كيف تستحضر المدن هاجسي الحفاظ على الطبيعة والخصوصيات الثقافية مع الانفتاح على الابتكار الذي تتيحه التكنولوجيا اليوم؟ ذلك سؤال سعى خبراء وباحثون إلى مقاربته في المنتدى الدولي حول في ظل التحولات السريعة التي تعرفها المدن.
ونظمت مؤسسة فوسبوكراع المنتدى الحضري العالمي الأول حول "مدينة التحديات" يومي الجمعة والسبت، معتبرة أن استفادة جهة الأقاليم الجنوبية من منصة رفيعة المستوى للتفكير بغية تحديد الآليات الجديدة الكفيلة بتنشيط هذه المناطق والتي تمكن من مواجهة تحديات المدن من خلال الجمع بين الابتكار التكنولوجي وحماية الخصوصيات الثقافية، البيئية، التراثية والطبيعية.
وعمل 44 متحدثا من مختلف التخصصات ومن أكثر من 15 بلدا، على تنشيط حلقات للنقاش وموائد مستديرة حول مفهوم المدينة البيئية-التكنولوجية، حيث تتعايش الابتكارات التكنولوجية مع حماية النظام الإيكولوجي والتنمية المستدامة.
يتطلب التحول السريع للمدن والتحديات الناجمة عن ذلك، حسب المؤسسة، رؤية بعيدة المدى من طرف صناع القرار، والمهنيين، والأكاديميين، وممثلي عالم المقاولات من أجل معالجة تحديات مدينة الغد وتحديد الحلول المستدامة القابلة للتطبيق.
وفي المنتدى، الذي حضره خبراء وجامعيون ومهندسون معماريون، جرى رصد الرهانات المرتبطة بمدن الغد في ظل التهديدات التي تزحف على الطبيعة والتغيرات المناخية وحتى التهديدات الإرهابية.
وأكد المشاركون في المنتدى على أنه لا يمكن الحديث عن مدن مبتكرة، دون أخذ بعين الاعتبار الأبعاد المرتبطة بالطبيعة والمعرفة، حيث شددوا على أن استحضار الطبيعة وصيانتها ضرورة من أجل الحفاظ على منظومتنا.
ويرى أولئك المشاركون في المؤتمر أنه من الضروري البحث عن حلول مستعجلة من أجل محاربة تلوث الهواء والمياه، وفقدان التنوع الطبيعي، حيث أن ذلك يرتهن له الحفاظ على جميع الكائنات التي تعتبر شرطا رئيسيا من أجل حماية النوع البشري.
ويعتقدون أن قدرة المدن على المقاومة في ظل التهديدات التي تحيق بها من تلوث، وفيضانات، وزلازل، تتجلى على مستوى بعض المدن، ليس فقط في اتخاذ تدابير من أجل الحفاظ على الطبيعة القائمة، بل في تطوير الفضاءات الطبيعية وحمايتها.
وقد شددوا على ضرورة الحرص على جودة الطبيعة والفضاءات العمومية، التي تصبح فضاءات للترويح عن النفس، والمتعة واللقاء وتمتين الروابط الاجتماعية، بما يحقق نوعا من الإنصاف في الاستفادة من الفضاءات الطبيعية المتاحة، حيث أن الهدف يتمثل في توفير مدن تغري بالعيش فيها.
وركزوا على بعد آخر يتمثل في استحضار مسألة نشر المعرفة عبر التكوين والبحث، حيث أنه أضحى، في ظل العولمة وتحول الإنتاج الصناعي واشتداد المنافسة، ضروريا خلق فرص للتطور الاقتصادي للمدن.
وذهبوا إلى أن العالم يشهد، في ظل السعي لنشر المعرفة، نوعا من التلاقي بين الجامعات ومراكز البحث في إطار منصات تعاونية مع الشركات.
ويتصورون أن الطبيعة والمعرفة أضحتا مظهرين أساسيين في المدن، حيث تكون المدن المبتكرة مدنا مجددة على المستوى الإيكولوجي والتكنولوجي دون تعارض بين البعدين.
ويشددون على أن المدن يجب أن توفر لساكنتها جودة حياة معممة، عبر بيئة سليمة، ومرونة في تدبير الفضاءات والخدمات، وسهولة في الولوج للعلاجات، وإمكانية للوصول إلى المعلومة بسرعة، واكتساب المعارف في المجالات التي يأملها المواطن.