كشف رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أن السبب الخفي خلف تقليص الحكومة لسنوات دراسة الطب والصيدلة إلى ست سنوات يكمن في منع الطلبة من الهجرة.
وأضاف، في حوار خص به "تيلكيل عربي"، أن الشهادة التي ستمنح لهم ستكون مرفوضة من طرف بعض الدول الأوروبية التي يتم اختيارها بكثرة، كألمانيا.
وتوقع حموني أن تشهد بداية السنة الدراسية المقبلة مواجهة قوية بين الطلبة وبين الوزارة، مشيرا إلى أن الحكومة كان بإمكانها حل هذا الملف، لكنها ظلت متعنتة، وأرادت فرض الأمر الواقع، وكانت تتوقع أن الضغط سيخيف الطلبة، فيعودوا إلى الكليات، ويختم المشهد بانتصار الوزير.
قربنا من كواليس الوساطة البرلمانية بين طلبة الطب والصيدلة وبين وزير التعليم العالي والبحث العلمي، عبد اللطيف ميراوي؟
كانت هناك لقاءات وساطة بين رؤساء الأحزاب وطلبة الطب والصيدلة، من بينهم حزب التقدم والاشتراكية؛ حيث استقبلهم نبيل بنعبد الله، رفقة وفد من المكتب السياسي، مرتين.
كما كان هناك تواصل، بشكل ودي، بين بنعبد الله وميراوي. لكن رسميا، لم يتم أي لقاء بينهما.
بالمقابل، الوسيط الوحيد بين الطلبة والحكومة هم رؤساء الفرق البرلمانية الممثلة للأحزاب، أغلبية ومعارضة. لذلك، كانت هناك لقاءات بيننا وبين الوزير ميراوي.
بعد مرور 7 أشهر على الأزمة، طلبنا عقد اجتماع لجنة برلمانية بحضور ميراوي، إلا أنه لم يستجب لطلبنا؛ ما اضطر فرق المعارضة والمجموعة النيابية إلى الانسحاب من إحدى جلسات الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، احتجاجا على غيابه، حتى نضغط على الحكومة. وبالفعل، حضر ميراوي إلى البرلمان، يوم الأربعاء بدل يوم الاثنين، رفقة وزير الصحة، خالد آيت الطالب، وأطلعنا على تفاصيل الأزمة، التي تضمنت أمورا إيجابية، ومكتسبات للطلبة، بالإضافة إلى أمور أخرى ظلت عالقة.
ما الذي حصل بعد ذلك؟
آنذاك، قررنا كفرق للمعارضة والمجموعة النيابية أن نجتمع بالطلبة، بعد أقل من 24 ساعة من لقائنا بالوزير ميراوي، حتى نتأكد منهم حول ما قاله، بخصوص التجاوب الحاصل بين الطرفين، وأسباب النقاط العالقة؛ لأن آخر ما قلناه للوزير؛ هو: "ما دمت تقول إنك حققت كل شيء، فأين يكمن المشكل إذن؟". كان لزاما علينا أن نستمع للطرف الآخر أيضا.
التقينا ببعض ممثلي الطلبة ممن كان بإمكانهم الحضور، نظرا لقرب المسافة. وبالفعل، أكدوا على بعض التجاوب بينهم وبين ميراوي، وعلى تشبثهم بالنقاط العالقة.
دام النقاش بيننا وبينهم لأزيد من ست ساعات؛ حيث تمكنا من إقناعهم بالاكتفاء بـ3 نقاط مطلبية بدل 9، على أساس أن المطالب الستة الأخرى تتضمن أمورا غير مستعجلة، وأخرى لا تدخل في اختصاصهم كطلبة؛ وكمثال على ذلك، ما يتعلق بالضوابط البيداغوجية (من اختصاص الخبراء واللجان والمجالس الإدارية والأساتذة). قلناها لهم بصريح العبارة: "أنتوما بعاد على هادشي".
وماذا عن النقاط الثلاثة التي بقيت عالقة؟
أولى النقاط كانت تتعلق بمطالبتهم، في إطار قرار تقليص مدة التكوين من سبع إلى ست سنوات، بزيادة عدد ساعات التداريب الاستشفائية، لتصبح 5000 ساعة بدل 3400 ساعة.
أما المطلب الثاني، فكان توقيع محضر اتفاق يخص إلغاء القرارات الصادرة في حق الطلبة الموقوفين، قبل اجتيازهم الامتحانات، وليس بعدها.
بينما يتمثل المطلب الثالث في إعادة برمجة الامتحانات لأربع دورات وليس دورتين فقط؛ حتى تكون للطلبة المقاطعين فرص للتدارك.
تم الاتصال بالوزير ميراوي من طرف بعض رؤساء فرق الأغلبية، بالهاتف، فكان رده كالآتي: "لا مشكل لدي بخصوص ساعات التدريب. وبالنسبة للطلبة المطرودين، فهو أمر قابل للنقاش. هادشي ماشي بيدي أنا، بيد المجالس الإدارية، ولكن غنقنعوا هاد المجالس باش يرجعوهم. فليجتازوا الامتحانات ويستعيدوا السير العادي للدراسة، وأنتم كوسطاء، ستكونون الضامن لهذا الوعد. أما نقطة أربع دورات بدل دورتين، فهو أمر مستحيل، بسبب عامل الوقت".
أبلغنا الطلبة برد الوزير ميراوي، ومنحناهم الوقت للاستشارة مع الجموع العامة، لكنهم ظلوا متشبثين بالمطلبين الثاني والثالث. كما شددوا على توقيع محضر اتفاق، رغم تأكيدنا على أننا نحن كبرلمان نمثل 395 برلمانيا؛ بمعنى أننا الضامن.
وأضفنا: "منين تخفضوا من مطالبكم وتنازلوا شوية، والوزير يتنازل شوية كذلك، أيا كان ما اتفقتم عليه، نحن الضامن، بدون محضر"؛ حيث ذكرناهم بمحضر عام 2019، الذي لم يطبق منه شيء رغم توقيعه.
لكن ما دامت نية الوزير ميراوي حسنة، لماذا لم يوقع على محضر اتفاق مع الطلبة؟
حتى نعطي الطلبة حقهم، هناك أزمة ثقة بين الطلبة والحكومة، حاليا.
كانت هناك عريضة توجه بها آباء وأمهات الطلبة إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الذي بدوره كلف الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة، المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاس، بالتفاوض مع الطلبة.
وبالفعل، توصل معهم المسؤول الحكومي إلى بعض الحلول، لدرجة أن 50 في المائة من مجالس الطلبة صوتت بنعم على قرار اجتياز الامتحانات، حينما اطلعت على الاتفاق المبرم ما بين الحكومة وتمثيليات الطلبة، في حين صوتت نسبة 50 في المائة ضده. وحينما نقول إن نسبة 50 في المائة اقتنعت، فهذا أمر لا بأس به.
بعد ذلك، كان هناك لقاء بين الطلبة و3 وزراء؛ هم آيت الطالب، وميراوي، وبايتاس. الطلبة كانوا ناشطين، بحيث طرحوا ما اتفقوا عليه مع بايتاس، وكانت لديهم رغبة في المزيد من النقاش. بعد ذلك بقليل، رفعت الجلسة لمدة نصف ساعة، ليعود ميراوي ويقول لهم: "داكشي لي دار معكم بايتاس لا يلزمني".
من هنا، بدأ كل شيء، لنرى الطلبة، اليوم، يلحون على مسألة محضر الاتفاق.
ورغم ذلك، تمكنا، كوسطاء برلمانيين، من إقناعهم بالتخلي عن الفكرة؛ حيث أوضحنا لهم أن جلسات البرلمان جلسات دستورية، والعرض الذي قدمه ميراوي، مكتوبا وشفويا، سينشر في الجريدة الرسمية، كما أن محاضر البرلمان معتمدة حتى لدى المحاكم، عكس المحاضر الأخرى.
قلنا لهم: "ها الضمانة لي كنعطيوكم، وحنا لي غتولي المعركة ديالنا مع الحكومة. من جهتكم، ساعدونا وأقنعوا باقي الطلبة".
كما تحدثنا معهم حول عدم أحقيتهم في طلب أمور تعجيزية بالنسبة للحكومة. وكمثال على ذلك؛ إنشاء مستشفى جامعي بالكليات الجديدة، في كل من الراشيدية، وبني ملال، والعيون، وكلميم. ما يمكنش تبرك عالبوطونة ويتبنى هادشي كلو.
وحتى وزير الصحة، وجد حلا بخصوص التداريب؛ حيث قال لهم: "تدربوا أينما أردتم في المغرب".
مطلب تعجيزي آخر كان؛ هو المطلب الثالث الخاص بالدورات. هناك إكراه مباريات ولوج كليات الطب، التي حددت الـ3 من غشت المقبل موعدا لاجتيازها؛ ما يفرض على الوزارة إجراء الامتحانات في الوقت المحدد.
أمام هذه الإكراهات كلها، طلبنا من الطلبة محاولة تبسيط الأمور، فكان ردهم: "لا، أنا غادي يعطيني كلشي دفعة واحدة. رسوبي في مادة واحدة يعني رسوبي في السنة كلها، وإمكانية هذا الرسوب قد تصل إلى 90 في المائة؛ بسبب الضغط وعدم التحضير الجيد. اللهم ننقطع كاع في مرة وما ندخلش".
وحسب تقييمي الشخصي، الحكومة دبرت الملف، بشكل سيء. فلو ناقش البرلمان الموضوع، في شهر أبريل المنصرم، وقمنا بالوساطة، لكان أمامنا وقت لإقناع الطلبة بالرجوع إلى الكليات، وإجراء الامتحانات بالطريقة التي تناسبهم.
الطلبة يعتبرون أن هدف الوزارة، منذ البداية، كان هو الضغط عليهم، ودفعهم إلى مراجعة موقفهم بالقوة، وأقصد هنا جدولة الامتحانات.. ما رأيك؟
الاشتغال تحت الضغط لا يمنح أيا من الطرفين هامشا لإيجاد حل.
كان من الممكن إيجاد هامش للحل، لو بدأنا في حلحلة الأزمة، منذ شهر أبريل المنصرم، وليس الآن.
وللعلم، عرضنا على الحكومة القيام بالوساطة من قبل، قلنا لهم: "أودي هادوك راه طلبة"، لكن لا أحد استجاب لنا.
ما رأيك في اتهامات ميراوي لتنسيقية الطلبة بالتحريض على مقاطعة الامتحانات؟
حتى وإن كان شيء من هذا القبيل، هناك دائما أسلوب للإقناع. مصلحة الطلبة هي أولى الأولويات، لكن الحكومة تعنتت، وكانت تمرر خطابا يفيد بأن هذا قرار سيادي، ولا مجال لأي حديث آخر.
أليست باقي القرارات سيادية هي الأخرى؟ أي قرار هو ذو طبيعة سيادية، ولكن دور الحكومة هو إيجاد سبيل للإقناع. بقاي على قرارك، لكن أقنعي الناس، وأعطيهم البديل.
التكوين الذي يطالب به الطلبة ليس عيبا. الآن، منحوهم حرية اختيار المدة التي يريدونها بخصوص التداريب الاستشفائية، قالك: "دير أخويا حتى 20 ولا 30 شهر ديال السطاج، ونخلصوك كطبيب"، لكن دون تضمينها في الشهادة الجامعية، بل منحهم شهادة التدريب فقط.
كان بإمكان الحكومة اقتراح هذا الحل، مسبقا، لكنها ظلت متعنتة، وأرادت فرض الأمر الواقع، وكانت تتوقع أن الضغط سيخيف الطلبة، فيعودوا إلى الكليات، ويختم المشهد بانتصار الوزير.
لكن هذا لم يحصل، ونسبة مقاطعة امتحانات الدورة الاستدراكية التي فاقت 95 في المائة تقول كل شيء. لقد ضاع المغرب في فوج من الطلبة، ويتحدثون عن خصاص مهول في الأطر الطبية بالبلاد!
الحكومة الحالية ليست حكومة سياسية، لأنها لم تستطع التدبير، وليس فيما يخص هذا الملف لوحده، بل ملفات كثيرة أخرى؛ كأزمة التعليم، وأزمة المحامين.
إنها تتعامل مع أي ملف بأسلوب الضغط. "إلا ضغطت علي مزيان، غنلبي لك المطالب ديالكم، إلا ما ضغطتيش علي، ما كاين والو".
ومع الأسف، الطلبة ما عطلوش شي عمل ولا خدمة للمواطن، بحال التعليم ولا الصحة، باش تلبى ليهم مطالبهم، ولكن هاد الوليدات ضاعوا.
بخصوص التدرايب الاستشفائية، لماذا يرفض الوزير تضمينها في الشهادة الجامعية؟
قالك: "ياك الطلبة باغين غير الجودة في التكوين والجودة، إيوا صافي يتدربوا بهاد الطريقة، أما تدخل فالدبلوم راه هكا ولينا في سبع سنوات".
هناك سبب خفي لا يريدون الإعلان عنه، وهو منع الطلبة من الهجرة، كون الشهادة التي ستمنح لهم ستكون مرفوضة من طرف بعض الدول الأوروبية التي يتم اختيارها بكثرة، كألمانيا مثلا. أندير لك ست سنين في الدبلوم باش ما عندكش فين تمشي.
حتى مسألة القرار السيادي، لديها خلفية مفادها: "ما بغيناش أطباءنا يهاجروا".
ما الذي تمخض عنه جلوس الوزارة مع ممثلي الطلبة على طاولة الحوار؟
يقول الوزير ميراوي إنهم عقدوا 14 اجتماع. وبالنسبة لي، هذا دليل آخر على الفشل الذريع. كيف يعقل ألا تجد حلا بعد 14 اجتماعا؟
ما يمكنش هادشي كلو واقع وما تلقاش الحل، وتقول ليا درت لي علي.
النتيجة هي التي تدل على أنك أنجزت شيئا، وليس عدد اللقاءات.
بالمقابل، نحن كبرلمانيين، استطعنا في ست ساعات، إقناع الطلبة بإسقاط 6 نقاط مطلبية كانت عالقة. لقد تكلمنا معهم، بصرامة ووضوح، حول ما هو ممكن وما غير ممكن.
ما هي طبيعة النقاط الست التي وافق الطلبة على إسقاطها؟
هي أمور هامشية؛ مثلا عدم وجود تمثيلية لطلبة الصيدلة في تمثيليات الطلبة؛ بسبب عددهم القليل (200 طالب)، بالإضافة إلى إجراء الامتحانات في جميع المدن في نفس التوقيت، تجنبا لتسربها.
كان هناك، أيضا، مطلب آخر يخص إعادة النظر في المعدل الذي يخول لك المشاركة في مباريات الولوج؛ حيث طالبوا بتحديده في 14/20 بدل 12/20.
ما الذي يمكن أن نتوقعه بعد كل ما يحصل؟
ستتم التضحية بهؤلاء الطلبة.. لي مدوبل غيخرج من الكلية، والآخرين غيعاودوا السنة؛ ما يعني زيادة في معدل الاكتظاظ، الذي كانوا يشتكون منه، ويشددون على ضرورة تخفيفه. أنا أتساءل: كيفاش غيقريوهم؟
ما السيناريو الذي تتوقعه في الدخول الجامعي المقبل؟
ما يمكنش ملي يدخلوا يدوزوها لهم هكداك. الكثير من الآباء يفكرون، اليوم، في نقل أبنائهم إلى كليات الطب الخاصة، أو تغيير تخصصهم كليا.
أتوقع أن بداية السنة الدراسية المقبلة ستشهد مواجهة قوية بين الطلبة وبين الوزارة.