مع اقتراب موعد الانتخابات، التي لم يتبق عليها سوى سنة ونصف، يتجدد النقاش حول عزوف الشباب عن المشاركة السياسية ومدى تأثير ذلك على التوازنات الديمقراطية، ورغم المحاولات المبذولة، مثل "الكوطا"، لتحفيز هذه الفئة على الانخراط في الحياة العامة، لا تزال نسب التسجيل في اللوائح الانتخابية محدودة، ما يطرح تساؤلات حول جدوى الإجراءات الحالية ومدى قدرتها على استقطاب الشباب وإقناعهم بأهمية التصويت والمشاركة المواطنة.
بحسب اللوائح الانتخابية المحصورة في 31 مارس 2024، بلغ عدد المسجلين 17,286,278 ناخبا، ورغم هذا العدد، لا تزال نسبة الشباب المسجلين في اللوائح الانتخابية محدودة، حيث لا تتجاوز 4 في المائة للفئة العمرية ما بين 18 و24 سنة، في حين ترتفع النسبة إلى 16 في المائة بالنسبة للفئة ما بين 25 و34 سنة.
ويعكس هذا التمثيل المحدود للشباب في القوائم الانتخابية استمرار ضعف انخراط هذه الفئة في العملية السياسية، رغم أهميتها الديموغرافية، إذ شهد العدد الإجمالي للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة ارتفاعا، منتقلا من 11.5 مليون نسمة سنة 2014 إلى 11.8 مليون نسمة سنة 2023، وسجلت الفئة العمرية ما بين 15 و24 سنة تغيرا في نسبتها ضمن إجمالي عدد الشباب، إذ انتقلت من 16.1% سنة 2014 إلى 18.0% سنة 2023، ما يؤكد أن نسبة الشباب داخل المجتمع تتزايد، في حين أن حضورهم في اللوائح الانتخابية لا يعكس هذا التطور العددي، وفقا لإحصائيات نشرتها المندوبية السامية للتخطيط سنة 2023.
في هذا السياق، يرى الباحث في قضايا الشباب والمجتمع المدني، ياسين إيصبويا، في حوار مع "تيلكيل عربي"، أن العقبات لا تقتصر فقط على ضعف الثقة في العملية الانتخابية، بل تشمل أيضا غياب آليات تواصلية تحفز الشباب على الانخراط الفعلي، ويقترح إيصبويا مراجعة بعض المفاهيم المعتمدة، مثل استبدال مصطلح "اللوائح الانتخابية العامة" بـ"سجل المشاركة المواطنة"، بهدف توسيع فهم دور المواطن في العملية الديمقراطية، وعدم حصره في التصويت فقط.
ويؤكد الباحث أن تعزيز المشاركة السياسية يتطلب إصلاحات مؤسساتية وتواصلية متكاملة، تشمل فتح التسجيل في اللوائح بشكل سنوي أو دائم، وإطلاق حملات توعوية مستمرة تستهدف الشباب، إلى جانب تجديد الخطاب السياسي بما يواكب تطلعات الأجيال الجديدة، بالنسبة إليه، فإن بناء الثقة لدى الشباب يمر عبر إشراكهم في القرارات الكبرى، ومنحهم أدوات حقيقية للتأثير في المشهد السياسي، بدل حصر دورهم في فترات انتخابية موسمية.
أنتم باحث في قضايا الشباب والمجتمع المدني، كيف ترون التحديات الأساسية التي تحول دون انخراط الشباب في مسار المشاركة السياسية؟
صحيح، التحديات التي تواجه مشاركة الشباب في الحياة السياسية متعددة، لكن يمكن تلخيص أبرزها في ضعف الثقة لدى فئة واسعة من الشباب في العملية الانتخابية، وفي الأداء العام لغالبية الأحزاب السياسية، إذ لا يرون في هذه المؤسسات أدوات فعالة للتغيير أو تمثيلا حقيقيا لتطلعاتهم.
كما أن هناك نقصا في الوعي بأهمية التسجيل في اللوائح الانتخابية العامة، إذ يعتبرها الكثيرون مجرد إجراء مرتبط بالتصويت خلال الانتخابات، بينما هي في الواقع بوابة للمشاركة في آليات أعمق، مثل العرائض والملتمسات التشريعية المنصوص عليها في الدستور ضمن أدوات الديمقراطية التشاركية.
ومن بين الإشكاليات، أيضا، أن عملية التسجيل محصورة في فترات محدودة، مما يفوت على عدد كبير من الشباب فرصة التسجيل في الوقت المناسب، هذا الطابع الموسمي للتسجيل يساهم في تقليص نسب المشاركة، ويفقد العملية بعدها التربوي والاستمراري المطلوب لتعزيز المواطنة الفاعلة.
وفي هذا السياق، أرى أن هناك حاجة ملحة، أيضا، إلى مراجعة وإعادة النظر في التسميات المعتمدة، مثل "اللوائح الانتخابية العامة" التي توحي بحصر الدور في التصويت فقط، في المقابل، اقتراح تسميات أكثر تحفيزا وتعبيرا عن المشاركة المواطنة، كـ"سجل المشاركة المواطنة"، ولمَ لا إحياء بطاقة الناخب التي تم إيقافها من قبل باسم "بطاقة المشاركة الديمقراطية"، الذي من شأنه أن يساهم في تحرير المفهوم من طابعه التقليدي، وربطه بمسار أوسع من الانخراط في الحياة العامة.
من الضروري، إذن، التفكير في إصلاحات مؤسساتية وتواصلية متكاملة، تشمل فتح التسجيل بشكل سنوي، وإطلاق حملات توعوية متجددة موجهة بالخصوص لفئة الشباب، إلى جانب تجديد الخطاب والمصطلحات بما يواكب روح الدستور المغربي، ويعزز شعور الشباب بالانتماء والقدرة على التأثير في مستقبل بلادهم.
هل تعتقدون أن تغيير التسمية فقط، قد يكون خطوة نحو تشجيع الشباب على التسجيل والمشاركة الفاعلة؟
بكل تأكيد، فالتسميات لها وقع كبير على التصورات والسلوكيات العامة، حينما نتحدث عن "اللوائح الانتخابية العامة" أو مصطلح آخر، ينحصر الفهم غالبا في كونها أدوات مرتبطة فقط بعملية التصويت خلال الانتخابات، غير أن الواقع أوسع بكثير، فهذه الوسائل تشكل مدخلا لمشاركة سياسية ومواطنة أكثر شمولا.
من هذا المنطلق، أعتقد أنه من الضروري إعادة النظر في هذه التسميات، واقتراح بدائل مثل "سجل المشاركة المواطنة" و"بطاقة المشاركة الديمقراطية" أو حتى "بطاقة المشاركة المواطنة"، بما يعكس الأدوار المتعددة للمواطن، وخاصة الشباب، في الحياة الديمقراطية.
وهنا أوجه نداء إلى وزارة الداخلية والحكومة من أجل أخذ هذه المقترحات بعين الاعتبار، بما ينسجم مع روح الدستور المغربي، ويساهم في تعزيز المشاركة المواطنة للشباب وتقوية شعورهم بالانتماء.
فالتسجيل في اللوائح الانتخابية لا ينبغي أن يختزل في عملية التصويت فقط، بل يجب أن يفهم كآلية أساسية تمكن المواطنين من ممارسة حقوقهم الدستورية، وعلى رأسها تقديم العرائض والملتمسات التشريعية، وهي أدوات جوهرية في الديمقراطية التشاركية التي نص عليها الدستور.
من بين الإشكاليات التي أشرتم إليها، هناك مسألة اقتصار التسجيل في الانتخابات على فترات محددة، ما رأيكم في ضرورة فتح التسجيل في تواريخ محددة كل سنة أو بشكل دائم بدلا من انتظار كل استحقاق انتخابي؟
هذا مقترح مهم جدا، لأنه يجعل التسجيل في اللوائح الانتخابية عملية ديناميكية ومستدامة بدل أن تكون ظرفية مرتبطة فقط بالانتخابات، لو تم فتح التسجيل سنويا ولم لا بشكل دائم، وبحملات تحسيسية مكثفة، سيصبح التسجيل عادة راسخة بين الشباب والمواطنين عموما، وسيساهم في رفع نسبة المشاركة السياسية.
كما أن إتاحة التسجيل سنويا يجعل الشباب الذين يصلون إلى السن القانونية للمشاركة قادرين على التسجيل في أي وقت دون انتظار دورة انتخابية جديدة، مما يعزز الانخراط المبكر في الحياة السياسية.
كيف يمكن أن تؤثر هذه المقترحات على تعزيز ثقة الشباب في العملية السياسية والديمقراطية التشاركية؟
الثقة تبنى عندما يرى الشباب أن مشاركته لا تقتصر على يوم الانتخابات فقط، بل تمتد إلى عملية مستمرة تمكنه من التأثير الفعلي في القرارات العامة.
فتح التسجيل سنويا سيجعل المشاركة أمرا طبيعيا وليس موسميا، مما يعزز الوعي السياسي لدى الشباب ويدفعهم للتفاعل مع القضايا الوطنية بطريقة أكثر مسؤولية، إضافة إلى ذلك، فإن إشراك الشباب في المشاركة المواطنة عبر تقديم العرائض والمساهمة في المبادرات التشريعية يمنحهم إحساسا بأن صوتهم له قيمة حقيقية.
ختاما، ما هي رسالتكم للشباب المغربي حول أهمية التسجيل في اللوائح الانتخابية العامة؟
رسالتي للشباب المغربي واضحة: ابدؤوا أولا بالتسجيل في سجل المشاركة المواطنة، لأن المشاركة السياسية ليست مجرد خيار، بل هي حق ومسؤولية ديمقراطية، لا تنتظروا اللحظة الأخيرة، فالتسجيل هو المفتاح الذي يفتح أمامكم أبواب التأثير والمساهمة الفعلية، سواء عبر التصويت، أو تقديم العرائض والملتمسات التشريعية، أو الترافع بشأن القضايا الوطنية والدولية.
إن فتح التسجيل في لوائح المشاركة المواطنة "اللوائح الانتخابية العامة" بشكل سنوي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها لن تحدث الأثر المرجو ما لم يبادر الشباب بأنفسهم إلى الانخراط الفعلي في الحياة العامة، ويجعلوا من المشاركة المواطنة ممارسة مستمرة، لا موسمية، المستقبل يصنع بقرارات اليوم، والمشاركة تبدأ بخطوة بسيطة لكنها حاسمة، سجلوا أنفسكم، وكونوا جزءا من التغيير الإيجابي، لا مجرد متفرجين عليه.