ثباتيرو من طنجة: هذه خلفيات حرب أمريكا على هواوي الصينية.. وشروط استفادة الأفارقة منها

أحمد مدياني

" الصراع اليوم في العالم دخل مرحلة المواجهة بالذكاء الاصطناعي والتكنلوجيا أكثر من أي وقت سابق. من يمتلك السلطة الرقمية أقوى من الذي يتوفر على أكبر الجيوش في العالم والأسلحة الأكثر تطورا، ولهذا أمريكا تشن حربها بدون سلاح على الصين مؤخرا..."

كانت هذه أبرز النقاط التي تطرق إليها رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق خوصي لويس رودريغيز ثاباتيرو خلال مداخلة له اليوم السبت، ضمن فعاليات مؤتمر التكنلوجيا والابتكار والمجتمع "سايفاي إفريقيا 2019" المنعفد بطنجة.
وفكك ثاباتيرو في مداخلته الأسباب الكامنة وراء اختيار أمريكا المواجهة المباشرة مع الصين، ليس فقط من خلال الإجراءات الحكومية والقرارات السياسية، بل أيضاً دفع شركات عملاقة لوقف تعاملها مع شركة الهواتف الذكية الصينية "هواوي"، آخر ما صدر عن إدار موقع "فيسبوك" يوم أمس الجمعة.
كما تطرق المتحدث ذاته لموقع أوروبا وإفريقيا من هذا الصراع، وكيف يمكن أن تستفيد منه، وما هو الدور الذي يجب أن تلعبه المؤسسات الدولية لصالح المجتمع والإنسان في خضم هذه التحولات المتسارعة.

موازين قوى رقمية.

لماذا اختارت أمريكا المواجهة الرقمية والتكنلوجية المباشرة؟

يجيب رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق بأن، "الصين تصرف أكثر من 130 مليار دولار سنوياً على الذكاء الاصطناعي، وهي متقدمة بـ 10 سنوات على الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال".
وأضاف: "الحرب على "هواوي" ما هي إلا الصورة الظاهرة للحرب بين القوتين. في الصين، يوجد أحسن المهندسين في التكنلوجيا والذكاء الاصطناعي، وهذا لا يخدم مصالح أمريكا، خاصة وأن الأخيرة واعية تماماً بأن موازين القوى مستقبلاً سوف تكون لصالح من يمتلك القوة الرقمية والتكنلوجية، هذه القوة سوف تتجاوز بكثير القوة العسكرية".
وبلغة الأرقام، أشار المسؤول الحكومي الإسباني الأسبق، إلى أن الصين استطاعت في ظرف 40 عاماً مضاعفة دخلها الخام 80 مرة، وأخرجت من الفقر 700 مليون شخص، وانتقلت من الرتبة 147 دولياً إلى الرتبة الثانية من بين أكبر القوى الصناعية".

وتابع ثاباتيرو أنه في العالم اليوم يوجد 30 ألف خبير بكفاءات عالية جداً في مجال التكنلوجيا والذكاء الاصطناعي، وأغلبهم يوجدون في الصين.

وخلص المتحدث ذاته إلى أن هذه المعطيات والتحولات في الصين، فرضت "نقاشاً جديداً حول السلطة ومستقبل العلاقات بين السلط".

موقع أوروبا وإفريقيا

وعن موقع القارة العجوز والقارة السمراء من الثورة التكنلوجية، التي وصفها رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق بـ"الثورة الرابعة"، بالنظر إلى "التحولات القوية التي تحملها، وحالة الضغط المستمرة، والتفاوتات التي خلقت في مجالات عدة، أبرزها الأمن والصحة والتعليم وحقوق الإنسان"، شدد المتحدث ذاته على أن أوروبا لا تملك غير تقوية الترسانة القانونية والأنظمة التي تحمي مصالحها،  واعتبر أن دول القارة تتقدم في المجال التكنلوجي والذكاء الاصطناعي لكنها تتقدم ببطء.
واعتبر أيضاً أن عدم استفادة دول أوروبا بشكل أكبر من هذا التطور والصراع الذي يواكبه بين الصين وأمريكا، يرجع بالأساس إلى بنية الدول وما وضعته من ضوابط في هذا المجال.

وبالنسبة لإفريقيا، قال ثاباتيرو "دول القارة أمام فرصة تاريخية وهائلة يمكن أن تتقدم في كثير من المجالات وأن تربح قرونا من التطور. يجب أن يستغل المسؤولون الإمكانيات الهائلة للقارة، خاصة وأنها لا تزال أرضاً خصبة لتدشين وتطوير مشاريع الذكاء الاصطناعي والتكنلوجيا الرقمية".

ويرى رئيس الحكومة الأسبانية الأسبق أن استفادة إفريقية من الثورة التكنلوجية والرقمية مرتبط بإرادة الأفارقة "هذه الاستفادة لن تغير القرارات السياسة فقط، بل سوف تغير بنيات المجتمع، في مجالات الصحة مثلا هناك تطورات في الذكاء الصناعي تسهم اليوم في الرفع من أمد الحياة".

المجتمع ودور الفلسفة

"الصين وأمريكا لهم رهانات أخرى محورها الصراع"، يقول ثاباتيرو، لكن ما هو موقع المجتمعات في ما يخص الثورة التكنلوجية والرقمية والصراع حولها؟

يرى رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق أن نصف سكان الأرض إلى اليوم لم يستفيدوا منها.
وعاب ثاباتيرو على المسؤولين والشركات الدولية "مسايرة الجشع للسلطة والسلطوية والاغتناء بشكل فاشح"، ويشدد على ضرورة أن تكون الدول والمنظمات والمؤسسات الدولية "واعية بهذه التحولات وأن تبحث عن ما يريده المجتمع من الثورة الصناعية، وأن لا تترك المقاولات تناقش وحدها وتقرر، خاصة وأنها تعرف عنا أكثر مما نعرفه عن أنفسنا".
"المواطن المسيكين اليوم يتوفر على معلومات أكثر مما كان يتوفر عليه رئيس الولايات المتحدة قبل 30 سنة، هذا المعطى يجعلنا نفكر جدياً في ضرورة تعميم الاستفادة من الثورة التكنلوجية على الجتمعات، وأن لا يقتصر بيعها لهم من أجل صناعة الرأي فقط وتجميع معطياتهم الشخصية التي تساوي اليوم ملايير الدولارات".
وشدد ثاباتيرو على أن "الحق في الاندماج الرقمي أصبح ملزما، وعلى الأمم المتحدة أن تطالب الشركات التكنلوحية الكبرى، بإلزامية ربط كل المنازل في العالم بالانترنت في ظرف 10 أو 15 سنة القادمة، مجانا، لأنهم يستثمرون ويربحون الملايير من معطياتنا الشخصية، والنضال ضد الفقر كان شعارا عاما، لكن اليوم لمواجهته ينبغي أن نوظف التكنولوجيا لأجل ذلك، وأن تكون المساواة في التنمية على هذا الأساس".

وختم المسؤول الحكومي الأسبق، مداخلته بضرورة ادخال النقاش الفلسفي والمبادئ الفلسفية للأخلاق في الثورة التكنلوجية والابتكار الرقمي.

وقال في هذا الصدد: "يجب أن يكون للفلاسفة صوت، لأن الرهان على العلم والمعرفة هو الاستثمار الفعال اليوم لتحقيق التنمية الحقيقية، لا يمكن تحقيق ذلك دون الاستعانة بالأخلاق الفلسفية التي أطرت تطور البشرية في وقت سابق".