جيلالي فرحاتي لـ"تيل كيل عربي":السينمائي ينتظر اعترافات السياسي وتعريته لأسراره

غسان الكشوري

يعتبر الجيلالي فرحاتي من الجيل الثاني للمخرجين المغاربة  بعد جيل الرواد: محمد عصفور والمعنوني والركاب. وتتميز مسيرة فرحاتي (من مواليد 1948) التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، بأفلام لا تزال محفورة في ذاكرة عشاق السينما، منها: "عرائس من قصب " (1981)، "شاطئ الأطفال الضائعين" (1991)، "ذاكرة معتقلة" (2004)، "سرير الأسرار" (2014).. وغيرها من الأفلام التي حصدت جوائز وطنية ودولية.

على هامش الدورة 19 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وبمناسبة الاحتفال بـ60 سنة من السينما المغربية، التقى "تيل كيل عربي" بالمخرج جيلالي فرحاتي ابن المدينة العالية، ودار الحديث حول أعطاب السينما بالمغرب، وحول علاقتها بالسياسة والأدب والدعم المالي.

كيف يقيم جيلالي فرحاتي تجربة السينما المغربية لمدة 60 سنة ؟

بغض النظر عن 60 او 40 سنة او أيا كانت، يجب أن ندقق في حديثنا؛ فنحن نصف الوضع السينمائي ونتكلم عن السينما في المغرب وليس السينما المغربية. وما يمكن ان يشجعنا ونتكلم عن السينما المغربية هو الانطلاق من الأفراد الذي حملوا مشعل صناعة السينما. أي المبدعين والمناضلين الأوائل، الذين عاشوا في وقت لم يكن حينها يقدم الدعم المالي الذي ساهم في إضعاف الابداع أكثر.

60 سنة، تعني أسماء بارزة؛ كمحمد عصفور وأحمد البوعناني الذي خلق بفيلمه "السراب" مدرسة سينمائية اشتغلت في الخفاء وبأسلوب متميز. بالإضافة إلى سلسلة من المبدعين كمحمد الركاب ومن جاء بعدهم، لتترسخ عنوانين أفلامهم وتفرض وجودها إلى الآن.

إذن السينما المغربية بنيت على أشخاص وليست بفضل مؤسسات أو تفكير جماعي ؟

نعم بنيت على أشخاص وليس على فلسفة عامة، كأمريكا وفرنسا او ايطاليا التي شهدت مدارس وصناعة سينمائية على شكل مجموعات إبداعية. في المغرب لا يمكن ان نتحدث عن الموجة الجديدة من صناع السينما، على غرار مثيلنا مصر التي شهدتها.

يمكن القول أننا كنا في مرحلة انتقالية استفاد فيه الجيل الثاني ممن سبقه، لكن عندما دخل الدعم المالي إلى الصناعة السينمائية تغيرت الأمور. هذا الأمر إيجابي من ناحية، لكنه أضعف من قيمة الابداع في السينما، إذ وقعت حسابات وحساسيات جراء عملية تقديم الدعم.

اقرأ أيضاً: مليون و600 ألف مشاهد فقط زاروا القاعات السينمائية خلال عام

الأجيال التي سبقت كان دعمها المعنوي هو النضال، كسينما الدرقاوي أو الركاب.. السينما كانت مبنية على الفن وحب الاستطلاع والثقافة، بالاضافة إلى الانسجام الكبير الذي كان بينهم. الآن غابت هذه الأشياء وأصبحت نادرة، بل بلغت ذروة الانحطاط، حتى أضحى يقول بعضهم إنه هو المخرج المنتظر.

لكن مع ذلك شهدت السينما تقدما على مستوى الأسلوب ؟

ربما لأن المدارس  السينمائية انتشرت وتكاثرت، وأصبح الاستلهام والتأثر بمخرجين عالمين ذو فاعلية. السينمائيين المغاربة منهم من تأثر مثلا بـ"لارس فون ترير" (المخرج الدنماركي)، أو "تارانتينو" (المخرج الأمريكي).. وهكذا بكثرة وتنوع النماذج.

عندما نستحضر الماضي، نجد أن المخرجين الاوائل في المغرب، اعتمدوا في أسلوبهم على السينما الصامتة في العالم، مما أكسبهم قاعدة قوية، بخلاف من جاءوا بعد ذلك.

كيف تؤثر الأفلام العالمية في صناعة الفيلم المغربي؟

ما أراه أنه ليس من الضروري أن نصنع فيلما مغربي بأسلوب أمريكي. فصناعة فيلم مغربي بشخصية مغربية يمكن أن يوصلنا بسرعة إلى العالمية. في السينما نتكلم بلغة العاطفة والشاعرية.. وهي أشياء ليست لها جنسية.

نحن لا نصنع فيلما مغربيا، نحن نصنع السينما، وعند اختيار الأسلوب لمعالجة المواضيع، فلا وجود مثلا للعلم الوطني أو الانتماء، الهم الإنساني هو الأساس.

اقرأ أيضاً: فوزي بنسعيدي يحصد جوائز المهرجان الوطني للفيلم بطنجة

كيف تعالج السينما ماضي وذاكرة المغرب، وبعض الأحداث السياسية؟

سحر السينما يخولك أن تلمس الأشياء بشكل مغاير، أي أن نتحدث عن السياسة دون أن نحدد الأحداث السياسية. يمكن أن أتحدث عن سنوات الرصاص بحكمة سينمائية، دون أن أقصدها بشكل مباشر (كما في فيلم ذاكرة معتقلة).

السينما تحتاج إلى خلفية غير محدودة، أي إلى أبعاد يرتكز عليها المخرج. والاطار الذي نشاهده أمامنا، أي شاشة السينما يحمل قراءات متعددة وعميقة. وبالتالي فالمتلقي والمشاهد يجب ان يجد هذه الرؤية العميقة في أحد تلك الأبعاد.

من جهة أخرى، السينما كلما تحدثت أكثر كلما فقدت قوتها في الصورة. وكلما اعتمد الفيلم على تكثيف الحوار كلما فقدت الصورة خطابها. يمكن أن ألخص ما أقصده هنا بأن: الحوار في الأفلام يستعمل كسترة نجاة خوفا من الغرق.

ماذا عن تحويل مذكرات السياسيين إلى أفلام سينمائية مثلا؟

هذا يتعلق بالقدرة على الاقتباس مما هو مكتوب، فمعظم السينمائيين للأسف، لا تجد في منازلهم مكتبة، بل تجد أشرطة وأفلاما فقط. السينمائي لا يقرأ الكتب ويكتفي بالمشاهدة فقط، وهذا غير مجدي. المخرج يستطيع الاعتماد على الكتاب وتكوين رصيد فكري، ولا يستطيع الاكتفاء بالمشاهدة، وذلك لكون الفليم هو عمل مقتبس وفي صيغة نهائية.

أما بخصوص المذكرات، فأظن أن المناضلين والذين ضحوا من أجل هذا البلد لم يكتب منهم إلا القليل، لذا لم يحن الوقت لتحويل كل شيء إلى فيلم. واليوسفي مثلا عبر مسيرته الطويلة، لم يكتب ما عاشه قبل سنوات. وبالتالي قس على ذلك غيره.

لا يمكن للسينمائي أن يعري على فترات أو أن يركز عما عاشته شخصيات سياسية، دون أن يكشف عنها أصحابها أنفسهم.

اقرأ أيضاً: "كيليكيس".. فيلم "يفضح" الاعتقال السري بالمغرب ويبشر بالربيع

ما الذي لا يزال جيلالي فرحاتي يتعلمه؟

لا تزال رغبتي في أن أصنع أفلاما، وأريد أن أتعلم أكثر. ما يستهويني هو حب الاستطلاع وأن أكتشف. وما قمت به غير كاف، إذ لو كانت لي القدرة لأعدت إخراج بعض أفلامي، لأني أكتشف فيهم الآن أشياء مغايرة تظهر لي كلما تقدمت في العمر ونضجت أكثر.

السينمائي له غيرة غلى أفلامه ويراها بعين مختلفة عما يراها الآخرون. وأظن أن هذا ما يمنح الإنسان المبدع مجالا أوسع ليتقدم بشكل أفضل.