عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية ورئيس مجلس جماعة أكادير، وجد نفسه مؤخرًا في موقف يعكس إشكالية عميقة في فهمه لدوره السياسي، بعدما صرّح بأن المجلس الجماعي "ليس مكانًا لممارسة السياسة".
هذا التصريح من المفترض أن يثير جدلاً واسعًا حول مفهوم التكنوقراط ودورهم في المؤسسات المنتخبة. وبالنظر إلى أن المجلس الجماعي هو مؤسسة منتخبة مباشرة من قبل المواطنين لتدبير الشأن المحلي، فإن التنصل من الدور السياسي لهذه المؤسسة يكشف خللاً واضحاً في إدراك أخنوش لمهامه كرئيس جماعة.
إن إشكالية الفهم الخاطئ لدور المؤسسات المنتخبة لا تقتصر فقط على أخنوش كشخص، بل تمتد إلى تيار كامل داخل الحكومة المغربية، التي تعتمد على التكنوقراط لإدارة الملفات المختلفة.
ما يفسر الفشل الذريع للحكومة في الآونة الأخيرة في تقديم الحلول الملائمة، مما أدى إلى فشل مجموعة من المخططات، مثل مخطط المغرب الأخضر الذي أشرف على تدبيره أخنوش بنفسه عندما كان وزيراً للفلاحة. ورغم الطموحات الكبيرة التي رافقت هذا المخطط، إلا أنه لم يُسجل أي تقدم ملموس، بل شهد القطاع الفلاحي انتكاسات متعددة ويطرح إشكالات مستقبلية مرتبطة بالأمن الغذائي والمائي للمغاربة.
إضافةً إلى ذلك، فإن الاحتجاجات المتزايدة في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والعدالة تُظهر بشكل واضح فشل التكنوقراط في الاستجابة لمتطلبات المجتمع المغربي. فالصراعات والتوترات التي تشهدها هذه القطاعات، والتي تشمل محامين وكتّاب ضبط، تعكس عدم قدرة الحكومة على إدارة الأزمات وتقديم الحلول الفعالة. وبالتالي، فإن ذلك يزيد من تعميق الفجوة بين الحكومة والمواطنين، حيث يشعر الناس بأن مطالبهم وتطلعاتهم تُهمل.
من المهم أيضًا الإشارة إلى أن عزيز أخنوش ليس فقط رجل سياسة، بل هو رجل أعمال بارز. هذا الأمر يعزز فرضية أنه يتعامل مع الدولة والمجالس المنتخبة كمقاولة، حيث يضع مصالحه الاقتصادية فوق الاعتبارات السياسية والاجتماعية.
فالحزب الذي ينتمي إليه، حزب التجمع الوطني للأحرار، يعكس نفس الاتجاه، حيث يتمتع بالقدرة على التأثير في القرارات الحكومية من منطلقات تجارية بحتة، وهو ما يثير تساؤلات حول مصداقية السياسات العامة التي يُفترض أن تعكس احتياجات المواطنين.
في ظل هذا الوضع، يتعين علينا أن نطرح تساؤلات حول الدور الفعلي للمجالس المنتخبة في النظام المغربي. فهذه المجالس ليست مجرد أدوات لتنفيذ القرارات الإدارية، بل هي ساحات للنقاش السياسي وصنع القرار المحلي الذي يهم المواطنين. إن تهميش دور السياسة داخل هذه المجالس يعكس فهماً قاصراً لوظيفتها، وهو ما يجعل التكنوقراط غير قادرين على تحمل المسؤولية السياسية بالشكل المطلوب. هذا الخلل في الفهم يبرز في تعامل أخنوش مع الانتقادات التي وجهتها له المستشارة رجاء ميسو، التي طالبت بمساءلته عن طريقة تدبيره للميزانية والبرامج الخاصة بالمجلس.
ومع ذلك، فإن الأمر لا يتوقف عند أخنوش فقط، بل يتعدى إلى حزبه، حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يعكس توجهًا نحو تحويل السياسة إلى مجرد إدارة للملفات الفنية دون النظر إلى الأبعاد الاجتماعية والسياسية التي يجب أن تميز العمل الجماعي. هذا الحزب، الذي يضم عددًا كبيرًا من الشخصيات ذات الخلفيات الإدارية والتقنية، يظل مرتبطًا أكثر بالنظام الإداري منه بالممارسة السياسية الفاعلة. وهنا تكمن الإشكالية الأساسية؛ وهي أن التكنوقراط، رغم كفاءتهم الفنية (هذا إذا ما افترضنا أن الشهادات العلمية تساوي الكفاءة)، لا يمتلكون غالبًا القدرة على فهم التفاعل السياسي مع المجتمع.
إن الجمع بين الكفاءة الإدارية والقدرة السياسية يشكل تحديًا كبيرًا أمام التكنوقراط في الحكومة المغربية. في ظل هذا السياق، يبدو أن عزيز أخنوش يفتقد إلى هذه المعادلة، حيث يغلب الجانب الإداري على ممارسته السياسية. هذا ما يعزز الاعتقاد بأن التكنوقراط، على الرغم من دورهم المهم في إدارة الملفات التقنية، لا يمكنهم أن يكونوا سياسيين فعالين ما لم يتعاملوا مع القضايا بروح سياسية وديمقراطية.
في النهاية، يبقى التساؤل قائمًا حول قدرة التكنوقراط على إدارة الشأن العام بطريقة تستجيب لتطلعات المواطنين. فقد أثبتت التجارب العالمية أن التكنوقراط وحدهم لا يستطيعون تقديم الحلول السياسية المتكاملة التي تحتاجها المجتمعات. ومن هنا، يتضح أن النموذج الذي يمثله عزيز أخنوش، سواء في رئاسة الحكومة أو المجلس الجماعي، يعكس قصوراً في فهم طبيعة الديمقراطية المحلية أو الديمقراطية التمثيلية، مما يستدعي إعادة التفكير في دور التكنوقراط في الحياة السياسية المغربية.