خبير: الأزمة المائية تتفاقم والمغرب بحاجة إلى حلول فعالة وتطبيق قوانين المياه

خديجة قدوري

بنهاية سنة 2024، بلغت نسبة ملء السدود حوالي 28.47%، مسجلةً زيادة طفيفة مقارنة بالعام الماضي، إلا أن هذه النسبة لا تكفي لمواكبة الطلب المتزايد على المياه، مما يثير القلق بشأن تأثيرات سلبية قد تطال الموسم الفلاحي المقبل.

غياب الحلول الفعالة في مواجهة أزمة المياه

وفي هذا السياق، أفاد محمد بازة، الخبير الدولي في الموارد المائية، أن زيادة معدلات الري في ظل محدودية الموارد المائية ليس حلاً منطقياً أو قابلاً للتطبيق، بل قد يستدعي الأمر التخلي عن الاعتماد على الري إذا لزم الأمر.

وأوضح بازة، أن الإشكالية الكبرى تكمن في عدم استيعابنا بعد، أو ربما رفضنا استيعاب، أن الوضع المائي في المغرب قد شهد تحولاً جذرياً ولن يعود إلى ما كان عليه سابقاً.  وإدراك هذه الحقيقة هو الشرط الأساسي للتكيف مع الواقع الجديد وضمان إدارة أفضل للموارد المائية.

وأضاف قائلاً: "لكننا نظل دائماً في انتظار التساقطات المطرية، إلا أن الوضع الحالي يمثل حقيقة مرة تستوجب التكيف معها. ويجب أولاً التعامل مع هذا الوضع باعتباره واقعاً قائماً، ثم إدارة الموارد المائية المتجددة المتوفرة على هذا الأساس، وبعقلية مستوحاة مما شهدناه خلال العشر سنوات الأخيرة، أو إذا أردنا أن نكون أكثر واقعية، بناءً على الخمس أو الست سنوات الماضية. بعبارة أخرى، المطلوب هو التكيف مع الأزمة المائية الراهنة".

وأشار بازة، إلى أن "الأزمة المائية تفاقمت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، بدءاً من عام 2019 وحتى اليوم، حيث تتزايد حدتها سنة بعد أخرى. وهذا يستدعي منا مراجعة ما قمنا به خلال هذه الفترة، وطرح تساؤلات حول مدى توافق إجراءاتنا مع واقع الندرة المائية، وهل كانت تسهم في معالجتها أم أنها، على العكس، زادت من تفاقمها".

وتابع قائلاً: "بطبيعة الحال، أول ما يتبادر إلى الذهن هو البرنامج الاستعجالي لمياه الشرب والسقي، باعتباره أبرز ما تم اتخاذه في هذا السياق. لقد شهد البرنامج جهوداً ملموسة، لكنه لم يخلُ من إخفاقات، أبرزها التأخير في تنفيذ بعض مكوناته. ورغم أن البرنامج في مجمله كان إيجابياً ولا يزال كذلك، حيث إن وجوده أمر في غاية الأهمية، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا، رغم كل هذه الجهود، لم نتمكن من الحد من تفاقم الأزمة؟ بل إنها تواصل التصاعد حتى هذه اللحظة، مما يجعل الوضع مقلقاً للغاية".

وقال الخبير، إن "ما لاحظته هو أنه لا يوجد ما يدل بشكل واضح على استمرار الأزمة المائية، باستثناء ما يطرحه بعض الأصدقاء أو ما أطالعه في بعض المقالات عبر الإنترنت. ورغم أن الأزمة حاضرة بقوة، إلا أن السياسات والممارسات والأفكار والمخططات والبرامج والتصرفات السائدة توحي بأن الأمور تسير على ما يرام. لكن عندما نتوجه إلى القرى والأراضي الزراعية، نجد أن ندرة المياه واقع ملموس لا يمكن إنكاره".

واستطرد قائلاً: "على سبيل المثال، منذ بداية الأزمة، كنا نسمع عن الوضع الكارثي الذي تعاني منه العديد من الفرشات المائية بسبب استنزافها، وهو ما أكده الوزير في أكثر من مناسبة. ومع ذلك، لم نرَ تطبيقاً للمادتين 111 و112 من قانون المياه. وهذا يثير تساؤلاً مهماً: هل يتم تسييس قضية الماء، رغم أن الملك محمد السادس قد وضع حداً لذلك؟ الأمر يبدو غريباً، إذ أن استنزاف المياه مستمر، بينما القانون يوضح بجلاء ما يجب القيام به، ولكننا لم نتخذ أي خطوات فعلية".

وأضاف أن "هناك مثالا آخر هو أن إجراءات تقنين الماء التي تم الإعلان عنها وتعميمها في البلاد خلال عامي 2022 و2023، حسب ما يبدو لي، قد تلاشت. وكان من المفترض أن تبقى هذه الإجراءات سارية المفعول حتى يتم رفعها بإعلان آخر. ونحن بحاجة إلى تقييم كل ما من شأنه أن يؤثر سلباً على الأزمة المائية، من أجل مراجعة وإصلاح كل ما يمكن إصلاحه، بهدف وقف تفاقم الأزمة أو على الأقل تقليل وتيرتها".

الجفاف الهيدرولوجي وأزمة المياه الجوفية في المغرب

وأفاد بازة أن "الجفاف الهيدرولوجي يؤثر أولاً على مخزون السدود. فعلى سبيل المثال، ما حدث منذ 2021 حتى الآن، حيث في عام 2021، كانت الزراعة المطرية، مثل الحبوب التي لا تحتاج إلى الري، قد حققت رقماً قياسياً في إنتاج الحبوب. إذن لم يكن هناك جفاف زراعي بل كان جفافاً هيدرولوجياً، حيث هطلت الأمطار بشكل متفرق على مدار الموسم وبكميات قليلة، ما لم يؤدِ إلى جريان المياه على سطح الأرض وسيلانها في الوديان. مما نتج عنه ضعف في الواردات المائية لمخزون السدود ذلك الوقت.

وفيما يتعلق بموارد المياه الجوفية قال إن "المسألة تنطبق على مخزون المياه الجوفية أيضاً، حيث يتطلب الأمر أن تتسرب كميات كبيرة من المياه وأن تتساقط الأمطار على مدى طويل لتتم عملية التسرب بشكل فعال. لكي يتم تغذية المياه الجوفية، يحتاج الأمر أحياناً إلى شهور، وفي بعض الأحيان إلى سنوات إذا كان عمق الفرشة المائية كبيرا. وأما إذا كانت الفرشة المائية قريبة من سطح الأرض، فإن التغذية تكون أسرع، لكن كلما كانت أعمق، تصبح عملية التغذية أصعب وقد تصبح غير ممكنة. وأضاف أن إعادة تخزين المياه الجوفية لدينا أصبح ضعيفا جداً خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أشار إليه حتى تقرير وزارة المياه".

ضرورة تطبيق القوانين قبل الترشيد والتوعية في استهلاك المياه

وأفاد بأن "السياسات العمومية يجب أن تتضمن الترشيد والتوعية، وهو ما نشير إليه في كثير من الأحيان. لكن ما هو مهم هو أن الترشيد والتوعية ليسا إلا إضافات ومكملات في تدبير المياه. أولاً وقبل كل شيء، يجب أن تكون تسعيرة المياه تعكس تكلفتها أولا، باستثناء الشطر الأول من الاستهلاك، وأن تكون أعلى بالنسبة للاستهلاك الذي يتجاوز احتياجات الشرب. يجب أيضاً فرض غرامات على الاستعمال المفرط للمياه، كما ينص على ذلك القانون. ومن الضروري تطبيق جميع القوانين المتعلقة بالمياه، وهو ما لا يحدث بشكل فعلي في الوقت الحالي. بعد كل ذلك، تصير فعالية الترشيد والتوعية أعلى".