ألف المغابة السماع بأنباء إطلاق خطوط هاتفية للتبليغ عن الرشوة والفساد، وهي مبادرة سبق وسنتها الهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة كما سبق أن أعلنت وزارة تحديث الإدارة والقطاعات العمومية في عهد حكومة بن كيران أنها سلكت المضمار نفسه عندما أعلنت عن المبادرة الوطنية لمحاربة الفساد، لكن عندما يتعلق الأمر بالنيابة العامة، التي دخلت عهدا جديدا عندما استقلت بنفسها عن وزارة العدل، فيختلف الأمر كليا، لأنها المؤسسة المدافعة عن الحق المدني والقادرة على تحريك المتابعات بفعالية وبقوة الضبط والقضا.. كيف ذلك؟
آلو رئاسة النيابة العامة
في حي الرياض الراقي والعصري، وبالقرب من مقرات محكمة الاستئناف ومحكمة النقض، وعلى مرمى حجر من مقر المفوضية الأوروبية بالرباط، رأى النور قسم ، داخل بناية رئاسة النيابة العامة، خاص باستقبال شكايات المواطنين ضحايا الابتزاز والرشوة، أو غيرهم من "معلني الإنذارات" "أنونسور داليرت"، أو الذين بإمكانهم تقديم الدليل القاطع على جرائم الفساد المتعددة.
فتتحت مؤسسة رئاسة النيابة العامة أبوابها في وجه رجال الإعلام لتكشف لهم عن إطلاق رقم 0537718888 الخاص بتلقي شكايات أو بلاغات عن قضايا فساد.
في الطابق الثاني من البناية الحديثة والجديدة لمؤسسة رئاسة النيابة العامة، امتدت قاعة فسيحة حيث يجلس 10 موظفين، أغلبهم شباب، إلى جانب هواتف بخطوط ثابتة، وخلف حواسيبهم لتلقي الاتصالات المحتملة، يتجلى دورهم في تلقي شكايات من متضررين أو شهود في قضايا فساد.
تنحصر مهمة هذا القسم، الذي فتح أبوابه على عجل للصحافيين، في الاشتغال على تلقي مكالمات المواطنين طيلة أيام العمل من الثامنة والنصف صباحا إلى الرابعة والنصف زوالا.
فعلى طاولة دائرية كبيرة، ينتظر الموظفون رنة الهاتف لتلقي مكالمات مواطنين متذمرين أو مستائين من تعرضهم لعمليات ابتزاز، وتبدأ أولى إجراءات الموظف بتسجيل المعطيات في استثمارة رقمية على حاسوبه، والتي تخص المعلومات الأولية حول هوية المتصل، الذي عليه أن يمد الموظف باسمه ورقم بطاقته، ثم موضوع الشكاية وطبيعتها، ليمر الموظف إلى الشق الثاني، والمتعلق بالتعرف على هوية وطبيعة عمل المبتز أو المرتشي أو المختلس، قبل أن يحيل الموظف الاتصال الهاتفي على قاض مكلف، الذي تتجلى مهمته في قيادة التحريات والتنسيق مع المبلغ، لنصب كمين وضبط الجناة في حالة تلبس.
ما الفساد ومن يحمي المبلغ؟
يشرح رئيس شعبة القضايا الجنائية الخاصة التابعة لرئاسة النيابة العامة عبدالرحمان لمتوني، في حديثه لموقع "تيل كيل" ما معنى قضايا فساد، فيقول إن إطلاق هذا الخط الهاتفي يستهدف جرائم الفساد، وأنه عندما نقول فساد، فإننا نقصد جرائم استغلال النفوذ أو الاختلاس أو التبديد أو الغدر أو الرشوة، فعندما يقف المواطن على حالة من هاته الحالات، سواء كمبلغ أم ضحية، يتصل بالخط المباشر، لتعالج القضية وتحال على القضاة المكلفين الذين ينسقون مع النيابات العامة.
ويقول لمتوني مفصلا "عندما يتعلق الأمر بالرشوة يتم التنسيق بالسرعة والفعالية مع النيابة العامة والشرطة القضاية من أجل ضبط الجاني في حالة تلبس، أما إن تعلق الامر بملف فساد مكون من مجموعة من المعطيات، لا يمكن سردها في مكالمة هاتفية، فإننا وضعنا جهاز فاكس لاستقبال الوثائق والمستندات التي من شأنها أن تكشف قضايا الفساد".
هل الفساد هنا حكر على القطاع العام فقط، وبالتالي فإن المبلغين أو المتضرين سيستهدفون القطاع العام وموظفيه فقط، يجيب عبدالرحمان لمتوني "تيل كيل عربي" بالقول بأنه في جرائم "التبديد واستغلال النفوذ والاختلاس والرشوة، فالقانون الجنائي يخص في بعضها الموظفين العموميين، لكن فيما يتعلق بالرشوة لوحدها، فالقانون لا يميز بين القطاع العام والخاص".
لقد كانت دعوة رئيس النيابة العامة محمد عبدالنباوي صريحة إلى انخراط المواطنين في التبليغ عن حالات الفساد، لكن ما مدى انخراط النيابة في حمايتهم، خاصة إن كانوا في وجه مدفع أخطبوط قوي فاسد وذي نفوذ، يرد رئيس شعبة القضايا الجنائية الخاصة التابعة لرئاسة النيابة العامة، على "تيل كيل عربي" بالقول إن حماية الشهود ممارسة دائمة عند النيابة العامة، إذ في حالة وجود خطر يهدد حياة المبلغ، فإن النيابة العامة توفر له الحماية.
ويذهب لمتوني إإلى القول إنه منذ سن قانون حماية الشهود مؤخرا جرى تطبيقه في 35 حالة، وبلغ الأمر في إحدى الحالات إلأى توفير الحماية البدنية لأحد المبلغين ولأفراد أسرته.