شهدت سنة 2024 العديد من التحديات في القطاع الحيواني، حيث استمر الارتفاع الكبير في أسعار المنتجات الحيوانية مثل اللحوم والدواجن، رغم الدعم الحكومي لبعض هذه القطاعات. ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل التي أثرت على الإنتاج المحلي، أبرزها الزيادة في أسعار الأعلاف وتراجع الإنتاج المحلي للمواد الأساسية التي تدخل في صناعة الأعلاف
ولفت مهنيو إلى أن سنة 2024 كانت سنة تميزت بكونها سنة جافة، اتسمت بشح التساقطات وتبقى مسألة الإجهاد المائي أيضًا واردة. ولكن، عند الحديث عن سنة جافة، أول ما يتبادر إلى الذهن هو تراجع في جل المنتجات الزراعية. إلا أنه في الوقت الذي يعاني فيه القطاع الحيواني من تحديات كبيرة، نجد أن المغرب يحتل المرتبة الرابعة عالميًا في تصدير الخضروات والفواكه والحوامض. وهذا الأمر يبرز وجود خلل معين في التنسيق بين مختلف القطاعات الفلاحية، حيث نجح قطاع الفواكه والخضروات في الحفاظ على استقراره وزيادة صادراته بينما يواجه القطاع الحيواني صعوبات كبيرة.
حصيلة قطاع الدواجن
في هذا السياق، أشار عبد الحق البوتشيشي، رئيس الجمعية الوطنية لهيئة تقنيي تربية المواشي، إلى أنه عند الحديث عن الفيدراليات البيمهنية، والتي تعد الممثل الرسمي أمام الجهة الوصية، وزارة الفلاحة، للمهنين، مثل الفيدرالية البيمهنية لقطاع الدواجن، نجد أن أسعار الدواجن قد بلغت مستويات غير مسبوقة، حيث وصلت إلى أرقام خيالية لم يكن أحد يتوقعها. كما أضاف أن ثمن البيض قد تجاوز القدرة الشرائية للمواطن، مما يعكس تحديات كبيرة في هذا القطاع.
كما أفاد ياسين الطايفي، الباحث في بيولوجيا الحيوان والمهني في المجال، أنه "خلال سنة 2024، شهدت أسعار اللحوم البيضاء ارتفاعًا ملحوظًا، نتيجة لعدة عوامل متشابكة. من أبرز هذه العوامل، الاعتماد على استيراد المواد الأولية من الخارج، خاصة من الدول الغربية، حيث لا يتوفر الإنتاج المحلي لهذه المواد الأساسية مثل الذرة والصوجا وغيرها من المكونات الضرورية في صناعة اللحوم البيضاء".
وأضاف الطايفي أن "النقطة الثانية تكمن في استيراد أمهات الكتاكيت، حيث يعتمد المغرب بشكل كبير على استيرادها من الدول الأوروبية أو من خارجها. كما أشار إلى تأثير فتح السوق الحرة، التي تخضع لمعادلة العرض والطلب، فزيادة الإنتاج تؤدي إلى تراجع الأسعار، بينما يؤدي نقص الإنتاج إلى ارتفاعها. كما أن بدء المغرب في تصدير الكتاكيت ساهم بشكل كبير في زيادة أسعار اللحوم البيضاء".
واستطرد قائلا: إن ارتفاع أسعار الأعلاف يعد العامل الرئيسي وراء زيادة تكلفة إنتاج اللحوم البيضاء وبيض الاستهلاك، حيث تشكل الأعلاف المركبة حوالي 75بالمائة من التكلفة الإجمالية.
حصيلة قطاع اللحوم الحمراء
في هذا الصدد، لفت البوتشيشي، إلى أن قطاع اللحوم الحمراء شهد تراجعًا في الإنتاج خلال سنة 2024، حيث يعاني القطيع من انخفاض حاد، ويُلاحظ تدهور المخزون الاستراتيجي للقطيع من أغنام وابقار وماعز. ورغم الدعم الذي تم تخصيصه لشراء الكبش خلال عيد الأضحى بمقدار 500 درهم، فإن هذا الدعم لم ينعكس بشكل مباشر على المواطن أو المستهلك، إذ أن الفئة المستفيدة كانت محدودة، ولم يشعر المواطنون بتأثير حقيقي على الأسعار.
وأضاف البوتشيشي، أن الدولة بذلت جهودًا كبيرة لتوجيه الدعم نحو المستهلك، إلا أن النتائج كانت محدودة، حيث لم يتجسد التأثير المتوقع على مستوى الأسعار.
وأشار إلى أن دفتر التحملات الذي وضعته وزارة الفلاحة يفتقد إلى الجانب الزجري، حيث لا يوجد ما يردع الأشخاص الذين يخالفون القانون، مما يساهم في ضعف فعالية التدابير المتخذة.
واستطرد قائلاً إن الحلول التي قدمتها الدولة هي حلول تدبير الأزمات، حيث وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها المواطن المغربي يذهب إلى الجزار ليرى اللحوم دون أن يتمكن من شرائها، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار.
وفي هذا السياق، أوضح زكرياء المدور، عضو المجلس الإداري للجمعية الوطنية لبائعي اللحوم بالجملة، أن استيراد اللحوم قد لا يؤدي بالضرورة إلى انخفاض الأسعار، لكنه سيساهم في استقرارها.
حصيلة إنتاج الحليب
في هذا السياق، أشار عبد الحق البوتشيشي إلى أن قطاع الحليب في المغرب يشهد تحديات كبيرة رغم الدعم الكبير الذي تقدمه الدولة. حيث تقوم الحكومة بدعم استيراد الأبقار الحلوب والأعلاف، بالإضافة إلى دعم مواليد الأبقار في سلالات الحليب بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحليب. ومع ذلك، في سنة 2024، تواجه البلاد مشكلة تتمثل في تخلّي الشركات المجمعة للحليب عن شراء الحليب من الفلاحين، مما يعرقل الجهود لتحقيق هذا الهدف.
وأضاف البوتشيشي أنه يجب إعادة النظر في تركيبة الفيدرالية البيمهنية لقطاع الحليب، وخاصة في ضوء تكوين مكتب الفيدرالية الذي يتكون بشكل رئيسي من الشركات المجمعة. وتساءل كيف يمكن لهذه الشركات، التي تترك الحليب للمستهلكين، أن تدافع عن مصالح صغار المزارعين، خصوصًا وأن 90% من منتجي الحليب في المغرب يمتلكون أقل من 10 أبقار.
واستطرد قائلاً: في الوقت الذي تقوم فيه الدولة بتقديم الدعم للقطاع، نجد أن الشركات تفرض كوطا على المنتجين. هذا الوضع أثار استياء العديد من منتجي الحليب والمستثمرين في الأبقار، إذ يشعرون بالظلم جراء هذه السياسات. وبالتالي، يظهر التناقض في تسيير القطاع، حيث تقوم الدولة بدعم القطاع في حين أن الشركات المجمعة لا تلتزم بجمع الحليب من الفلاحين. وهذا يعكس فشلًا في التنسيق بين الدعم الحكومي وآليات التنفيذ على أرض الواقع.
وأوضح رئيس الجمعية، أن الشركات تشتري الحليب بأسعار لا تعكس تكاليف إنتاجه، تلك الزيادة أتت لكي يستفيد منها منتج الحليب. والدولة حاليا تشجع استيراد الأبقار عبر الإعفاء من الرسوم الجمركية، وهناك أيضا دعم يصل إلى 5000 درهم للبقرة، يعني البقرة الحلوب في الاستيراد، كما أن الدولة قامت بدعم أعلاف الأبقار الحلوب، بالإضافة إلى عملية دعم العجلات وبالمقابل سنستورد الحليب.
وأضاف أنه على الدولة التدخل بشكل عاجل، خاصة في ظل السماح باستيراد بودرة الحليب واستخدامه في مشتقات الحليب مثل الياغورت وغيرها. وأكد أنه يجب أن يتم وقف استيراد الحليب لحماية الإنتاج المحلي، إضافة إلى ضرورة إجراء تحقيق دقيق في الشركات التي لا تلتزم بتجميع الحليب. كما أضاف أنه بينما يتم الحديث عن أزمة القطيع وإعادة بناءه، تواصل الشركات فرض الكوطا على المنتجين، مما يزيد من تفاقم المشكلة.
أوضح البوتشيشي، أن استمرار استيراد بودرة الحليب يدفع الشركات المجمعة والمصنعة للحليب إلى تفضيل المنتج المستورد على الحليب الطازج، ما يؤدي إلى فرض نظام "الكوطا" على الإنتاج المحلي. وأشار إلى أن هذا التوجه يتناقض مع الجهود الحكومية التي تسعى لتطوير القطاع عبر تخصيص موارد مالية مهمة لدعمه، مؤكداً أن قرارات بعض الشركات تتجاهل هذه الاستراتيجية الوطنية وتؤدي إلى عرقلة نمو القطاع المحلي.
وأضاف أن إنتاج الحليب في ظل الظروف المناخية الصعبة، مثل الجفاف وشح التساقطات وارتفاع أسعار الأعلاف، يتطلب جهداً كبيراً يبذله الفلاحون، وخاصة النساء القرويات المنخرطات في التعاونيات، اللواتي يعتمدن على بيع كميات محدودة من الحليب كمصدر أساسي لسداد التكاليف والديون. وانتقد البوتشيشي بشدة القرارات التي وصفها بالأنانية، حيث تفرض الشركات قيوداً تؤثر سلباً على المنتجين المحليين، مما يهدد استدامة هذا النشاط الحيوي.
حصيلة قطاع تربية النحل وإنتاج العسل في 2024: تحديات الدعم وتداعيات التعديلات الجمركية
ولفت البوتشيشي، إلى أنه عندما نتحدث عن قطاع تربية النحل وإنتاج العسل، نجد أن 81 بالمائة من حاجياتنا نقوم باستيرادها من الخارج. وأضاف أنه يجب التفكير بشكل جاد في دعم هذا القطاع، وتوفير مجموعة من الحلول، بما في ذلك تفعيل قانون الترحال الذي لم يتم تطبيقه بعد. ورغم أن الدولة تقدم الدعم لهذا القطاع، إلا أن البوتشيشي، أشار إلى غياب دور الفيدرالية بشكل ملحوظ في هذا المجال، مما يعرقل تحقيق نتائج ملموسة في هذا القطاع الحيوي.
في خلاصة لعام 2024 بشأن القطاع الحيواني، أكد البوتشيشي أن المغرب أصبح يعتمد على استيراد المنتجات النهائية بدلاً من دعم القطيع الوطني. وأشار إلى التعديل الحكومي الذي شهدته وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، مع التوقعات أن يعمل الوزير الجديد على إعادة بناء القطيع الوطني.
وأعرب عن أمله في أن تتخذ الدولة إجراءات فعّالة لدعم الإنتاج المحلي، بحيث لا يتم ذبح "الخروفة" في المجازر. كما أشار إلى أهمية التفكير في استيراد النعاج والأبقار، بما في ذلك العجول الصغيرة، إضافة إلى الأبقار الحلوب. وشدد على ضرورة مراجعة دفتر التحملات لتقليص تكلفة الاستيراد، مما سيسهم في تعزيز القطاع الحيواني.
وأشار إلى أنه من الضروري مراقبة مصدر الحليب وجهته، حيث تم تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج البيض والدواجن في 2024، لكن للأسف باستخدام أعلاف مستوردة بشكل كامل. وأكد أنه لا يمكننا تصدير الخضروات بينما نستورد الأعلاف، مما يستدعي إعادة النظر في هذه الاستراتيجية