بشكل مفاجئ وغير واضح، تمّ، أمس الثلاثاء، سحب بلاغ بنك المغرب من موقعه الرسميّ، والذي تضمّن قرارات لمجلسه؛ أبرزها رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 3 في المائة، وتوقعه بلوغ التضخم 5.5 في المائة، خلال سنة 2023، وذلك بعد مدة وجيزة من نشره؛ الأمر الذي طرح عدة تساؤلات، عما إذا كان هناك أيّ مشكل في هذه القرارات المتخذة.
وحسب ما يظهر في الصور أدناه، فإن الأمر غير متعلّق بعطب تقنيّ، بل بعملية سحب متعمّدة للبلاغ من موقع بنك المغرب؛ إذ يظهر في محرّك البحث أنه موجود، لكنّ بمجرّد نقرك على زر الدخول، يتبين أن الصفحة فارغة، رغم أنه تم تعميمه على وسائل الإعلام، قبل أن يتم نشره، مجدّدا، بشكل رسميّ، على الموقع، قبل وقت قصير من نشر هذا المقال.
وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي، هشام بنفضول، في تصريحات لموقع "تيلكيل عربي"، إن "المشكل الذي وقع، البارحة، هو صدور بلاغين؛ بلاغ لبنك المغرب وبلاغ مندوبية التخطيط؛ حيث أفادت هذه الأخيرة أن مؤشر التّضخّم الأساسي في ارتفاع بـ8.5 في المائة، خلال سنة (من فبراير 2022 إلى فبراير 2023)، في حين توقع البنك بلوغ التضخم 5.5 في المائة، خلال سنة 2023".
وأكّد بنفضول: "هُنا يجب أن نحتاط من التواريخ، ونعرف أننا لا نتكلّم عن نفس المسألة. أين يكمن المشكل؟ المشكل يكمُن في أن صدور بلاغات رسميّة، بأرقام متناقضة، سيخلق حالة من الإرباك لدى المستثمرين، والأبناك، ووكالات التصنيف والأبناك الدولية، التي تقرض المغرب؛ إذ سيجدون أنفسهم أمام فارق كبير جدا في الأرقام؛ حيث يصل الفرق، في هذه الحالة، إلى 3 نقاط".
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن "بنك المغرب هُو المؤسسة التي تتكلم عن التضخم؛ حيث يملك الصلاحية للحديث عن كل ما هو ماليّ ونقديّ، لكن ما لدى مندوبية التخطيط هو التّحقيقات والتفاصيل. وحسب الأرقام، التي تضمّنها البلاغ الرسمي للمندوبية، فإن الحسبة ستعطينا، فعلا، نسبة 8.5 في المائة، كما أنها أفادت بأن الرقم الاستدلالي العام هو 9.5 في المائة؛ بمعنى أننا اقتربنا من 10 في المائة، وهو ما يُعتبر كارثة؛ فتجاوز نسبة 8 في المائة يعني الحديث عن تضخّم غير متحكّم فيه، والذي لن نستطيع إيجاد حلّ له، حتى وإن قمنا برفع أسعار الفائدة".
وتابع بنفضول في تصريحاته لـ"تيلكيل عربي": "أضف إلى ذلك، المشادّات الكلامية بين فرق الأغلبية والمعارضة، خلال انعقاد اجتماع لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، أمس الثلاثاء، بحضور الوزيرة نادية فتاح"، والذي كان مخصّصا لتدارس التدابير الحكومية المتخذة، لمواجهة ارتفاع أسعار المنتجات والمواد الاستهلاكية، وحماية القدرة الشرائية للمواطنين.
وأعرب منسق المعارضة، إدريس السنتيسي، عن استغرابه الشّديد من عدم تضمّن الطلبات المطروحة للنقاش، ملفّ مناقشة أسعار المحروقات، الذي سبق أن تقدم به الفريق النيابي للحركة الشعبية بمجلس النواب، منذ فبراير 2022، وكذلك من عدم عقد هذا الاجتماع، في الأسبوع الماضي، حتى يتمكن رؤساء الفرق، خاصّة من المعارضة، من حضوره؛ حيث تزامن عقد الاجتماع المذكور مع تواجدهم، حاليا، في مهمّات رسمية خارج البلاد.
من جهته، رد رئيس اللجنة، محمد شوكي، بأن جدول الأعمال كان موضع اتفاق مع جميع ممثلي الفرق، قبل أن يضطر، في ظلّ ما وقع، لرفع اجتماع اللجنة.
كما أشار الخبير الاقتصادي إلى أن هناك أمرا مهما آخر، تزامن مع صدور بلاغي بنك المغرب ومندوبية التخطيط، هو "التصريحات الصادرة عن القيادي الاستقلالي، والكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين، النعم ميارة؛ حيث ضرب في الحكومة، رغم أنه من الأغلبية، بسبب التهاب الأسعار، والتقصير في معاقبة المضاربين في الأسواق".
وخاطب ميارة حكومة أخنوش، خلال نشاط نقابي، بمدينة السراغنة، قبل أربعة أيام من شهر رمضان، قائلا: "حضيو روسكم، راه ما غنبقاوش ساكتين بزاف. إلا حشمنا حنا حشموا حتى نتوما شوية، الصبر كيدبر".
وفي نفس السياق، تطرّق هشام بنفضول إلى التصريحات الصادرة عن وزير الفلاحة، يوم السبت المنصرم، بخصوص وصول سعر الطماطم إلى 3 دراهم، قريبا، متسائلا: "هل وزير الفلاحة هو من يتحكّم في الأسعار؟ وإذا كان كذلك، علاش مادارهاش، السبت لي قبل من هذا، ولا قبل قبلو؟".
واعتبر الخبير الاقتصادي أن "كل هذه الأحداث المتتالية أحدثت إرباكا كبيرا في المغرب؛ إذ لم نعد نعرف من منهم الصادق ومن الكاذب!"، مشددا على أن "هذه الضبابية هي الشيء الوحيد الذي لا يجب أن يتواجد، بتاتا، في مجال الاقتصاد؛ إذ الكل يتابع هذه الأخبار، ويجب أن تكون المعلومة موثوقة. المشكل الحاصل الآن، هو أن كل المعلومات صادرة عن مؤسسات موثوقة".
وتابع بنفضول: "في ظلّ كل ما حدث، كان يجب على طرف من الأطراف أن يسحب ما صدر عنه، لكن السؤال الكبير هنا، هو من قرّر من سيسحب بلاغه؟ وما يجب أن يكون واضحا بهذا الخصوص، هو أن من اتّخذ القرار ليس بنك المغرب ولا مندوبية التخطيط، بل شخص أكبر منهما معا".
وأضاف الخبير الاقتصادي، في تصريحاته لـ"تيلكيل عربي": "وما لا يجب نسيانه أيضا، أننا خرجنا، للتوّ، من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي "GAFI"، وبدأنا عهدا جديدا في الاقتصاد، كما مازال أمامنا العمل، من أجل الخروج من اللائحة الرمادية للاتحاد الأوروبي، فيما يخصّ التهرّب الضّريبي، هي الأخرى. بنك المغرب ووزارة الخارجية يشتغلان، بجدّ، على الموضوع، لكن معلومات مثل هذه تنسف العملية بأكملها. حاليا، لدينا مشكل ثقة في الدولة وفي مؤسساتها".
واسترسل بنفضول: "هناك مسألة أخرى؛ هي مراسلة شركات المحروقات إلى بنك المغرب، وهذا في حد ذاته مشكل كبير؛ إذ ما هي علاقة هذه الشركات ببنك المغرب، حتى يطلبوا منه الضغط على الأبناك، من أجل التدخل وتسهيل استيراد المنتجات البترولية الروسية، في ظلّ القيود البنكية الأمريكية والأوروبية؟ لقد ارتكبت خطأ فادحا"، موضحا أنه "للأبناك حريتها الخالصة في الاشتغال، ولا يملك بنك المغرب أيّ صلاحية للتدخّل فيها. لماذا، إذن، هذه المراسلة؟ هل وصلت شركات المحروقات لهذه الدرجة من القوّة، حتى يمكنهم مراسلته، بهذا الخصوص، وهو الذي يملك سيادة كاملة على قراراته؟ هنا يختلط ما هو سياسي بما هو اقتصادي!".
يشار إلى أن الرّفع التدريجيّ للدعم الموجّه لمواد صندوق المقاصة، الذي أشير إليه، في بلاغ بنك المغرب، ومدى تأثيره على التّضخّم وارتفاع الأسعار، ليس بالأمر الجديد؛ حيث تم التأكيد على هذا التوجه، مرارا، من طرف الحكومة، منذ إعدادها لمشروع قانون مالية 2023.
وسبق للوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أن صرّح، في أكتوبر 2022، بأن الحكومة سترفع الدعم الموجه لغاز البوتان والسكر والقمح اللين، تدريجيّا، مباشرة بعد اعتماد السجل الاجتماعي الموحّد، وتحديد من يستحقّ الاستفادة من الدّعم المباشر.