اعتبرت سارة سوجار، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أن "تحليل حادثة الفنيدق مركب ومعقد؛ ما يستدعي استحضار العديد من العناصر السياقية".
وأوضحت سوجار أن "أول عنصر يتمثل في الوضعية الاجتماعية والاقتصادية المزرية التي يعيشها الأطفال الذين قرروا أن يهاجروا بهذه الطريقة الانتحارية. إنهم يعيشون اللامساواة الاجتماعية، وهذا ليس بالأمر الجديد، أو شيئا نقوله من أجل المزايدات، بل هي حقيقة سبق وأكدتها تقارير رسمية. أما العنصر الثاني؛ فهو أن الحدث مرتبط، أيضا، بإغلاق المعبر الحدودي، الذي حرم الناس من فرص اقتصادية كثيرة؛ ما يجعلنا نتذكر حادثة عام 2021. كل هذه السياقات متواترة، ماشي سقطت الطائرة وخرجوا هاد الناس. فالحادثة هي الثانية من نوعها، رغم اختلاف أسبابها وظروفها، سواء من حيث المنطقة، أو الشريحة العمرية، أو الطريقة (دعوات إلى محاولة المرور إلى الضفة الأخرى)".
وتابعت المتحدثة نفسها أن "العنصر الثالث هو طريقة تدبير ملف الهجرة. الرأي العام كله تابع كيف كانت هناك ممارسات وتنقيلات قسرية وخروقات واعتقالات تعسفية وعنف. لا شيء جديد في ملف الهجرة. لنا سوابق في ذلك؛ فالدولة دائما ما تتعامل مع من يحاول الهجرة في المنطقة الحدودية بهذا الشكل. إنها ممارسات غير قانونية. لا يتضمن القانون شيئا اسمه التنقيل القسري من منطقة حدودية إلى المدن الداخلية. إنها انتهاكات حقوقية".
وقالت سوجار إنه "باستحضار كل هذه العناصر، يعتبر ما وقع في الفنيدق أمرا غير معزول على سياق السياسات وتدبير ملف الهجرة والرهانات بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي. تكفينا ردة الفعل الإسبانية السريعة، التي حيت المغرب على مجهوداته في إحباط محاولة الهجرة الجماعية ليوم 15 شتنبر. إنها تثبت أن تدبير ملف واقعة الفنيدق ليس فقط مسألة تخص الحدود المغربية، وإنما تخص الحدود الإسبانية، أيضا".
واعتبرت الناشطة الحقوقية أنه "يجب، أولا، الوقوف وقفة صارمة، والكف عن القول، في لحظات الطوارئ، إنه يمكن شرعنة انتهاك حقوق الإنسان. من حق الدولة الدفاع عن حدودها، مثلها مثل بقية دول العالم، لكن ليس على حساب حقوق الإنسان. كما يجب على المسؤولين أن يتحملوا مسؤوليتهم عن الصور والفيديوهات التي تروج، ويخرجوا للرد والتوضيح. نحن نتكلم عن أطفال المغاربة، وعن صور وفيديوهات توثق للتعنيف والتعذيب وإهانة الكرامة. الصمت عن كل هذا أمر مريب".
وأضافت: "كما يجب على المسؤولين السياسيين أن يتحملوا مسؤوليتهم، أيضا، لم يعد هناك ما يبرر صمت أي أحد؛ سواء تعلق الأمر بالأحزاب السياسية، أو بالجمعيات الحقوقية، أو بالمجتمع المدني، أو بالمثقفين، أو بوسائل الإعلام. ما وصلنا إليه كارثي. هادشي ما فيهش صورة المغرب، هادشي فيه كرامة الأطفال، هادشي فيه آدمية البشر. يجب أن تكون هناك صرامة حقوقية، قولا وفعلا".
وعن الطريقة الأنسب التي كان يجب التعامل بها مع الأمر، ردت سوجار: "كانت هناك دعوات في مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعني الرد عليها بمنطق وقائي حمائي. لكننا في المغرب دائما ما نتعامل بالمنطق الزجري في تدبير الملفات والأزمات، ودائما ما يكون النظام العام مبررا لانتهاك حقوق الإنسان. إنهم أطفال، والكل مسؤول عن حمايتهم، سواء الأسرة، أو الفاعلين، أو رجال الأمن. ليس هناك أي مبرر للتعامل معهم بهذه الطريقة".
وتابعت: "لا يمكنني أن أعطي دروسا لرجال الأمن. لكننا كحقوقيين، نذكرهم بأن حتى في لحظات الأزمة وتدبير الكوارث، يجب استحضار آدمية وكرامة البشر. وألفت هنا إلى أننا لم نتأكد بعد من حقيقة الصور والفيديوهات التي روج لها. وفي حال ما إذا كانت حقيقية، فنحن أمام كارثة".
واعتبرت المتحدثة نفسها أن "تدبير مثل هذه الأزمات يستلزم استحضار واحترام حقوق الإنسان، كما يسلتزم تحمل المسؤولية من طرف الجميع ومساءلة جميع الفاعلين، ابتداء من سياسات التفقير واللامساواة والتهميش إلى كيف يمكن أن يتوجه طفل إلى منطقة حدودية بكل أخطارها، على مرأى ومسمع من الجميع، دون أن يكون هناك أي تدخل قبلي".
كما دعت سوجار إلى "فتح تحقيق في كل ما جرى، وتحديد المسؤوليات؛ بحيث لا يجب أن يكون القرار شكليا، كالقرارات السابقة، من أجل احتواء الرأي العام، وإنما من أجل المحاسبة كي لا يتكرر ما حدث. نحن نتحدث عن أطفال الوطن، مستقبل الوطن؛ أي كرامة الوطن، ولسنا أمام مزايدات في الوطنية، أو أمام من يحب رجال الأمن أو من يكرههم".