(حوار).. كيف تتعامل المتخصصة في العلاج الطبيعي مع إصابات الرياضيين وتحديات الإشتغال مع الأندية؟

أمينة مودن

 سلسلة من القصص التي تبدأ من خلف الكواليس، وأخصائيو العلاج الطبيعي من بين أبرز جنود الخفاء في الرياضة،فدورهم لا يقتصر فقط على الإشراف على مرحلة إعادة التأهيل، بل يتمد إلى مواكبة يومية للرياضي، والإشراف على تحسين أدائه البدني، وتسريع مرحلة التعافي.

نهيلة كرام، في سن الـ26 سنة اختارت الاشتغال بشكل كبير مع الرياضيين، وتحديدا لاعبي كرة القدم، من أجل مواكبة تطور إصاباتهم والإشراف على فترة إعادة تأهيلهم.

بالرغم من أنها لا تشتغل بدوام كامل مع أندية البطولة الاحترافية، إلا أن عيادتها أصبحت وجهة لعدد من نجوم الكرة في الدوري المغربي.

وخلال حوارها مع "تيلكيل" تحدثت ابنة مدينة سلا، عن مشوارها الدراسي، وكيف اختارت العمل في مجال العلاج الطبيعي، دون إغفال الشواهد التي حصلت عليها في الشق المتعلق بالاشتغال مع الرياضيين.

من بين التفاصيل التي عاتبت عليها نهيلة مدربي البطولة، هو تخوفهم من التعامل مع مختصة، لاعتبارات وصفتها بالرجعية.

وشددت المتحدثة ذاتها، على أن الكفاءة يجب أن تكون هي المعيار، سواء كان المتخصص رجلًا أم امرأة، مشيرة إلى أنها تشتغل بشكل حُر في عيادتها يوميا مع العشرات من الرياضيين جلهم يمارسون كرة القدم بشكل إحترافي، ولم يسبق لها أن واجهت مشكلة في التعامل معهم.

 في البداية،  كيف دخلت مجال العلاج الطبيعي؟

عندما حصلت على شهادة الباكالوريا في العلوم الرياضية، كان أمام في البداية 3 اختيارات ضمنها الطب والهندسة، لكنتي لم أكن مقتنعة بهاته الخيارات، وضعيت عددا من المباريات لولوج مدارس عليا وكليات متخصصة.

العائلة نصحتني بتغيير التوجه صوب شعبة الاقتصاد، لما لها من آفاق وخيارات مفتوحة، لكن الأمر كان غير مقنعا بالنسبة لي، فجاء تدخلهم من أجل إجراء فحص نفسي، سيساعدني على الحسم في توجيهي الدراسي، بناء على تقييم للوظائف النفسية والمعرفية.

هنا كانت بداية القصة، فقد تم وضع خيار العمل في مجال العلاج الطبيعي أمامي، فبحثت عن الآفاق المتعلقة به، كما جذبني الفضول منذ أول مرة للشق المتعلق بالرياضة وتحديدا كرة القدم.

خلال مباريات كرة القدم، دائما ما نتابع تدخل أشخاص في الملعب خلال إصابات اللاعبين، كنت  التساؤلات دائما مطروحة، من هم هؤلاء المختصون وما دورهم بالضبط، وأقنعت عائلتي بأن هذا التخصص يناسبني.

 لماذا اخترت العمل مع الرياضيين بشكل خاص بالموازاة، مع الحصص العادية  التي تُشرفين عليها مع باقي الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في حركة الجسم؟

هدفي منذ البداية كانت التخصص في مواكبة الرياضيين، فهناك تحديات كبيرة عندما تعمل الرياضي، لتجهيزه للعودة من إصابة أو إعادة التأهيل، وكذلك الشق المرتبط بإعادة التأهيل وتحسين الأداء، والعودة الآمنة للاعب أو الرياضي بشكل عام إلى المُنافسات.

التخصص في الفرع المرتبط بالرياضة، نواجه العديد من التحديات عكس الأشخاص العاديين، حيث يكون العمل على الجانب الوظيفي فقط من حركة الجسم، أم الرياضي فتكون متابعة حالة لمُدة أطول، إلى  حين الوصول إلى تحقيق الأهداف المطلوبة وهي عودته إلى المنافسات بأحسن طريقة ممكنة وخصوصا أمنة.

من الرياضيين، مع من تتعاملين بشكل أكبر؟

حالياً، أشتغل بشكل كبير مع لاعبي كرة القدم، سواء تعلق الأمر بالعادية أو كرة القدم داخل القاعة.

ما هي التقنيات العلاجية التي تستخدمينها بشكل متكرر مع لاعبي كرة القدم؟

بالنسبة للعلاج الطبيعي، لا نستخدم نفس التقنيات العلاجية، حتى وإن تعلق الأمر بنفس الإصابة، لأن لكل رياضي خطة علاجية موجهة خصيصا لاحتياجاته بناء على حالته الصحية وظروفه الخاصة.

ولكي أعطي مثالاً لفهم الأمر، فالتهاب الأوتار الذي يصيب بشكل شائع لاعبي كرة القدم، لا نقوم بمواكبته بنفس البروتوكول العلاجي، كل شخص لديه متطلباته بناء على عدد التفاصيل.

 

ما هي أكثر الإصابات شيوعًا بين الرياضيين؟ وكيف يتم التعامل معها بشكل فعال؟

الإصابات الأكثر شيوعاً، يمكن تقسيمها حسب كل نوع رياضي وطبيعة المجهود البدني المبذول خلاله.

فمثلا رفع الأثقال، الإصابات الأكثر شيوعا بالنسبة لمُمارسيها من الرياضيين هي التهاب أوتار الكتفين، أما كرة القدم، فالأمر يتعلق بالتواء الكاحل، أو تمزق أربطة عظام الكاحل، إضافة إلى الرباط الصليبي الأمامي الذي يُعاني منه اللاعبون بشكل كبير خلال الإصابات.

بخصوص كيفية التعامل مع الإصابات بشكل فعال، النصيحة الأولى التي نعطيها للرياضي، هو الاستشارة الطبية لتشخيص وضعه بشكل دقيق، لأن كل حالة تختلف عن الأخرى، وهو ما يساعدنا على تنزيل نظام التأهيل بشكل يتماشى ووضع الرياضي، كما أن مدة فترة التأهيل تكون أقصر.

 كيف تساعدين الرياضيين في الوقاية من الإصابات المستقبلية؟

العمل على الوقاية من الإصابات المستقبلية، بروتوكول دقيق بالنسبة لنا كمتخصصين في العلاج الطبيعي،   إذ يتم توفير رعاية أو علاج شامل وكامل للرياضي، ضمنها  العادات اليومية والسلوكيات الصحية"l'hygiene de vie".

نقوم بوضع تقييم عاداته اليومية ونمطها، إضافة للشق المتعلق بالتغذية، وساعات النوم والراحة، ونفهم تفاصيل جسمه، فمثلا هناك بعض الرياضيين لديهم مشكل القدم المسطحة، وفي هاته الحالة نعمل على الوقاية من الإصابات التي تُهدد بشكل كبير هؤلاء الأشخاص.

وبناء على تفاصيل جسم كل رياضي، يتم وضع برنامج وقاية من الإصابات المستقبلية، التي قد تُهدده بشكل متكرر، لذا ننصح بالمتابعة الدقيقة وليس الزيارات المناسباتية لعيادة المتخصص في العلاج الطبيعي.

ولا ننسى أن حصص الوقاية من الإصابات، يدخل فيها الشق المتعلق بحصص التعافي بعد المجهود العضلي المبذول من طرف الرياضي، وهنا نحاول أن نوضح مثلا للاعب كيفية الاستماع إلى جسمه، ومعرفة علامات الإجهاد التي يمكن أن تتحول فيما بعد إلى إصابة.

ما هي أبرز التحديات التي تواجهينها في عملية إعادة التأهيل للرياضيين؟

المهم في عملنا، هو الاشتغال مع رياضي منضبط، لأن أبرز تحدي لدى المتخصص في العلاج الطبيعي، التعامل مع شخص لا يتبع التعليمات ولا يقبل الخلود للراحة لتكون عملية التأهيل مثالية.

مثلا في كرة القدم، بعض اللاعبين يصعب التعامل معهم بسبب أنهم وعند الشعور بتحسن إصابتهم مثلاً، يباشرون اللعب في الأحياء أو ما يعرف بـ"MINI FOOT"، هذه الخطوة يمكنها تدمير البروتوكول العلاجي، وتأخير عودة الرياضي إلى المنافسات.

في كثير من الأحيان، اللاعب يحاول إخفاء قيامه بأي مجهود، لكن بناء على التشخيص الدقيق، يظهر بأنه قام بمجهود عضلي وسيتطلب منا العودة إلى نقطة الصفر.

كيف تتعاملين مع الجانب النفسي للرياضيين أثناء فترة التعافي؟ هل تجدين أن الدعم النفسي له دور كبير في العلاج؟

خلال متابعتي لعدد من الحالات،الرياضي بعد إصابته مباشرة يدخل في اكتئاب، لهذا  عملي  كمتخصصة في العلاج الطبيعي يبدأ في هم الحالة النفسية، ثم إشراك الشخص في البروتوكول الخاص بإعادة التأهيل والبرنامج الذي سنعمل عليه سويا.

أقوم بشرح تفاصيل الإصابة وتفاصيل فترة التأهيل أو العلاج، أقوم بإشراك الرياضي في هاته العملية، ونتحدث عن مدة الحصص وطبيعتها وتطور الإصابة، وصولا إلى العودة إلى المنافسات.

الدعم النفسي مهم جداً للرياضي،ـ وعملنا ينطلق بكسب ثقته وتوفير بيئة مريحة، والوضوح، وحاليا اخترت العودة إلى مقاعد الدراسة عبر تخصص علم النفس الذي سيساعدني للتعامل مع الأشخاص وفهم حاجاتهم وتخوفاتهم.

ماذا يميز العمل مع الرياضي مع باقي الأشخاص العاديين؟

الأشخاص العاديين نشتغل معهم إعادة التأهيل الوظيفي، وهي عملية تهدف إلى استعادة الوظائف الحركية أو الجسدية بعد الإصابة أو المرض، من خلال تمارين وتقنيات طبية لتحسين قدرة الشخص على أداء الأنشطة اليومية بشكل طبيعي فقط.

أما الرياضي، فيكون العمل على شق إعادة التأهيل الوظيفي، ثم الشق المُـتعلق بالرفع من الأداء.

هل ترين أن التطور في مجال العلاج الطبيعي واستعمال الآلات،  يُمكن من عودة الرياضي بشكل سريع إلى المنافسات عكس السابق؟

بالتأكيد استعمال الآلات في مجال العلاج الطبيعي يُساعد، شريطة أن نكون حذرين في الشق المتعلق بتوقيت استعمالهم والكيفية، تماشياً مع كل حالة على حدى.

لكن يجب التشديد على أن الآلات ليست الحل السحري، بل المتخصص في العلاج الطبيعي هو من سيتحكم في بروتوكول إعادة التأهيل والأدوات التي يحتاجها، بناء على تشخيص كل إصابة.

كما أن جودة هاته الالات فارقة، فحالياً يتم العمل بشكل كبير بمعدات بجودة رديئة، وهو ما قد يساهم في تفاقم الإصابة وليس العكس.

هل وجدت صعوبات في التعامل مع الرياضيين أو بالأحرى تحديات للتعامل مع هاته الفئة؟

بالعكس، لم أجد صعوبات للتعامل معهم، لأن ما يجمعنا هو الثقة والكفاءة، وأحس بأنني جزء من العائلة،عن طريق الاشتغال اليومي مع عدد كبير منهم، للعودة من الإصابات، وتحسين مردودهم.

وحتى قبل نشر مقاطع فيديو للتوعية عبر "الانستغرام" عن العلاج الطبيعي وأهميته في البروتوكول العلاجي للعودة من الإصابات، اشتغلت مع عدد كبير من لاعبي كرة القدم بشكل حر، إذ بالرغم من تواجد مختصين  في أنديتهم، اختاروا العمل معي وإجراء حصص تأهيل إضافية.

وحتى بعد نهاية حصص التأهيل، لا تنقطع علاقتي بالرياضيين، بحيث أقوم بتقديم المشورة لهم بالنسبة لحالات أخرى تهم إصاباتهم.

هل سبق لك/ أو تفكرين بالاشتغال بدوام كامل مثلا مع أحد أندية البطولة، أم  أن الأمر لازال حكرا على الرجال؟

للأسف، من الصعب على المتخصصة في العلاج الطبيعي العمل مع أندية كرة القدم بدوام كامل.

 بعض المدربين يرفضون تعيين فتاة في هذا المجال، معتبرين أن ذلك قد يؤثر سلبًا على الفريق، هذا تفكير رجعي بالنسبة لي، فأنا أؤمن بأن الكفاءة يجب أن تكون هي المعيار، سواء كان المتخصص رجلًا أم امرأة.

والتناقض هو أن عدد من المختصين في العلاج الطبيعي، يشتغلون بشكل عادي مع أندية كرة القدم النسوية، و المنتخبات النسوية.

حاليا أشتغل بشكل حر مع الرياضيين في عيادتي، ولم يسبق لي أن واجهت مشاكل معهم.

كما أنني اشتغلت مع منتخب موريتانيا لكرة القدم داخل القاعة، خلال مشاركته الأخيرة بكأس أمم إفريقيا للفوتسال التي أقيمت في المغرب.

بسبب الإصابات وضغط المباريات، تواصل معي المختص الرسمي للمنتخب وهو مغربي، من أجل الالتحاق بالطاقم خلال فترة البطولة القارية.

لقد كانت تجربة غنية بالنسبة لي، والتعامل مع المنتخب الموريتاني مر في أجواء احترافية، كما أن المختص الثاني في العلاج الطبيعي كان من موريتانيا، وأشاد بالتطور الذي يعرفه المجال وتواجد سيدات يشتغلن به في المغرب.