استأنفت الحكومة، اليوم الجمعة، جولة حاسمة من المفاوضات مع الشركاء الاجتماعيين، حول مشروع القانون التنظيمي المتعلق بممارسة الحق في الإضراب؛ حيث استقبل وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، ممثلي المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا (الاتحاد المغربي للشغل (UMT)، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب (UGTM)، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT)، بالإضافة إلى ممثلين عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM)، والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية).
ومن المنتظر أن تستمر هذه المفاوضات، بشكل حثيث، حتى التوصل إلى توافق نهائي يتم بعده الرجوع إلى اللجنة البرلمانية في مجلس النواب، لاستكمال المناقشة التفصيلية، واعتماد صيغة متوافق عليها للقانون، وهو مطلب أكدت عليه جميع الفرق البرلمانية، خلال مناقشته، في يوليوز الماضي.
وعقب اللقاء، أكد السكوري، في تصريحات صحفية، أن الحكومة "لن تمرر قانونا يكبل الحق في الإضراب"، معتبرا أنها أبانت عن "مرونة كبيرة في قبول اقتراحات الفرقاء الاجتماعيين، بخصوص مشروع القانون"، وأن "المفاوضات معهم، خلال الشهور الماضية، مكنت من إحراز تقدم كبير في عدد من المواضيع الأساسية المتعلقة به".
وتابع المسؤول الحكومي أن "الاجتماعات التشاورية ذات الصلة ستمكن من مناقشة عدد من المواضيع الأساسية المتعلقة بالمرجعية الدستورية لمشروع القانون، والمقاربة الحقوقية واحترام حقوق المضربين".
وأضاف السكوري أن "مفاوضات مهمة جدا جارية من أجل تحديد الحد الأدنى للخدمة، وكيفية ممارسة عدد من الاختصاصات ذات العلاقة بممارسة الإضراب"؛ حيث أكد، في هذا الصدد، أن "الحكومة تأخذ بعين الاعتبار آراء المؤسسات الاستشارية، لاسيما المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي"، الذي تمت إحالة مشروع القانون عليه، استجابة لطلبات تقدم بها كل من الفريق النيابي للتقدم والاشتراكية، والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية.
وينصب النقاش، على الخصوص، حول "تعريف الإضراب"؛ بحيث أبدت الحكومة مرونة كبيرة في التجاوب مع مطالب النقابات بعدم تكبيل حق الإضراب، ومنع أنواع مختلفة من الإضراب؛ كالإضراب السياسي والتضامني، و"الجهة الداعية للإضراب"؛ حيث من المتوقع ألا تكون النسخة الجديدة من القانون تحصر ممارسة هذا الحق على بعض الجهات دون غيرها، استجابة للمطالب النقابية والحقوقية في هذا المجال"، بالإضافة إلى "آجال ومسطرة الإضراب"؛ وهي المواضيع التي استأثرت بوقت كبير في المفاوضات؛ إذ يتجه الفرقاء إلى تقليصها، بشكل كبير، حتى يمكن للإضراب أن يحقق أهدافه، كما أن حماية حقوق المضربين أضحت في صلب المواد المقترحة، لاسيما منع طرد العمال المضربين، أو اتخاذ إجراءات تمييزية في حقهم، بمناسبة ممارسة هذا الحق"، فضلا عن "تقريب وجهات النظر"، والذي شمل، أيضا، إقرار حرية العمل للعمال غير المضربين كحق أساسي يوازي حق ممارسة الإضراب.
يشار إلى أنه استنادا إلى أحكام دستور المملكة لسنة 2011، وخصوصا الفصلين 29 و86، تم إعداد مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15، الذي يحدد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب.
وتمت إحالة مشروع القانون على مجلس النواب، بتاريخ 6 أكتوبر 2016، من طرف الحكومة السابقة، إلا أن مناقشته لم تُبرمج في حينها، نظرا لأن الدستور يلزم بإيداع جميع مشاريع القوانين التنظيمية في البرلمان، قبل نهاية الولاية التشريعية الأولى 2011-2016.
وفي هذا السياق، وباعتبار مشروع هذا القانون التنظيمي استكمالا لتنزيل دستور 2011، ونظرا لأهميته الاجتماعية والمجتمعية الكبرى، ونظرا لإجماع المركزيات النقابية على رفض المشروع المودع سنة 2016 لدى مجلس النواب، تم الاتفاق على النقاش حوله ضمن منظومة الحوار الاجتماعي التي أطلقت ديناميتها الحكومة الحالية، منذ سنتها الأولى، والتي توجت باتفاقين اجتماعيين 2022 و2024.
وهكذا، أكد الشركاء الاجتماعيون، في إطار اتفاق 29 أبريل 2024، فيما يخص القانون التنظيمي للإضراب، على مبادئ أساسية تتمثل في ضمان انسجام مشروع القانون التنظيمي مع أحكام الدستور والتشريعات الدولية المتعلقة بممارسة حق الإضراب، وتأطير ممارسة حق الإضراب في القطاعين العام والخاص، بما يضمن التوازن بين ممارسة هذا الحق الدستوري وحرية العمل، وتدقيق المفاهيم المتعلقة بممارسة حق الإضراب، بالإضافة إلى ضبط المرافق التي تتطلب توفير حد أدنى من الخدمة خلال مدة الإضراب، نظرا لطبيعتها الحيوية، وتعزيز آليات الحوار والتصالح والمفاوضة لحل نزاعات الشغل الجماعية.
وتعد هذه الدينامية رافعة أساسية للعدالة الاجتماعية، وتمثل تقدما كبيرا نحو توطيد السلم الاجتماعي كشرط أساسي للنهوض الاقتصادي.
وعرف المغرب، في السنوات الأخيرة، ارتفاعا ملحوظا في عدد الإضرابات؛ مما يعكس الحاجة إلى بناء ترسانة قانونية كفيلة بتنظيم ممارسة هذا الحق الدستوري.
وتم عقد ما يقارب 65 اجتماعا مع الفرقاء الاجتماعيين، وممثلي القطاعات الوزارية المعنية، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، بالإضافة إلى عدة اجتماعات مع الوزراء والأمناء العامين للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلا، ورؤساء الاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية.
وأسفرت هذه الاجتماعات، التي استمرت لمدة 20 شهرا، عن تقريب وجهات النظر بين الشركاء الاجتماعيين حول قضايا جوهرية وإجراءات مسطرية تهم موضوع الإضراب؛ منها على الخصوص تعزيز ممارسة الحريات النقابية، عبر إقرار حق الإضراب، باعتباره حقا إنسانيا ودستوريا، وصون حقوق المضربين وغير المضربين في ارتباط مع ممارسة حق الإضراب، فضلا عن إقرار وتكريس حرية العمل بالموازاة مع حق ممارسة الإضراب، وتحقيق التوازن بين هاته الممارسة وتحقيق المصلحة العامة.
وبهذا، استمرت الحكومة في التفاوض ضمن مؤسسة الحوار الاجتماعي، سواء قبل أو بعد تقديم مشروع القانون التنظيمي أمام اللجنة البرلمانية المختصة، تنفيذا للتوجيهات الملكية المتضمنة في الخطاب الخاص بافتتاح الدورة البرلمانية، في 9 أكتوبر 2015.
وتم البدء في المسطرة التشريعية عبر برمجة تقديم مشروع القانون التنظيمي، يوم 16 يوليوز، ثم المناقشة العامة، يوم 18 يوليوز، وذلك باتفاق مع الشركاء الاجتماعيين في اللجنة البرلمانية المختصة بمجلس النواب.
بالتوازي مع ذلك، وفي إطار توسيع المشاورات وإشراك المؤسسات الدستورية، طلب رئيس مجلس النواب إبداء الرأي حول مشروع القانون التنظيمي المودع سابقا بالبرلمان. وفي هذا الإطار، عقدت اللجنة الدائمة المكلفة بالقضايا الاجتماعية والتضامن بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي جلسة إنصات، استمعت خلالها إلى السكوري، يوم 23 غشت 2024، لتقديم نبذة في الموضوع.