غرقت مدينة جرادة، طيلة صباح اليوم (الثلاثاء)، في هدوء وركود تامين، لا يكسرهما سوى هدير بعض السيارات المحسوبة على رؤوس الأصابع، وحفيف الأشجار، في انتظار حلول الساعة الثانية بعد الزوال، التي يرتقب أن تشهد جمعا عاما شعبيا، أمام مقر الجماعة، للحسم في مقترح فرز لجنة متابعة للانتفاضة، واعتماد مشروع ملف مطلبي رسمي.
ويأتي ذلك في وقت انتهى فيه اجتماع لقادة الاتحادات والفروع المحلية لنقابات أبرزها، الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية والفدرالية الديمقراطتين للشغل، وحزب النهج الديمقراطي، وأحزاب فدرالية اليسار الديمقراطي، إلى إعلان إضراب عام بالمدينة، الجمعة المقبل، حسب ما كشفه محمد الوالي، النقابي وعضو المكتب الجهوي للشرق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في لقاء مع موفد "تيلكيل - عربي".
المتحدث ذاته، كشف في لقاء مع "تيل كيل"، قبل ذهابه إلى الاجتماع المذكور، أن الجمع العام الجماهيري الذي دعا إليه النشطاء، في الساعة الثانية بعد الزوال، من المرجح أن يفرز لجنة متابعة للانتفاضة التي اندلعت بجرادة، منذ الخميس الماضي، على خلفية دينامية احتجاجية ضد غلاء فواتير الماء والكهرباء، وما أعقبها من وفاة عاملين في قطاع التنقيب التقليدي عن الفحم.
ولم يخف المتحدث ذاته، خلال اللقاء الذي حضره أيضا عبد الإله العرش، عن الحزب الاشتراكي الموحد العضو في فدرالية اليسار الديمقراطي، ومصطفى السلواني، عن الاتحاد المغربي للشغل والشبيبة العاملة، أن معالم الملف المطلبي المرتقب أن يحسم في مضمونه سكان جرادة، يتمحور حول ثلاث مطالب جامعة.
ويتمثل المطلب الرئيسي الأول، وفق محمد الوالي، الناشط أيضا في حزب النهج الديمقراطي، في ملف فواتير الماء والكهرباء، من قبيل الدفع بإلغاء الفواتير، وإقرار صيغة تفضيلية لفائدة المنطقة التي تغرق في فقر مذقع، ونسبة بطالة تتجاوز 32 %، بوصف ذلك، تعويضا رمزيا ومؤقتا عن أضرار المحطة الحرارية لجرادة (التلوث، الأمراض الصدرية والتنفسية...)، التي تنتج 7 % على الأقل من الإنتاج الوطني من الكهرباء.
المطلب الرئيسي الثاني في مشروع الملف المطلبي المرتقب الإعلان عنه، هو قضية "البديل الاقتصادي" في المنطقة، وهو مطلب قديم ويرتبط بالاتفاقية الاقتصادية والاجتماعية التي وقعت بين الحكومة والنقابات في 1998، إثر الأزمة الاجتماعية المتعلقة بتصفية شركة مفاحم المغرب، وإغلاقها وتسريح العمال.
ذلك أن النشطاء يقتنعون بأن عدم تفعيل بنود الاتفاقية المذكورة، هو السبب في كثير من مشاكل المدينة، إذ بسبب عدم إحداث البديل الاقتصادي، ارتفعت نسبة البطالة، وانتعش التنقيب التقليدي عن الفحم، الذي يسبب اليوم المآسي، وغرفت المدينة في ركود كبير، وانخفض حتى عدد السكان المستقرين بها.
ثالث أهم محور في الملف المطلبي المرتقب الإعلان عنه، اليوم (الثلاثاء)، يحمل، وفق المصدر ذاته، عنوان المحاسبة وترتيب المسؤوليات، مع جبر الضرر الجماعي والفردي، في علاقته بنشاط التنقيب والاستغلال التقليدي للفحم بالمنطقة، والذي تحول منذ 2001، إلى "ريع"، تستفيد من رخصه "ثلاث عائلات، تعد حاليا النافذة سياسيا وانتخابيا بالمنطقة".
ذلك أن أصحاب الرخص، وفق تصريحات النشطاء والنقابيين، لا يلتزمون بدفتر التحملات المفروض، وعوض تشغيل العاملين في استخراج الفحم وهيكلة نشاطهم، والاستغلال باعتماد استثمارات فعلية، صاروا مجرد مضاربين في الفحم، إذ يقتنون الكميات المستخرجة بأسعار بخسة من العاملين في القطاع غير المهيكل، ويحتكرون تسويقه لدى جهات خاصة وعمومية بأضعاف سعره، بوصفهم أصحاب رخص الاستغلال الحصري للفحم.
وفيما أضاف النقابيون والنشطاء السياسيون الذين التقاهم "تيلكيل - عربي"، أن المطالب الثلاث المذكورة تظل مجرد معالم رئيسية للملف المطلبي، قالوا إن الهم الرئيسي أيضا للدينامية الاحتجاحية التي يعرفها الإقليم، الحفاظ على استقلاليتها، واستمرار زخمها، مع الحرص على عدم السقوط في أخطاء "حراك" الريف، وتفادي الجوانب السلبية والسيئة في مآله.