أفرج المحلس الأعلى للحسابات، اليوم (الاثنين)، عن تقرير جديد خصصه للوظيفة العمومية في المغرب، وآفاقها، فلم يتردد في كشف اختلالات تتعلق بالتوزيع الجغرافي، مذكرا بقضية الارتفاع الكبير لكتلة الأجور مقارنة بقدرات الدولة وبالبلدان المجاورة، مشيرا، في إشارة إلى احتجاحات حركة 20 فبراير 2011 وشراء الدولة للسلم الاجتماعي بالتوظيف والزيادات في الأجور، إلى مساهمة أحداث استثنائية في التضخم المشار إليه.
قبل أن يتعرض المجلس الأعلى للحسابات إلى الآفاق المستقبلية بخصوص وضعية الوظيفة العمومية وضخامة كتلة أجورها في علاقتها بالأداء الاقتصادي للدولة، وقف عند معطيات رقمية حول الوظيفة العمومية، ورصد اختلالاتها، فقال إن عدد العاملين بالقطاع العام في 2016، قارب 860 ألف و253 موظفا، بينهم 583 ألف و71 موظفا مدنيا، مقابل 147 ألف و637 بالجماعات الترابية، في حين يوجد 129 ألف و545 بالمؤسسات العمومية.
اختلالات في الانتشار
بالنسبة إلى المجلس الأعلى للحسابات، يشهد انتشار الموظفين العموميين اختلالات من حيث التوزيع الجغرافي، والتركز داخل القطاعات الوزارية، في وقت يستدعي فيه انتشار الموظفين، من أجل وضع سليم، استحضار "المعطيات الاقتصادية والديموغرافية لكل جهة، وحاجياتها الموضوعية".
وجاء ذلك، بعدما رصد التقرير أنه إذا كان عدد الموظفين يظل غير مرتفع مقارنة بالعدد الإجمالي للسكان، بمعدل وطني قدره 17.2 موظف لكل 1000 نسمة، فإن بعض الجهات تعرف وجود عدد كبير من الموظفين، يعد مرتفعا نسبيا.
وأضاف المجلس، أنه باستثناء جهة الرباط، التي يوجد بها، بحكم أنها العاصمة الإدارية، 27.8 موظفين لكل 1000 نسمة، فإن جهة درعة تافيلالت، تسجل ما يفوق 18.3 موظفين لكل 1000 نسمة، مقابل 13.5 موظفين بجهة مراكش أسفي.
ولم يخف التقرير أن الأقاليم الجنوبية للمغرب (الصحراء)، تعرف أكبر نصيب من الموظفين لكل 1000 نسبة، فيصل المعدل بالنسبة إلى العيون الساقية الحمراء 37.7 موظفين، و26.7 موظفين في الداخلة وادي الذهب.
في ما يتعلق بالانتشار في القطاعات الوزارية، سجل التقرير ذاته، أنه خلال 2016، تركزت أعداد الموظفين المدنيين داخل عدد محدود من القطاعات الوزارية، فاستحوذت أربع وزارات على نسبة 82.5 % منهم، وهي التربية الوطنية في المقدمة بنسبة 49.4 في %، متبوعة بالصحة (%20.5)، والداخلية (8.4 %)، ثم التعليم العالي (4.2%).
تضخم كتلة الأجور
على مستوى الميزانية، كشف المجلس ذاته، أن الاعتمادات المالية المخصصة للأجور، بلغت في 2016، أكثر من 120 مليار درهم، 59 % من المبلغ تتركز بثلاث قطاعات وزارية، هي التربية الوطنية (35.5 % ) والداخلية (15.2 %) والصحة(7.1 %)، دون أن يعني ذلك أن تلك الوزارات تشهد ارتفاعا في كتلة الأجور، إذ تتركز أعلى الأجور وكتلتها في قطاعات بعدد موظفين أقل، وهي التعليم العالي، والعدل، والماليةد والشؤون الخارجيةد بمجموع 12.7 % من الكتلة.
وفيما تتوزع نسبة 28.6 % من كتلة الأجور، على باقي القطاعات والإدارات العمومية، كشف التقرير أن كتلة الأجور شهدت أقوى ارتفاعاتها منذ 2008، إذ بعدما كانت الأجور تكلف الدولة في 2008 مبلغا قدره 75.4 مليار درهم، بلغت في 2016 عتبة 120 مليار درهم، بسبب "قرارات استثنائية وفي ظروف استثنائية"، للزيادة في الأجور سنوات 2009 و2011 و2012 و2014.
وانتقد المجلس الأعلى للحسابات تلك الزيادات، إذ كانت أسرع من نمو الناتج الداخلي الخام، سيما أن نسبة كتلة الأجور بالمغرب في ذلك الناتج، مرتفعة مقارنة بدول المنطقة، إذ وصلت في المغرب خلال إلى 11.84 % من الناتج الداخلي الخام، مقابل 7.2 في مصر، و12.7 % في تونس، هي التي تقل في دول أوربية إلى أقل من 10 % من نسبة الناتج الداخلي الخام، من قبيل فرنسا حيث تستقر في 9.4 % من نسبة الناتج الداخلي الخام.
وتقود معطيات الأجور وأرقام الوظيفة في المغرب، في نظر المجلس الأعلى للحسابات، المرؤوس من قبل إدريس جطو، الوزير الأول في فترة 2002-2007، إلى خلاصة أن "الوظيفة العمومية في المغرب تفوق القدرات الاقتصادية للدولة"، مؤكدا أن كتلتها ستواصل ارتفاعها إلى غاية 2019-2021، بفضل الإجراءات المتخءة للتحكم في الأجور، بشرط تطبيقها بصرامة، وفي حالة لم تقع أحداث استثنائية، تستدعي توظيفات بأعداد كبيرة، "كما حدث في 2011".