تذكير: نلتقي مرة أخرى داخل نص لا يحب علامات الترقيم حفاظا على السرد المتواصل.
تذكير أخير: النص عنيف ولا ينصح بقراءته إلى الذين تقل أعمارهم عن الاستعداد الدائم إلى تقبل كل العنف الوجودي الذي يحمله عالمنا المتناقض.
التذكير ما بعد الأخير: تناقض العالم من طبيعة العالم
سيجد الطفل الصغير نفسه وحيدا
وحيدا إلى درجة أن الوحدة أشفقت عليه فحاولت الابتعاد عنه بشتى الطرق لكنها لم تجد الحل لذلك وأي اهتمام وهو الذي سيجد نفسه أمام جسد والدته المكسر حتى أن الذين كلفوا بغسله استعدادا لدفنه تقيأ منهم الواحد تلو الآخر لبشاعة صورة تركتها لكنها بقيت تصول وتجول داخل أحلام نوم كل الذين تجرؤوا على النظر إليها لحظة سقوطها حتى باتت أحلام الجميع متشابهة حينما يخلدون إلى النوم.
ولما لم يجدوا شخصا من ذويها يساعدهم على الإجراءات الإدارية تكلف بعض المتطوعين فأنجزوا الأمر بشق الأنفس بعد تدخلات عدة وإن كان لميزانية طقوس العزاء شأنا آخرا حينما لم يجدوا بالبيت ولا فلسا واحدا فتطوع كل فرد بما أوتي من الدراهم من أجل توديع سيدة عبر العشاء الأخير الذي سيقام من أجلها وعلى شرفها بالرغم من أنها استحالت جثة هامدة مدفونة تحت تراب الأرض التي تبتلع الأموات بينما الأحياء ينتظرون دورهم آه من هذه الأرض التي عاشت الويلات منذ جدنا الأول.
كان يرى الناس في البيت كل واحد منهم منشغل في أمر ما لكنه كان يرى أيضا لؤمهم حينما تترامى أياديهم خلسة إلى كل الأشياء التي تستحق النشل دون إثارة الانتباه الغريب في الأمر أن أغلب الذين قدموا من أجل التعبير عن حزنهم كانوا يفكرون بنفس الطريقة ويسعون إلى نفس ما يسعون إليه فلم لا يعلنون عن ذلك ثم يجلسون ويقتسمون ما ابتغوه لأنفسهم بدل هذا التواطؤ غير المعلن.
ولما حل الليل بدأ الناس يتناقصون تباعا إلى أن وجد نفسه وحيدا الغريب في الأمر أنه لم يتذكر والده إلا حينما اختلى بنفسه ولما أدار وجهه ناحية اليمين والشمال وجد أن بيته اليوم ليس كما كان عليه سابقا وجدانيا من خلال اختفاء الأب والأم ماديا من خلال اختفاء أغلب أشياءه أواني كانت أم ديكورات للتزيين.
والغريب في الأمر مرة أخرى أنه لم يشعر بالوحدة ولا الرعب بقدر ما اتجه إلى غرفته وحينما تأكد مرة أخرى من خلو المكان وضع يده داخل ثقب صغير أسفل السرير كان يخفي فيه أشياءه التي يراها ثمينة تستحق الستر، أدخل يده الصغيرة ثم أخرج قطعة اللحم التي بترتها والدته من جسمها فقد سرقها من داخل الكفن حينما كانوا يهمون بترتيب أشلاء الجسد صحيح أنه لم يكن يعرف السبب ولا كان على دراية تامة بالقصة التي جعلت والده يختفي ووالدته ينتهي أمرها بالطريقة المعلومة لكنه وبقوة الحدث فقد أجبرته نفسه على مشاركة الناس في السرقة فما الفرق بين ما سرقوا وما سرق.
تأمل القطعة التي تذكره بشيء مجهول بالنسبة إلى ذاكرته قطعة تتكون من جلد به بقع دماء جافة وشعر شبه حليق حقا لقد كان لغزا تأمله طويلا وهو الذي خرج لتوه إلى عالم المتناقضات.
ثم قرر الاحتفاظ به