أفاد فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، بأن العجز في ميزانية سنة 2024 سجل انخفاضًا ليصل إلى 4 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، مقارنة بـ 4.3 بالمائة خلال العام الماضي.
وأشار إلى أن هذا التراجع في العجز يعود إلى الزيادة الكبيرة في الموارد العادية، التي ارتفعت بحوالي 47.4 مليار درهم، مسجلة زيادة بنسبة 14.6 بالمائة مقارنة بسنة 2023.
تحسين الإيرادات الضريبية واستقرار المالية العمومية
في هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي رشيد حسناوي، في تصريح لـ"تيلكيل عربي" أن العلاقة بين زيادة الإيرادات الضريبية والتحكم في عجز الميزانية تُعد محورية لتحقيق استقرار المالية العمومية. فالزيادة في الإيرادات الضريبية تُساهم في تقليص الفجوة بين النفقات العامة وإيرادات الدولة، مما يقلل من الحاجة إلى الاستدانة الخارجية. وعند إدارة النفقات العمومية بشكل فعال، يمكن للدولة تحقيق توازن مالي أفضل وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية.
وأضاف حسناوي أن توسيع الوعاء الضريبي يُعد من بين الإجراءات الأساسية لتعزيز الصمود المالي للدولة. ويتحقق ذلك عبر إدماج القطاع غير المهيكل في الاقتصاد الرسمي، وتعزيز الرقابة الضريبية، وتحسين الامتثال الضريبي. هذه الخطوات لا تساهم فقط في زيادة الإيرادات، بل تُعزز من قدرة الدولة على تحمل الصدمات الاقتصادية وتحقيق استدامة مالية أكبر.
وأوضح حسناوي أنه "بالفعل، يُعتبر عام 2024 عامًا استثنائيًا من حيث الأداء المالي بفضل عدة عوامل استثنائية وغير مستدامة: أولًا، الحوار الاجتماعي الذي تم خلال السنوات الأخيرة أسفر عن زيادة في دخول الموظفين والأجراء، لا سيما من خلال رفع الأجور وإعادة تقييم الرواتب. وقد أدت هذه الزيادات إلى إخضاع عدد كبير منهم إلى معدلات أعلى ضمن الضريبة على الدخل. هذه الظاهرة، التي تُعرف بـ"التصاعد الضريبي"، ساهمت في تعزيز الإيرادات الضريبية للدولة".
وأضاف حسناوي، أن النقطة الثانية تتمثل في العفو الضريبي الذي أطلقته الحكومة في عام 2024، والذي أسفر عن تحقيق إيرادات ضريبية استثنائية استنادًا إلى مبدأين رئيسيين: الامتثال الضريبي والتسوية الضريبية. وقد أسفرت هذه التسوية عن تصريحات بأكثر من 100 مليار درهم، وهو مبلغ يفوق ما تم جمعه في فرنسا خلال العفو الضريبي المطبق بين عامي 2014 و2017، حيث بلغت الإيرادات حينها 32 مليار يورو على مدار أربع سنوات.
ونوه الخبير الاقتصادي، إلى أن هذه المبادرة التحفيزية شجعت الملزمين على تسوية أوضاعهم من خلال التصريح بالمداخيل الناتجة عن القطاع غير المهيكل والأنشطة غير القانونية. ومن خلال إدماج هذا الجزء من الاقتصاد الموازي ضمن الوعاء الضريبي، لم تقتصر هذه الخطوة على زيادة الإيرادات العامة فحسب، بل ساهمت أيضًا في تعزيز ثقافة الالتزام والانضباط الضريبي، وهي عنصر أساسي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي للبلاد.
وفيما يتعلق بالنقطة الثالثة، قال إن الاستخدام المتزايد للأدوات الرقمية من قبل الإدارة الضريبية أدى إلى تحسين أداء عمليات تحصيل الديون الضريبية. فقد ساهمت تقنيات المعلومات والاتصالات والاتصال الرقمي التي تعتمدها الإدارة الضريبية في تبسيط إجراءات التصريح الضريبي وتعزيز كفاءة عملية التحصيل. حاليًا، تُعد الإدارة الضريبية المغربية من بين الأفضل في إفريقيا في هذا المجال، حيث تعتمد على نظام معلوماتي متقدم قائم على الذكاء الاصطناعي.
واستطرد قائلاً إن هذا النظام يسمح بتنفيذ أساليب عمل مبتكرة من خلال الوصول إلى مجموعة واسعة من المعلومات حول الملزمين، ومعالجتها والتحقق منها، واستخراج كميات كبيرة من البيانات بناءً على البرمجة وتحليل المخاطر. ويتيح هذا النظام المعلوماتي، عند دمجه مع أنظمة أخرى متاحة، إعادة تكوين الدخل أو الأرباح الخاضعة للضريبة، واكتشاف غياب التصريحات الضريبية، بالإضافة إلى رصد محاولات التهرب الضريبي.
وفيما يتعلق بالنقطة الرابعة، لفت إلى أن الحكومة لجأت إلى مصادر تمويل تُوصف بالمبتكرة على صعيد النفقات العامة، وهو ما ساهم بشكل كبير في تقليل الضغط على الميزانية العامة. ففي عام 2023، شملت هذه التمويلات المبتكرة بيع 175 مبنًى إداريًا وممتلكات عمومية، مما أتاح تعبئة تمويل إضافي يفوق 25 مليار درهم لفائدة الخزينة العامة للمملكة، وفقًا لوزارة المالية.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي، وأخيرًا، الجزء غير المرئي من جبل الجليد يتمثل في التضخم، وهو عامل اقتصادي مهم لعب دورًا كبيرًا في تحسين وزيادة الإيرادات الضريبية للدولة بسبب التأثير المباشر لارتفاع أسعار الاستهلاك. وكما هو معلوم، يتم احتساب الضريبة على القيمة المضافة كنسبة مئوية على سعر بيع السلع والخدمات، مما يعني أن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الخاضعة للضريبة يؤدي تلقائيًا إلى زيادة في المبالغ المحصلة، حتى وإن ظل حجم المعاملات ثابتًا.
واسترسل قائلاً: نظرًا لأن الاستهلاك الداخلي يشكل عنصرًا أساسيًا في الاقتصاد الوطني، فإن هذه الديناميكية تؤدي إلى زيادة ملحوظة في الإيرادات الضريبية غير المباشرة، مما يساهم بشكل كبير في تعزيز الموارد المالية للدولة. كما أن ارتفاع معدل التضخم يؤدي بشكل طبيعي إلى خفض القيمة الحقيقية للدين العام، مما يسهم في تحسين الوضعية المالية للدولة وتقليص الضغط على ميزانيتها.
تحسن الإيرادات الضريبية لا يعكس أداءً اقتصاديًا مستدامًا
وكشف الخبير الاقتصادي، أن التحسن في الموارد العادية، وخاصة العائدات الجبائية، يؤثر إيجابيًا على استقرار المديونية في المغرب من خلال تقليل الحاجة إلى الاقتراض لتمويل العجز، مما يساهم في تخفيف الضغط على الدين العام. وقد جاء هذا التحسن نتيجة لعوامل متعددة مثل الإصلاح الضريبي الأخير الذي امتد من سنة 2019 إلى 2024 ويستمر مع قانون مالية 2025، بالإضافة إلى توسيع القاعدة الجبائية، وإجراءات مؤقتة أخرى مثل المصالحة الضريبية. ومع ذلك، يبقى التساؤل حول استدامة هذا التحسن على المدى الطويل قائمًا.
واختتم حديثه قائلاً: إن التحسن المعلن في العائدات الضريبية والاستقرار النسبي للمديونية العمومية لا يعكسان أداءً اقتصاديًا قويًا، بل هو تحفيز مؤقت للإيرادات العمومية، وإجراء يعتمد على تحفيز ظرفي للوفاء بالالتزامات الدولية لبلادنا، دون معالجة الأسباب الهيكلية للاقتصاد الوطني. ويؤكد معدل البطالة المرتفع البالغ 21 بالمائة على التحديات المستمرة التي يواجهها سوق العمل بشكل خاص، مما يعكس عدم كفاءة النشاط الاقتصادي في دعم المالية العمومية بشكل مستدام.