شكلت "قمة التكنولوجيا العميقة 2025"، التي استضافتها جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P) في بن جرير، منصة بارزة لتسليط الضوء على الدور المتنامي للقارة الأفريقية والمغرب في مشهد الابتكار التكنولوجي المتقدم عالميا.
من التلقي إلى الريادة
أكد المتحدثون خلال القمة أن أفريقيا لم تعد مجرد متلق للتكنولوجيا، بل أصبحت لاعبا رئيسيا يستعد لتولي زمام الابتكار، وفي هذا السياق، شدد هشام الهبطي، رئيس جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، على أن القمة تمثل "بيان نوايا" يوضح أن التقدم يجب أن يكون شاملا، وأن الثورة الصناعية الرابعة لا يمكن أن تتجاهل بلدان الجنوب العالمي.
وأكد أن "أفريقيا ليست مستعدة فقط للقيادة، بل للريادة أيضا"، مشيرا إلى أن الثروة الحقيقية للقارة تكمن في شبابها، حيث تقل أعمار 60% من السكان عن 25 عاما، واصفا إياهم بـ"أعظم ثرواتنا".
جامعة محمد السادس
برز المغرب كمركز إقليمي للابتكار، بدور محوري لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، إذ اعتبر ياسين الغزيوي، الرئيس التنفيذي لـUM6P Ventures، الجامعة "نموذجا مصغرا وبيئة تجريبية" للتقاطع بين التكنولوجيا العميقة والذكاء الاصطناعي، تعمل على نقل الابتكار "من المختبر إلى السوق، ومن البحث إلى المشاريع، ومن أفريقيا إلى العالم".
وشكلت مبادرات مثل حاضنة "StartGate"، والمؤسسة المغربية للعلوم المتقدمة والابتكار والبحث (MAScIR)، التي ترأسها نوال الشرائبي، أمثلة حية على هذا التوجه الطموح.
فرص الذكاء الاصطناعي
رأى العديد من الخبراء المشاركين أن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا العميقة يشكلان فرصة تاريخية لأفريقيا لتحقيق "قفزات نوعية"، وأوضح لغزيوي أن الذكاء الاصطناعي يمكن القارة من "التسارع وتحدي ضغوط التاريخ".
في ما أشار جلال شرف، مدير القطاع الرقمي في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية إلى مبادرة "أفريقيا 100"، التي تهدف إلى تدريب 100 مليون أفريقي، مؤكدا ضرورة استخدام الذكاء الاصطناعي لحل المشاكل المحلية الملحة.
وفي السياق نفسه، شدد أمين راجي، الرئيس التنفيذي لشركة "سبور بايو" (SPORE BIO)، على أهمية تطوير نماذج لغوية تفهم اللهجات المحلية، مثل الدارجة المغربية، وهو ما أكده أيضا فيليبس دوروجايي، مؤسس شركة INNOVIA.
وأشارت الدكتورة جوليا شولرمان، نائبة رئيس تطوير الشركات في "3EPharma"، إلى أن التنوع الجيني الكبير في أفريقيا يمثل فرصة ثمينة لاكتشاف أدوية جديدة وتخصيص العلاجات، شريطة جمع البيانات الوراثية بشكل فعال ومنهجي.
التحديات أمام إفريقيا
رغم موجة التفاؤل، ناقش المشاركون تحديات كبيرة تعترض مسار الابتكار في أفريقيا، فقد نبهت الدكتورة آن ماكينا، المديرة المشاركة لمبادرة "أفريقيا أكسفورد"، إلى أن تمويل البحث العلمي لا يزال يعتمد بشكل رئيسي على القطاع العام، في ظل مساهمة محدودة من المستثمرين المحليين، داعية إلى "تخفيف المخاطر لجذب رأس المال الداخلي".
ومما تناولته النقاشات التحديات اللوجستية، مثل تأخر وصول المستلزمات المخبرية وارتفاع تكاليفها، إضافة إلى ضعف البنية التحتية، سواء الرقمية أو الفيزيائية، بما في ذلك نقص المختبرات المشتركة، التي دعا فيليبس دوروجايي إلى إنشائها.
وبرزت كذلك قضايا تتعلق بالبيانات، مثل رقمنة السجلات الطبية، وبناء قواعد بيانات أفريقية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وهو ما أشار إليه الدكتور كارل صعب، الأستاذ والمدير في "كليفلاند كلينك".
ومن جانبه، أكد الدكتور موز علي، رئيس قسم الأبحاث والسياسات في "إيرثينا" (EARTHINA)، أهمية وجود سياسات تنظيمية رشيدة، لا سيما في القطاعات الحساسة مثل الطاقة، لتفادي تعميق الفجوات الاجتماعية أو استغلال البيانات بشكل غير عادل.
دعوات للتعاون والاستثمار الموجه
شهدت القمة دعوات متكررة لتعزيز التعاون، سواء بين القطاعين العام والخاص، أو بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية، أو على المستوى القاري والدولي، واقترح المشاركون إنشاء مراكز بحث وتطوير موزعة في أنحاء أفريقيا، تستفيد من المزايا النسبية لكل منطقة.
وجرى التشديد على ضرورة توجيه الاستثمارات نحو القضايا الحقيقية التي تواجه القارة، مثل الأمن الغذائي، الذي ناقشه رام دوليبالا، المدير المؤقت للتحول الرقمي في مجموعة CGIAR، بالإضافة إلى قضايا الرعاية الصحية والطاقة المستدامة.