يعيش المغرب منذ أيام حربا شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن صداها سيسمع تحت قبة البرلمان، و أثرها يصل إلى قلب الاقتصاد الوطني. معركة أطلقتها جهة لم يتعرف عليها المواطنون ، وإن حاولت أطراف سياسية ربطها بأنصار عبد الإله بنكيران، لكنها أخرجت عزيز أخنوش عن صمته، وبوسعيد عن تحفظه، ومسؤول إحدى الشركات الوطنية عن طوره. إنها معركة مقاطعة شركات افريقيا للغاز، وحليب سنطرال، وماء سيدي علي.
كيف انطلقت الحملة؟
زوال يوم الجمعة الماضي، أعلنت صفحة فيسبوكية تسمى "كازا بالفيزا" وهي صفحة يتابعها أزيد من 700 ألف شخص عزمها إطلاق حملة، وصفتها بأنها هي الأولى من نوعها في المغرب. وكتب مدير الصفحة قائلا:"غادي تنطلق واحد الحملة هي الأولى من نوعها في تاريخ المغرب، بحيث سيتفق جميع سكان الفايسبوك على مقاطعة واحد المنتوج لمدة شهر حتى ينقصو من الثمن ديالو، حيت الحكومة عيقات بزااااف ما كاين غير زيد زيد حتا فرعات المواااااطن"، مشيرا إلى أن هذه الفكرة نجحت في دول أخرى كالسويد.
هذا الإعلان تمت مشاركته من قبل أزيد من ألفي شخص من متابعي الصفحة، التي عادت في نفس اليوم لتعلن عن دعوتها لمقاطعة ثلاث منتوجات دفعة واحدة هي "غازوال افريقيا"، وحليب سنطرال، والماء المعدني سيدي علي.
وبررت الصفحة اختيارها لمنتوجات هذه الشركات دون غيرها بكون الحملة في بدايتها، كما أن هذه المنتوجات يستهلكها غالبية المغاربة، بحسبها. واعتبرت الصفحة أن مقاطعة شركة دون غيرها سيضطرها لتخفيض الثمن، وهو ما سيجعل باقي الشركات يحدون حدوها، وإلا سيتعرضون للكساد.
"تيل كيل عربي" استطلعت عددا من أبرز نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، فقدموا لها روايات متعددة حول من أطلق الحملة، بين المصدر سالف الذكر، وقائل إنه صفحة من أكادير تدعى "أكادير فلاي"، أو "مراكش مدينتنا"، أو "وافو".
هم يجمعون على أن البحث عن المصدر أشبه بالبحث عن إبرة في كيس من الصوف، لأن هنالك طرقا متعدة لتغيير تاريخ ماينشر ، والظهور بمظهر المبادر والسابق إلى الدعوة.
تحديد المصدر مهم ، لأنه سيحسم الجدل الذي سيثار فيما بعد حول ارتباط الحملة بأطراف سياسية، ضد أطراف أخرى، لكن الأهم من المصدر هو أن الحملة وجدت صدى لدى رواد مواقع التوصل الاجتماعي، ويبدو أنها أغضبت الجهات المستهدفة.
التشكيك واتهام "المداويخ"
كان طبيعيا أن ينحرط في الحملة عدد من نشطاء اليسار، كما حدث قبل سنوات عندما كان هؤلاء يرفعون قنينات الزيت وعلب الحليب رفضا للغلاء، لكن انخراط عدد من مناضلي شبيبة العدالة والتنمية في الترويج للحملة جعل عددا من المتتبعين يشكون في أهدافها ويربطونها بالصراع بين أنصار رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، والملياردير عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، والمالك لشركة "إفريقيا" للمحروقات، من جهة ، ومريم بنصالح، التي خرجت قبيل انتخابات 7 أكتوبر 2016، لتعبر عن عدم رضى الباطرونا على الحصيلة الاقتصادية لحكومة بنكيران لفائدة المقاولات.
عادل الزيادي، رئيس جمعية النفطيين المغاربة، والذي يشغل منصب مدير قطب المحروقات والزيوت داخل المجموعة الاقتصادية "أكوا" التي تملك محطات "إفريقيا"، اعتبر في تصريح "تيل كيل عربي" أن حملة مقاطعة المنتوجات المذكورة حملة مغرضة، تقف وراءها أغراض سياسية.
وقلل الزيادي من أهمية الحملة، وقال "إنها حملة افتراضية فقط"، مضيفا أن زبناء "إفريقيا" أوفياء لها، ولا تؤثر فيهم الحملات الافتراضية. وأرجع الزيادي ارتفاع أسعار المحروقات إلى ارتفاع الأسعار على مستوى السوق الدولي، وحذف الحكومة للدعم الذي كانت توجهه للقطاع عبر صندوق المقاصة.
ستأتي تصريحات وزير الفلاحة ورجل الأعمال عزيز أخنوش، الخصم الرئيسي لأنصار بنكيران، لتعبر عن نفس الموقف، لكن دون الإشارة إلى الخصم ، الذي يعتقد أصحاب المؤسسات المستهدفة أنه وراء الحملة، أي البجيدي.
أخنوش، قال الأربعاء، وهو يرد على سؤال حول المقاطعة، إنها " لن تؤثر على المنتوجات، فهي حملة افتراضية، والواقع لن تغيره الأنترنيت "، وضرب مثالا بشركة سنطرال ، معتبرا أن الحملة لن تقطع أرزاق 474 ألف شخص يعملون في قطاع إنتاج الحليب، مع شركة "سنطرال"، قبل أن يختم كلامه برسالة استفزت الكثيرين من نشطاء الحملة عندما قال"على المغاربة أن يحمدو الله لأنه أغلب المنتجات الغذائية وغيرها تنتج داخل الوطن، وأنها تعتمد على مغاربة لإنتاجها".
لكن أقوى تصريح يربط الحملة بأنصار عبد الإله بنكيران، على لسان سياسي، هو ما عبر عنه وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، تحت قبة البرلمان، كما نقلت ذلك تيل كيل عربي في وقته. واستخدم بوسعيد نفس العبارات التي كان يستخدمها عبد الإله بنكيران في توصيف أنصار حزبه النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، أي لفظة "المداويخ".
من جهتها، وصفت شركة "سنترال" الحملة بالمغرضة، كما وصفت الداعين إليها بالخائنين للوطن. وقال عادل بنكيران مدير مشتريات إنتاج الحليب بشركة "سنطرال دانون" في تصريح لوسائل إعلام متعددة على هامش معرض الفلاحة بمكناس "إن من يدعو لمقاطعة المنتوجات الوطنية خائن للوطن". وحذر المتحدث من إضرار الحملة بالفلاحين، وتساءل "أين سيذهب 400 ألف فلاح يقومون بحلب الأبقار ويتوجهون إلى التعاونيات الفلاحية كي يبيعون منتوجهم"؟، مشددا على أنه من حق المواطنين أن يطالبوا بالجودة، ولكن المقاطعة ستضر بالاقتصاد الوطني.
رد البجيدي
بنكيران يتجنب لحدود الساعة الانجرار إلى هذا النقاش. يكتفي عند سؤاله من قبل "تيل كيل عربي" عن الموضوع، بالاعتذار ورفض التعليق. وهو موقف يفهم بسهولة بالنظر إلى أن آخر خرجاته ضد عزيز أخنوش، جعلت الحكومة تعيش نوعا من البلوكاج، تجلى في مقاطعة وزراء الأحرار لاجتماع للمجلس الحكومي، وعدم مشاركة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، رحلته إلى الشرق لمعالجة مشاكل جرادة، رغم أنهم كانوا جميعا على قائمة المشاركين.
خلافا لبنكيران، اختار محمد أمكراز، الكاتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية، وعضو الأمانة العامة للحزب في اتصال مع "تيل كيل عربي" الرد على اتهام البجيدي بالوقوف وراء حملة المقاطعة بالقول "إنها محاولة لضرب مصداقية الحملة فقط"، نافيا أن تكون لشبيبة حزبه أية علاقة بها. وقال أمكراز "لم نتداول في هذا الأمر داخل الشبيبة على الإطلاق، كما أنني لا أعرف القائمين على الصفحات التي تدعو للمقاطعة".
وأضاف "قد يكون بعض شبابنا منخرطين في هذه الحملة بشكل فردي كباقي شباب الفيسبوك، لكنني لم أر أيا من قياديي العدالة والتنمية يدعو للمقاطعة، ولا يمكننا كحزب أن ندعو لمقاطعة أي شركة وطنية". وتابع "قد نختلف مع حزب التجمع الوطني للأحرار، ومع رئيسه عزيز أخنوش، لكننا ملزمين بمواجهته سياسيا، وليس عبر الدعوة لمقاطعة شركاته".
ولم يتردد أمكراز في دعوة وزير المالية محمد بوسعيد إلى الاعتذار لآلاف المغاربة الذين وصفهم بـ"المداويخ"، مبرزا أنه "لا يجوز لأي مسؤول حكومي، ولو كان من حزب العدالة والتنمية أن يصف المغاربة بهذا الوصف الخارج عن اللياقة".
أسئلة مقلقة
المسؤولون عن الشركات المستهدفة ينفون أي أثر لحملة المقاطعة على منتوجاتهم، لكن الحملة تشتد مع مرور الساعات والأيام، مدعومة بعدد من مناطق الظل التي لايجد المتتبعون لها جوابا. قبل أيام قليلة تساءلت الصحافة الوطنية "لماذا لم يفرج البرلمان عن نتائج الاستطلاع حول الأسعار المحروقات"، وتتساءل منذ مدة ليست بالوجيزة، مع عبد العالي بنعمرو، رئيس مجلس المنافسة" من يريد إقبار مجلس المنافسة؟".
الخبير الاقتصادي، عمر الكتاني، اعتبر أن لجوء المواطنين لمقاطعة منتوجات بعينيها يعبر عن تعاظم نسبة الوعي وتطور أشكال الاحتجاج في المغرب.
وأضاف الكتاني "في ظل عدم تحمل الحكومة لمسؤوليتها، وتغليب الشركات للمصلحة الخاصة على المصلحة العامة لم يعد هناك بديلا عن المقاطعة"، داعيا الحكومة إلى التقاط الإشارة والتدخل من أجل حلحلة الوضع عبر تفعيل دور مجلس المنافسة، وحماية المواطنين.
واعتبر الكتاني أن مواجهة حملة شعبية بوصف أصحابها بـ"المداويخ" سيعطي مفعولا عكسيا، داعيا إلى ضرورة التفاعل بشكل إيجابي مع مثل هذه الحملات.