في السابق، لم يكن الحصول على تأشيرة لزيارة فرنسا أو إسبانيا بالأمر الهين، ولكن الأمر ازداد صعوبة منذ دجنبر 2018. إذ صار الحصول على موعد فقط لتقديم ملف طلب الفيزا، أمرا يكاد يكون مستحيلا. فما هي أسباب كل هذ التأخير؟ هل سببه كثرة الطلبات أم هو مجرد وسيلة لممارسة مزيد من الضغط على المغرب والمغاربة؟
أخيرا تحقق لم الشمل وتزوج عبد الخالق من ليلى، هذه الشابة الفرنسية ذات الأصول المغربية التي تعيش في مدينة ستراسبورغ (شمال شرق فرنسا). كان ذلك اليوم أسعد أيام حياته أو بالأحرى "تقريبا" أسعدها. "لم يكن معي أي واحد من أفراد عائلتي، ولا أي واحد من جيراني تقريبا" قال العريس باستياء.
فمنذ عدة شهور، يستحيل أخذ موعد في قنصليتي فرنسا وإسبانيا لدفع طلب الفيزا للإقامة القصيرة، إذ لا يوجد ولو موعد شاغر لدى مقدمي الخدمات للقنصليات، وهما شركتا "TLS contact" و"BLS International services".
"لقد حاولت قبل موعد الحفل بأكثر من ثلاثة أشهر، بدون جدوى. هل تتخيل أن تتزوج بدون حضور والديك؟" يضيف عبد الخالق. وحده صديقه سعيد تمكن من الحضور. ويوضح كيف تسنى له ذلك: "أخذت موعدا في قنصلية البرتغال، وحصلت على فيزا مدتها بضعة أيام، ولكن هذا كلفني كثيرا، إذ كان علي التنقل عبر الطائرة ثم أخذ قطارين. هذا يفوق القدرات المالية لأسرة عبد الخالق".
لم تفلح سلمى، بدورها، في الحصول على موعد في القنصلية، فمنذ ثلاثة أشهر وهي تلج يوميا إلى موقع "BLS" بدون جدوى. "لقد طلبت عطلة نهاية السنة منذ وقت طويل حتى أزور أعز صديقاتي في مدريد. وأنا أدخر لهذا الصفر منذ عام كامل" تقول بنبرة استياء. وبما أنها تريد الذهاب إلى إسبانيا بأي ثمن، فقد اتصلت سلمى بواحد من الوسطاء العديدين الذين يبيعون المواعد مقابل المال. "طلب مني 500 درهم ووعدني بموعد قبل نهاية دجنبر. أعتقد أنني سأقبل عرضه".
إن الحصول على فيزا شينغن لم يكن سهلا في أي وقت، فعلى المرء الحصول على موعد لدى مقدمي الخدمات القنصلية، وجمع القائمة الطويلة من الوثائق المطلوبة، وحجز الفندق، وأداء التأمين... ولكن هذا المسار الطويل والشاق ازداد صعوبة منذ دجنبر 2018، لما أصبحت المواعد تأخذ وقتا طويلا جدا، بالخصوص بالنسبة إلى التأشيرات السياحية.
والواقع أن سياسة الفيزا - ورغم أنها أقل حضورا في وسائل الإعلام من المآسي التي تحدث على الشواطئ الإيطالية أو على الحدود البرية مع سبتة أو مليلية - تعتبر نوعا آخر من الحواجز.. وسيلة أخرى في يد بلدان الاتحاد الأوروبي لتنفيذ سياستها المتعلقة بالحد من الهجرة عن بعد.
الطلبات الكثيرة سبب التعثر
.خلال زيارته إلى المغرب في 8 يونيو الماضي، أشار وزير الخارجية الفرنسي، جون إيف لودريان، إلى أن فرنسا ضحية "نجاحها"، بعد أن غرقت في طوفان طلبات التأشيرة. "فلم يسبق لفرنسا في كل تاريخها أن منحت هذا العدد الهائل من التأشيرات للمغاربة.. 400 ألف تأشيرة في العام الماضي. وهذا يضع المغرب في المرتبة الثانية خلف الصين.. أي بزيادة 10%" يزيد الوزير موضحا . قبل ذلك بأيام، اكتفى زميله الإسباني، جوزيب بوريل، بتقديم اعتذاره إلى الشعب المغربي على "مدد الانتظار الطويلة" هذه، لكن الإدارة العامة للتواصل في وزارة الخارجية الإسبانية تقول : "إن السبب الرئيسي هو الارتفاع المهول في طلبات التأشيرة بسبب الدينامية المتزايدة للعلاقات الثنائية. إذ في السنوات الأخيرة ارتفع عدد السياح المغاربة الذين يزورون إسبانيا بأكثر من ثلاثة أضعاف، كما تضاعفت المبادلات التجارية بين البلدين. وهذا كله يأتي في ظل وجود قيود على الميزانية تزيد في تعقيد إمكانية توفير موارد بشرية إضافية للتعامل مع الحجم الكبير من العمل".
وتضيف الإدارة العامة للتواصل إن وزارة الخارجية الإسبانية أعطت الضوء الأخضر لانتداب مزيد من الموارد البشرية في كل القنصليات بالمغرب: "هذه الإضافة لن تكون قادرة على تلبية كل الحاجات، ولكنها ستحسن من الوضع. وتواصل الوزارة دراسة التدابير الإضافية الكفيلة بتسهيل الإجراءات".
من ناحتيه، يقول مصدر من سفارة فرنسا بالمغرب: "في فرنسا، لا يكف عدد طلبات الفيزا عن الارتفاع، وتعي وزارة الخارجية، التي نتعامل معها، هذه الصعوبات، ولكن لا وجود لأي زيادة مرتقبة في عدد الموظفين"، بيد أن فرنسا تعتزم مكننة كل الإجراءات الخاصة بالتأشيرة في غضون عامين، ومركزة معالجتها في الرباط والدار البيضاء. وهذا التغيير لن يكون له أي تأثير على طالبي الفيزا حسب ما أكده المصدر ذاته.
وقد انكب مجيد الكراب، النائب المنتمي إلى حزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي يمثل فرنسيي الخارج، على القضية منذ عام. وبوصفه عضوا في لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية العمومية (مجلس النواب الفرنسي)، طرح في 29 أكتوبر الماضي سؤالا بخصوص التأخير الحاصل في منح التأشيرة للطلبة المغاربة.
بالنسبة إليه، المشكل مرتبط بتقليص النفقات العمومية. "يرتقب إلغاء 74 وحدة للعمل السنوي الكامل (وحدة قياس تخص مدة العمل) في كل تمثيليات فرنسا بالعالم في غضون 2020. وسيهم هذا الحذف بالخصوص القنصليات والسفارات. من الواضح جدا أننا لسنا في منطق التوظيف. إنهم يحاولون التوفير للانضباط للمعايير الأوروبية الخاصة بالتدبير الجيد".
هذا الواقع يؤكده النائبان الفرنسيان "آن جينتي" و"ديديي كونتان"، اللذان وضعا لدى لجنة الشؤون الخارجية تقرير افتحاص وتدقيق حول "مسار تدبير الوظائف الديبلوماسية". فحسب هذين النائبين، أدى برنامج "المبادرة العمومية 2022"، الذي أطلق في خريف 2018، إلى تقليص جديد في عدد الموظفين وإلى التأثير في مسار تدبير الوظائف الديبلوماسية.
ولكن، ألم يتم تعويض نقص الموظفين في القنصليات بالمناولة لشركة "TSL contact" أو "BSL"؟ كذلك، ألا يعني ارتفاع طلبات الفيزا زيادة في رقم المعاملات بالنسبة إلى مقدمي الخدمات والقنصليات بنفسها؟
يرد مصدر مقرب من السفارة الفرنسية في الرباط بالقول "إن التحكيم بشأن هذا الموضوع يتجاوزنا ولا يتم البت فيه بالسفارات، ولكن هناك في باريس بوزارة الخارجية. ليست لنا أي سلطة على هذا الأمر".
وبما أن "TLS Contact Maroc" لا تتلقى أي تعويض من طرف إدارة المالية العمومية لكل بلد، فإن الشركة تغطي لوحدها مصاريف تسييرها، وتحصل عليها مباشرة من أيدي طالبي الفيزا الذين يدفعون 269 درهما (تنضاف إليها 266 درهما لمن يرغب في الاستفادة من الخدمة الممتازة التي تقترحها "TSL") و169 بالنسبة إلى "BSL"، فضلا عن المصاريف المعتادة الخاصة بالملف والمحددة في 660 درهما.
وهذا المبلغ مرشح للارتفاع، لأن وزراء الداخلية ببلدان الاتحاد الأوروبي قرروا، في يونيو الماضي، إدخال تعديلات جديدة على قانون منح تأشيرة شينغن، من بينها الرفع من الواجبات المالية، وهذه المصاريف لا ترد إلى أصحابها في حال رفض طلب الفيزا.
إن مناولة الخدمات القنصلية لا تكلف الدولة أي عبء مالي، بل إنها مربحة. وحسب تقرير لجنة الشؤون الخارجية الفرنسية الخاص بمشروع قانون مالية 2017، فإن "منتوجات البعثات الديبلوماسية والقنصلية"، والتي تغذيها أساسا واجبات الفيزا، عادت على فرنسا ب"210 ملايين أورو" في 2015، و202 مليون أورو في 2016، و2016 مليون أورو في 2017 حسب تقديرات الوثائق المالية. بينما تقدر التكاليف المالية لعملية "معالجة طلبات الفيزا" بـ53.1 مليون أورو في 2017 (49.6 مليون أورو في 2016).
تشدد مغلف
بالنسبة إلى المهدي عليوة، عالم الاجتماع، المسؤول عن كرسي "الهجرة، العولمة والكوسموبولتانية" بالجامعة الدولية للرباط، المشكل لا علاقة له لا بارتفاع عدد الطلبات ولا بنقص الوسائل في القنصليات. "إن الإحصائيات تبين أن عدد التأشيرات الممنوحة ارتفع بشكل عام لأنهم يأخذون بعين الاعتبار كل بلدان الاتحاد الأوروبي. ولكن هذه الأرقام تخفي حقيقة أخرى. فلو دققنا، سنلاحظ أن فرنسا وإسبانيا ترفضان منح التأشيرات أكثر فأكثر" يقول الباحث المغربي.
والواقع أن الأرقام المنشورة في موقع شينغن تظهر أن حجم الطلبات في ارتفاع بشكل عام منذ 2014، ولكن إن أخذنا حالتي فرنسا وإسبانيا، نلاحظ أن عدد حالات الرفض أكبر من عدد الطلبات الجديدة منذ 2015.
وتوافق إليزبيت غيلد، الخبيرة في القانون الأوروبي للهجرة، المهدي عليوة الرأي. وترى أن "حجة القنصليات واهية. فكل البلدان الأعضاء في فضاء شينغن تخضع للقانون الأوروبي نفسه، أي: قانون الفيزا. ووجود هذه الاختلافات الكبيرة في معالجة الملفات بين قنصليات البلدان الأوروبية يظهر أن هناك مشكلا وأن الجميع لا يطبقون نفس القواعد".
وتوضح غيلد - في الدراسة التي ألفت بالتعاون مع ديديي بيغو وتحمل عنوان "شينغن وسياسة التأشيرة" والمنشورة في مجلة "Cultures et conflits"- أن "(...) التعاون القنصلي المحلي يميل إلى إحداث معايير محددة للفصل بين من يستحق الفيزا ومن لا يستحقها. وبالتالي يمكننا هنا التساؤل عن مدى صحة البيانات المتبادلة وإجراءات المراقبة المعتمدة للتحقق من المعلومات الرائجة".
فهل زادت بعض القنصليات في تشديد إجراءات الحصول على الفيزا؟
هذا امر واضح بالنسبة إلى المهدي عليوة. "هذا أمر جلي منذ انتخاب ماكرون. فالرئيس الفرنسي يدعو إلى اعتماد هجرة انتقائية، سيرا على نهج نيكولا ساركوزي. لا شك أنها مسألة اجتماعية، ولكنها عرقية كذلك. وهذا الأمر بدا واضحا لما اقترحت الحكومة الفرنسية فرض الأداء على المهاجرين القادمين من المستعمرات السابقة والراغبين في الدراسة الجامعية بفرنسا، بينما تم إعفاء الآخرين، مثل القادمين من البرازيل أو الصين(...)".
وسيلة للابتزاز
يرى المهدي الرايس، وهو دكتور في القانون العام والعلوم السياسية، متخصص في العلاقات الدولية، أن التأشيرة وسيلة ابتزاز يوظفها الاتحاد الأوروبي ليفرض على البلدان الأخرى تصوره للهجرة ويجبرها على استقبال مواطنيها من المهاجرين غير النظاميين الذين تطردهم البلدان الأوروبية. يقول "منذ عدة سنوات، وظف الاتحاد الأوروبي تقليص عدد التأشيرة الممنوحة كأداة للضغط على المغرب ودفعه إلى التوقيع على الاتفاق الخاص بقبول المهاجرين غير الشرعيين المطرودين من أوروبا"(...)
عن "تيل كيل" بتصرف