أعلنت المندوبية السامية للتخطيط أنه من المتوقع أن يسجل الاقتصاد الوطني نموًا قدره 3.5 بالمائة خلال الربع الأول من عام 2025، استنادًا إلى فرضية تحسن هطول الأمطار خلال فصل الشتاء واستقرار الوضع التضخمي على المستوى الخارجي.
العوامل المناخية والتجارة الخارجية
في هذا السياق، تواصل موقع "تيلكيل عربي" اليوم السبت، مع الخبير الاقتصادي هشام الصالح، الذي أشار إلى أنه للتنبؤ بالنمو الاقتصادي في المستقبل، يجب أولاً تحديد العوامل التي تؤثر على نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي تقدير كيفية تطور هذه العوامل في اتجاهات معينة.
وأشار الصالح، إلى أنه في حالة الاقتصاد المغربي، توجد عوامل داخلية وأخرى خارجية تؤثر عليه. وأضاف أن المندوبية السامية للتخطيط، توقعت أن يشهد النمو الاقتصادي في الربع الأول من عام 2025 تحسنًا ملحوظا، أذ من المتوقع أن يكون أعلى بنسبة 3.5 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، التي كانت فيها نسبة النمو حوالي 2.9 بالمائة، مما يعني زيادة قدرها 0.6 بالمائة، وهو أمر إيجابي للغاية.
وأفاد الخبير، أن المندوبية السامية للتخطيط فسرت هذا الرقم بعاملين رئيسيين يؤثران بشكل كبير على النمو الاقتصادي، حيث يُتوقع أن يكون تطوره مواتيًا. العامل الأول داخلي، ويتعلق بمستوى هطول الأمطار المتوقع في البلاد خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
واستطرد قائلاً: "وبالفعل، نحن في هذا الوقت من العام في منتصف الموسم الزراعي، مما يعني أن ارتفاع مستوى الأمطار يجب أن يسهم في إنتاج محاصيل جيدة. تمثل الزراعة نحو 13% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، مما يجعل للمحصول الزراعي الجيد تأثيرًا إيجابيًا على النمو الاقتصادي".
وأضاف أنه يجب أن نعلم أيضًا أن 16 بالمائة فقط من الأراضي المزروعة في المغرب تعتمد على الري، مما يبرز أهمية وجود مستوى عالٍ من الأمطار لتحقيق إنتاجية جيدة.
ونوه إلى أن المغرب يعتمد بشكل كبير على الصادرات كمصدر رئيسي لنموه الاقتصادي. وفي هذا السياق، تتوقع المندوبية، إلى جانب ما تراه البنوك المركزية الأمريكية والأوروبية، انخفاض معدلات التضخم على المستوى الدولي، مما سيعزز الطلب الخارجي. ومن المتوقع أن تستفيد قطاعات كالصناعات الغذائية، والمنسوجات، وصناعة السيارات من هذا التحسن، الأمر الذي سينعكس إيجابيًا أيضًا على مستوى الطلب المحلي.
وتابع قائلاً: "من جهة أخرى، فإن انخفاض التضخم على المستوى الدولي سيُسهم في تقليص قيمة الواردات، مما قد ينعكس إيجابًا على الميزان التجاري. وفعليًا، فإن تراجع الواردات، بالتوازي مع تحسن الصادرات، سيؤدي إلى تقليص العجز التجاري للمغرب، مما سيُعزز بدوره مستوى النمو الاقتصادي في البلاد".
تحديات وأفق النمو في ظل الأزمات الدولية
في سياق متصل، أشار الخبير إلى أن التأثيرات لا تقتصر على اقتصاد المغرب فقط، بل تشمل جميع اقتصادات العالم، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة وأوروبا، حيث تتأثر هذه الاقتصادات بما يحدث خارج حدودها، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
وأضاف أن أي حرب أو أزمة سياسية، على سبيل المثال، في دولة أو منطقة تعد مصدراً للمواد الخام الزراعية أو الطاقة، لابد أن تترك عواقب سلبية على البلدان المستوردة، في حين سيكون لها تأثيرات إيجابية على البلدان المصدرة لهذه المنتجات.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن من أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، حيث شهدت أسعار الحبوب ومواد الطاقة ارتفاعًا ملحوظًا. وفي المقابل، فإن الوضع الجيوسياسي المستقر مع توقعات إيجابية للنمو الاقتصادي العالمي يكون مفيدًا، خاصة بالنسبة لدول مثل المغرب، التي تتمتع بترابط قوي مع السوق الدولية.
وأوضح أن الأمر نفسه ينطبق على التضخم العالمي، حيث شهد التضخم ارتفاعا حادا بعد أزمة فيروس "كورونا"، مما أدى إلى تباطؤ النمو في العديد من البلدان، فضلاً عن تفجر أزمات سياسية نتيجة لارتفاع الأسعار وتراجع القوة الشرائية.
وتابع قائلاً: "بشكل عام، فإن أي صدمة اقتصادية أو سياسية سلبية على المستوى العالمي ستؤثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي للعديد من البلدان، خاصة تلك الهشة التي تعاني من عجز عام كبير وديون غير منضبطة.
توسيع الصادرات وتعزيز التنافسية الدولية
وفي رده عن سؤال "تيلكيل عربي"، حول كيفية زيادة صادرات المغرب وتحسين قدرته التنافسية على الساحة الدولية، اقترح الخبير مجموعة من الخطوات الفعالة. أولاً، شدد على أهمية زيادة حصة المنتجات ذات القيمة المضافة العالية في الصادرات المغربية، وذلك من خلال التركيز على تطوير المنتجات التي تتمتع بميزات تكنولوجية وفنية.
ثانيًا، أشار إلى ضرورة مواصلة دعم الشركات المصدرة ماليًا عبر تسهيل وصولها إلى التمويل المصرفي، مما سيساهم في تعزيز قدرتها على التوسع في الأسواق الدولية وزيادة حجم صادراتها.
وقال الخبير إن الانفتاح على الأسواق الدولية الأخرى يعد خطوة أساسية، مشيرًا إلى أنه يمكن للمغرب وقال الخبير في النقطة الثالثة: "إن الانفتاح على أسواق جديدة يعد خطوة حاسمة لتعزيز الصادرات وتحسين القدرة التنافسية. يمكن للمغرب أن يوقع اتفاقيات تجارة حرة مع دول ومناطق أخرى، وخاصة في القارة الأفريقية. كما أن الشركات المغربية بحاجة إلى التطلع إلى أسواق جديدة بعيدًا عن القارة الأوروبية، مثل أمريكا اللاتينية وآسيا، مع التركيز بشكل خاص على أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وأشار إلى أن بعض الدول مثل موريتانيا والسنغال بدأت في تصدير النفط، مما سيسهم في تعزيز اقتصاداتها وزيادة الطلب المحلي."
وفي ما يتعلق بالنقطة الرابعة، أفاد الخبير بأن جعل المغرب مركزًا صناعيًا أو خدمياً حقيقيًا للصادرات يتطلب جذب الشركات الدولية الكبرى لاستخدامه كقاعدة خلفية للتصدير إلى باقي أنحاء العالم. وأوضح أن خير مثال على ذلك هو شركة رينو في طنجة والدار البيضاء.
أما النقطة الخامسة، أشار الخبير إلى ضرورة جعل شروط سوق الصرف أكثر مرونة وتزويد الشركات بمزيد من الأدوات لإدارة المخاطر الدولية.
واختتم حديثه قائلاً: "هذه ليست سوى بعض السبل التي ينبغي استكشافها. ومع ذلك، لا يمكن أن تنجح هذه السبل دون إرادة سياسية قوية من جانب الحكومة من جهة، واستعداد من جانب الشركات المغربية لغزو الأسواق العالمية من جهة أخرى".