها سياراتهم أو بغالهم.
قنطرة مأمولة
قنطرة طولها 8 أمتار فقط،، كان يفترض أن تنجز قبل أشهر، مادامت الصفقة الخاصة بها أسندت لمقاولة متخصصة في الأشغال العمومية من قبل المجلس الإقليمي للحوز وجهة مراكش- آسفي، وجماعة آسني.
وفي التاسع عشر من غشت الجاري، قصد حوالي ستون من أبناء القرية قرية تنغرين، مقر عمالة الحوز، من أجل الحصول على توضيح حول أسباب توقف أشغال مد القنطرة، والحصول على التزام بتنفيذ المشروع الذي رصدت له مخصصات مالية وحددت المقاولة التي ستنفذه.
بعد احتجاجهم أمام مقر عمالة الحوز في التاسع عشر من غشت، عقد اجتماع بين ممثلين عن القرية، وممثلين عن المجلس الإقليمي صاحب المشروع، ورئيس جماعة آسني، ورئيس قسم التجهيز بالعمالية،ورئيس دائرة آسني، وقائد آسني. ذلك اجتماع انتهى بالاتفاق على استئناف الأشغال في القنطرة في الخامس من شتنبر المقبل.
عاد المحتجون إلى القرية، ممنين النفس بأن يفي من الملتزمون بما التزموا به، خاصة أنه "سبق لهم أن وعدوا وأخلفوا عندما جرى استفسارهم حول مآل القنطرة"، كما يؤكد العديد من أبناء القرية، الذين سبق لهم أن احتجوا في مناسبة سابقة بسبب تأخر الأشغال.
جرافة معطلة في الوادي
لقد استبشر سكان القرية خيرا، عندما نصبت في قمة جبل "إمنان" لوحة، تعلن عن مشروع القنطرة، حيث جرت الإشارة إلى تفاصيله التقنية ومبلغ إنجازه، وظنوا أن ما كان حلما سيصبح واقعا، عندما نزلت جرافة بجانب الوادي، ذلك حدث نادر في حوليات القرية.
نقرأ في تلك اللوحة أن المجلس الإقليمي للحوز وجهة مركش-آسفي وجماعة آسني، ستتولى توفير تمويل أكثر من 129 مليون سنتيم، من أجل إنجاز قنطرتين في ظرف ستة أشهر: الأولى على وادي "وانسكرا" على مستوى قرية "وانسكرا"، والثانية على وادي "إمنان" على مستوى طريق دوار "تنغرين".
مدت قنطرة "وانسكرا" في الربع الأخير من العام الماضي، وظن سكان "تنغرين" أن دورهم قد حان، غير أن ظنهم خاب، ما دفعهم، كما يحكي محمد أيت أزكاغ، أحد أبناء القرية، إلى التوجه إلى مقر عمالة الحوز، حيث أخبروا في نونبر الماضي، بأن الظروف المناخية، لا تشجع على بدء الأشغال.
وعندما حلت جرافة في يناير بالوادي، اعتقدوا أن مد القنطرة لن يستغرق سوى أسابيع، ما دام طولها لا يتعدى ثمانية أمتار، حسب محمد أيت أزكاغ، الذي يؤكد أن الساكنة صدمت، عندما توقفت الجرافة التي كانت تحفر عند الوادي، حيث غادرها سائقها في فبراير، وظلت رابضة هناك إلى الآن، ولم يعودوا يسمعون هدير محركها، رغم المساعي التي بذلت لدى السلطات المحلية.
ويذهب الحسين زعرور، رئيس جماعة آسني، التي تساهم في تمويل المشروع، في تصريح لـ" تيلكيل عربي"، بأن التأخر الذي سجل في البداية في إنجاز القنطرة عائد إلى إعادة النظر في الدراسة التقنية الخاصة بها، حيث أنجزت وأحيلت على المجلس الإقليمي صاحب المشروع، الذي يفترض فيه تكليف المقاولة باستئناف الأشغال في الأيام المقبلة.
من جهته، يؤكد رئيس المجلس الإقليمي إبراهيم أتوكرات، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، توصله بالدراسة الجديدة قبل شهر من جماعة آسني، غير أنه يعتبر أن مسؤولية التأخر في إنجاز القنطرة تتحملها المقاولة التي يفترض فيها تولي ذلك.
ويشدد على أنه سيكون على المقاولة بعد الاجتماع الذي عقد مؤخرا بمقر عمالة الحوز مع ممثلي قرية " تنغرين"، استئناف الأشغال في شتنبر المقبل، وإنجاز ما اتفق عليه أو فسخ العقد الذي يربطها بالمجلس الإقليمي، الذي سيترتب عنه فقدانها للضمانة التي تشمل قنطرتي "وانسكرا" و"تنغرين"، وإطلاق طلب عروض جديد، مضيفا أنه يميل لتفادي الخيار الأخير، حتى لا يتأخر إنجاز المشروع أكثر.
في السياق ذاته، تستعد عمالة الحوز، كما يقول أحد مسؤوليها في تصريح لـ" تيل كيل عربي"، لاحتضان اجتماع، غدا الثلاثاء، بين جميع الأطراف التي يهمهما المشروع وبحضور المقاول، من أجل توضيح الأمور، بما يفضي إلى استئناف الأشغال في الخامس من شتنبر المقبل.
قنطرة صغيرة.. وذاكرة
في انتظار تفعيل ما اتفق عليه في 19 غشت الماضي، وما سيتمخض عنه اجتماع غد الثلاثاء، تبقى القنطرة في قلب انشغالات ساكنة "تنغرين"، يقول عبد الرحيم أيت احماد "لقد ضحت الساكنة، قبل مشروع القنطرة، بحوالي 200 من الأشجار، أتت عليها الجرافة، حيث اعتبر ذلك مساهمة لا بد منها من أجل مد الطريق، التي يفترض أن تصلها القنطرة بطريق أخرى توجد في إحدى ضفتي الوادي، غير أن آمال أبناء القرية خابت".
لا يكف أهالي القرية عن الحديث عن فوائد القنطرة التي، ستصل بين طرفي القرية، اللذين ينعزلان عن بعضها، عندما يفيض الوادي، الذي يحرم حتى الأطفال من الالتحاق بالمدرسة.
تلك القنطرة الصغيرة، التي يحلم بها أبناء القرية، لن تصل بين ضفتيها فقط، بل ستكون صلة وصل مع الطريق الدائرية التي شقت في الأعوام الأخيرة، في الجبل الذي يحتضن القرية، التي أصبحت تتوفر على منفذين إلى آسني التي تضم السوق الأسبوعي، بعدما كان الوصول إلى القرية يتم عبر إمليل فقط.
قبل أكثر من عقد ونصف من الزمن، كانت قرية تنغرين معزولة عن العالم، إلا ما كان من تلك الطريق الوعرة، التي يشقها البشر والبغال بالكثير من الجهد، في الشتاء والصيف، على مدى ساعتين ونصف من قرية إمليل التي تبعد عن مراكش بحوالي سبعين كيلومترا.
كانت الثلوج، في العقود السابقة، تجعل عبور تلك الطريق الملتوية التي لا يتجاوز عرضها حوالي مترا مستحيلا، فتصبح القرية معزولة عن العالم، الذي لا يعلم بما تكابده، على مدى أكثر من شهرين، في فصل الشتاء، الذي تتأهب له الأسر في الصيف، حيث تخزن الحطب والعدس والشعير والدرة والشاي والسكر.
لازالت ذاكرة القرية تحتفظ بصور مؤلمة، لنساء حوامل، في فصل الشتاء البارد، لم تتمكن قابلات القرية من توليدهم، فقد جاءهن المخاض معقدا، كي يحملهن أبناء تنغرين على نعش، ويصعدون بهن الجبل في اتجاه مستوصف إمليل، غير أنهن غالبا ما كن يسلمن الروح في منتصف الطريق، كي ينتهين في المقبرة التي تطل على القرية.
تعطش للمدرسة والطريق والتواصل
في الأعوام الأخيرة، سعت جمعية شكل نواتها الصلبة، أبناء القرية المهاجرين إلى مدينة الدار البيضاء، لدى رئيس جماعة آسني، من أجل توسيع تلك الطريق، كي يصبح بإمكان السيارات الوصول إلى القرية.
لم يكن إقناع رئيس الجماعة بالأمر الهين، ولزم الانتظار طويلا، قبل أن يضع جرافة رهن إشارة أبناء القرية، الذين وفروا، كما يؤكد ذلك عضوا الجمعية، عبد الرحيم أيت احماد، الغازوال لمحرك الجرافة، كي تشرع في توسيع الطريق، التي بلغت القرية. هكذا وصلت وسائل النقل إلى القرية، خاصة يوم السوق الأسبوعي، الذي يبعد عنها بحوالي 15 كيلومترا.
القنطرة التي يتطلع إليها أهل قرية تنغرين، ستساعد أطفال القرية على عدم التوقف عن الدراسة عندما يفيض الوادي أو تتساقط الثلوج. هم يدركون أن القنطرة ستفتح أمام الأبناء آفاق الحلم بالتعلم، كما الطريق، التي أتاحت للعديد من الشباب، مواصلة مسارهم الدراسي، ما داموا تمكنوا من الوصول إلى آسني، حيث التعليم الإعدادي والثانوي، ثم مراكش أوالرباط،حيث الجامعة.
لم ينفصل الحلم بتأمين الطريق، عن الحلم بتوفير المدرسة، فقبل أكثر من 15 عاما، ارتجل أهل القرية، فصلا دراسيا في المسجد، وسعوا من أجل التوفر على معلم. كان ذلك أول اتصال لأطفال القرية بالمدرسة، قبل أن تبنى، بعد طرق العديد من الأبواب، مدرسة في أحدى ضفتي القرية.
ذلك إنجاز كبير في تاريخ تلك القرية، التي فتح العلم آفاق جديدة أمام أبنائها، الذين لا يترددون في المطالبة بالخدمات الأساسية. فقبل الترافع لدى السلطات التي يهمها الأمر من أجل مد القنطرة، كانوا سعوا، بالكثير من الإصرار، لكي يحصلوا على التغطية بشبكة الهاتف المحمول والإنترنيت.
ذلك ما تأتى لهم قبل أشهر، كي تصبح وسائل التواصل الاجتماعي فضاء للتداول حول يوميات وآمال وأحلام القرية. هكذا طغت القنطرة، في الأيام الأخيرة، على انشغالات رواد وسائط التواصل الاجتماعي من أبناء القرية.