بقلم: رامي المنار اسليمي - باحث في الدراسات الأمنية بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط - خريج جامعة الأخوين
أدت عملية إسقاط إحدى الطائرات المسيرة المالية من طرف ما سمته الجزائر في بيان لوزارة خارجيتها بقوات الدفاع الجوي عن الإقليم إلى اندلاع أزمة جديدة بين تحالف دول الساحل من ناحية و الجزائر من ناحية أخرى، ولكن ما يثير التساؤلات هو الإتهامات المالية التي باتت تعتبر أن دولة الجزائر هي الحاضنة الأولى للجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل الإفريقي، حيث أن مالي تشير اليوم إلى الجزائر باعتبارها المحرك الرئيسي لهاته الجماعات والفاعل الأول المسبب لأزمة انعدام الأمن بمنطقة شمال مالي والساحل عامة.
فهم خلفية رئيس حكومة الانتقالية المالية في تفجير ملف علاقة الجزائر بالإرهاب
عندما يتحدث الجنرال اسيمي غويتا رئيس الحكومة الانتقالية عن خطر الارهاب, ودور الجزائر في انعدام الإستقرار في المنطقة، فإنه يتحدث استنادا لخلفيته العسكرية السابقة كضابط عمليات خاصة، حارب وقاد مجموعة من قوات النخبة المالية خلال مختلف فترات الحرب المالية التي خاضتها الدولة ضد الجماعات الإرهابية والإنفصالية، بداية من 2012 إلى حدود 2018.
وعليه فإننا إذن أمام قائد عسكري متمرس يعي جيدا الوضع في شمال مالي و جنوب الجزائر، ويعي أيضا طبيعة العلاقات الجزائرية الأزوادية، والعلاقات الجزائرية مع جماعة نصرة الاسلام و المسلمين.
تنظيمات إرهابية ذات نشأة جزائرية بقيادات من جنسية جزائرية
التنظيم المهيمن على منطقة الساحل والصحراء هو التنظيم الذي يعرف اختصارا بجنيم أو جماعة نصرة الإسلام و المسلمين، كما هو معلوم فإن تنظيم جنيم هو النسخة المحدثة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي كان إلى حدود لحظة اغتيال قائده الجزائري المنتمي لولاية البليدة عبد المالك دروكدال تنظيما ذو أغلبية جزائرية و ذو قيادة جزائرية خالصة.
بعد التوصل إلى اتفاق بين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وخمسة تنظيمات جهادية إضافية تم إنشاء تحالف عرف بإسم جماعة نصرة الاسلام والمسلمين سنة 2017، وبذلك تم إنشاء تنظيم جديد يضم كتائب جهادية عديدة ككتيبة المرابطين التي اسسها مختار بلمختار الجزائري الأصل.
إن علاقة الجزائر بهاته القيادات السابق ذكرها تم الكشف عنه في تسريبات ويكيليكس الخاصة ببريد هيلاري كلنتون الذي يذكر في إحدى المراسلات المسربة تواصل الجزائر عبر مخابراتها مع مختار بلمختار وحثه على توجيه ضربات عسكرية في شمال مالي وموريتانيا والأقاليم الجنوبية للمغرب في محاولة لزعزعة استقرار الإقليم بكامله.
ونجد أيضا من ضمن القيادات الجهادية في منطقة الساحل عبد الرزاق الملقب بعبد الرزاق البارا، الضابط السابق في قوات المظليين الخاصة بالجيش الوطني الشعبي الجزائري، والذي ظهر كقائد لتنظيم إرهابي قبل أن يعود الى الجزائر ليختفي بعدها الى حدود اليوم، بالإضافة لعدنان أبو الوليد الصحراوي أحد أهم امراء تنظيم داعش في منطقة الساحل والذي ينتمي لتنظيم البوليساريو في مخيمات تندوف.
ومن ضمن أهم القيادات التي تسيطر عليها وتوجهها المخابرات العسكرية الجزائرية القيادي الحالي لجماعة نصرة الاسلام والمسلمين اياد اغ غالي المتزوج من جزائرية والقاطنة جنوب الجزائر تحت مراقبة الدرك والجيش الجزائريين معية مجموعة من أبنائه الذين يلتقون به بشكل منتظم بتنسيق استخباراتي جزائري.
إن تحفظ الجزائر على زوجة اياد اغ غالي الثانية وأبنائه يضمن للجزائر ولاء أعمى من طرف زعيم جماعة نصرة الاسلام والمسلمين اتجاه النظام العسكري الجزائري.
اما بالنسبة للحدود فقد ثبت أن الجزائر توفر قواعد دعم وإسناد للحركات الإرهابية بالمنطقة، خصوصا عن طريق حشد أقليات الطوارق المتواجدين فوق أراضي الجزائر كجنود وكتائب إسناد، وكذا توفير غطاء جوي لهاته الجماعات عن طريق تحييد أي طائرة مالية تقترب من منطقة شمال مالي بهدف الإستطلاع أو القصف، عن طريق استعمال صواريخ الجو ـ جو التي تحصلت عليها مؤخرا في صفقة طائرات SU-35 القادرة على قصف أهداف خارج حدودها الدولية.
أسباب الدعم المقدم من طرف الجزائر نحو التنظيمات الإرهابية في الساحل
إن عقيدة الجزائر منذ نشأتها كدولة عسكرية تتركز على عنصرين أساسيين، أولا اعتماد استراتيجية الحرب بالوكالة التي تم تبنيها من خلال علاقات الجزائر الوثيقة بالسوفيات الذين اعتمدوا على ما لقب خلال الحرب الباردة بالحركات الماركسية التحررية التي تم دعمها بالسلاح والمال من طرف السوفيات لزعزعة الأنظمة المولية للمعسكر الغربي أنذاك.
وهي نفس الاستراتيجية التي نهجتها الجزائر من خلال دعم جبهة البوليساريو ضد كل من المغرب و موريتانيا، ودعم تنظيم الأزواد ضد كل من مالي، النيجر وليبيا. أما بالنسبة للشق الثاني فهو مستنبط من المقاربة الإيرانية التي تتركز حول إنشاء أذرع مسلحة في المنطقة تكون ذات ولاء اعمى لإيران، وهو نفس ما تقوم به الجزائر عن طريق بناء و دعم تنظيمات إرهابية موالية لها تهدف من ورائها الجزائر العسكرية إلى زعزعة أمن المنطقة لبناء قوة تخلق الإضطراب في محيطها الإقليمي.
ومن الواضح، أن ملف احتضان الجزائر للجماعات الإرهابية الذي فجرته دول تحالف الساحل، وذهاب دولة مالي إلى حد وضع شكاية أمام مجلس الأمن ضد النظام العسكري سيجعل المجتمع يلتفت لما ظلت تخفيه الجزائر لسنوات طويلة، فالتوقيت الذي جرى فيه حادث إسقاط طائرة مالية من طرف الجيش الجزائري ورد فعل مالي يفتح ملفا أمنيا كبيرا حول خطر التنظيمات الإرهابية الموجودة جنوب الجزائر وقضية استعمال الجزائر لهذه التنظيمات في تهديد الإستقرار الإقليمي بالساحل وشمال إفريقيا، كما يثير الإنتباه إلى الأسلوب الجزائري الخطير الشبيه بأسلوب إيران في احتضان تنظيمات إرهابية ومليشيات مسلحة وإستعمالها كأذرع لتهديد دول في محيطها الإقليمي.