خبير دولي يشرّح القانون "المكمم للأفواه" وأشكال مقاربة المقاطعة في العالم

عبد الرحيم سموكني

ترك الخبير الدولي في الإعلام والسياسات العمومية نوفل الرغاي المغرب قبل سنوات مستقرا بالولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا في العاصمة واشنطن، بعد أن كان أول مدير ديوان لأول رئيس للهيئة العليا للسمعي البصري أحمد الغزالي، ثم مديرا عاما للهيئة بعدها، كما أنه شغل منصب الأمين العام للجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية.

في هذا الحوار يجيب الخبير والمستشار الدولي في الإعلام والسياسات العمومية، عن تفاصيل عودته للشأن الإعلامي والسياسي بالمغرب، ولو عن بعد، ليفصل في مسألة ضبط أو تقنين الشبكات الاجتماعية ويتحدث عن تجارب عالمية حاولت تقنين الدعوة إلى المقاطعات، كما يثير الانتباه إلى مشروع قانون ثان لم ينل الاهتمام الكامل، الذي حظي به مشروع قانون 22.20، ويتعلق الأمر بقانون حقوق الملكية الفكرية، إذ يرى أنه قانون سيكون مضرا أكثر منه نافعا.

هل أزعجك مشروع قانون 22.20 إلى الحد الذي دفعك إلى كتابة مقال من ألفي كلمة تقريبا؟

مشروع القانون لم يزعجني، فعندما أنزعج تكون إجاباتي مقتضبة! لكنه أثار عندي تخوفات عديدة...

في الواقع، خفت التزاماتي المهنية في الظروف الراهنة بحكم الحجر الصحي وإغلاق الحدود والمطارات، فقررت أن أنضبط لطريقة عيش يومية تحاول خلق توازن بين المجهود الفكري والجسدي والحياة الأسرية، وفي الأيام الأخيرة حياتي الروحية الرمضانية. إلا أنني أتابع دوما أخبار بلادي، من تطور الوضعية الصحية طبعا، وكذلك كل الأمور الأخرى.

حين علمت، من خلال الشبكات الاجتماعية، بمشروع القانون هذا ولم يكن الأمر في البداية سوى الصورة البرتقالية للمواد 14 و15 و18 منه التي أضحى الجميع يعرفها، أصِبت بنوع من الحيرة. ولم يمر وقت طويل حتى توصلت على تطبيق "واتساب" بنسخة من رأي وزارة حقوق الإنسان، وبعده بالنص الكامل لمشروع 22.20 مع مذكرته التقديمية.

عند قراءة هذه الوثائق، غلبت النزعة المهنية ووجدت نفسي منهمكا في دراسة مشروع القانون، مع تدوين ملاحظات عليه والقيام بأبحاث إضافية... ولدى تصفحي للمقالات الصحفية المخصصة للمسألة، لاحظت بأن مبادرة من هذا القبيل يمكن أن تساهم في إغناء النقاش الجاري. ثم إنها فرصة لأساهم إيجابيا، وإن عن بعد وحسب إمكانياتي، في النقاش العام والحيوي ببلدي.

وقد أقنعتني ردود الفعل التي تلقيتها بعد هذا المقال بجدوى هذا العمل، وبالتالي أنوي إعادة القيام به كلما سنحت الفرصة أو دعت الضرورة.

هل هناك موضوع جاهز في الذهن؟

أكيد. بل أكثر من ذلك، أنا الآن أشتغل على موضوع يبدو لي من الأهمية بمكان بالنسبة للحياة الثقافية والفنية ببلادنا. فأثناء أبحاثي الوثائقية تحضيرا لمقالتي حول مشروع قانون 22.20، وبتواتر أحداث وصدف يطول الحديث عنها هنا، وقعت على مشروع قانون 25.19 المتعلق بالمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة. ويعتبر الموقع الالكتروني للأمانة العامة للحكومة وللبرلمان والشبكات الاجتماعية منجما ثمينا للمعلومات لكل من يود المساهمة في النقاش العام والهادف لبلاده.

أول ما أثار انتباهي هو وجه شبه بين هذا النص ومشروع قانون 22.20، إذ لم أجد له أثرا على موقع الأمانة العامة للحكومة، في حين أن بيان اجتماع الحكومة المؤرخ في 14 نونبر 2019 يشير إلى أنه تمت المصادقة عليه مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة بشأنه بعد دراستها والبت فيها. لذلك، لم يتسن الاطلاع على نسخة منه إلا بعد إحالته على البرلمان في فبراير 2020 حين نشر على موقعه الالكتروني. إضافة إلى أن هذا الموضوع يهمني بحكم تخصصي، أثار هذا التشابه فضولي. وحين أمعنت النظر في هذا النص، لاحظت أننا بهذا المشروع قد نزيد في الإضرار بهذا القطاع الاستراتيجي على مدى السنوات القادمة.

حاليا، أقوم بدراسة هذا النص وفي نيتي أن أنشر لاحقا خلاصة تفكيري بهذا الخصوص، لأن هذا النص سيبرمج قريبا للنقاش في البرلمان، وعلى رأس القطاع اليوم وزير جديد شاب لم يكن له دور في إعداد هذه المسودة. يبدو لي إذن أنه بالإمكان المساهمة بجد في إغناء النقاش المقبل، قبل أن تدشن اللجنة المعنية بالغرفة الأولى تدارس هذا النص.

هل يمكن إعطاؤنا نبذة عن ملاحظاتكم؟

دون الدخول في الكثير من التفاصيل، يجب معرفة أن غالبية الدول حررت نشاط تدبير حقوق المؤلف، بما أن شركات تحصيل وتوزيع الحقوق تتشكل من جمعيات، شبيهة في تنظيمها وحكامتها بتعاونيات تمارس نشاطها تحت رقابة الحكومة. والمثال البديهي هنا هو "جمعية كتاب ومؤلفي وناشري الموسيقى" (SACEM) بفرنسا. في نماذج أخرى، من قبيل نموذج المغرب، تحتكر مؤسسة عمومية هذا الاختصاص... للنموذجين، في حد ذاتهما، مزايا ونواقص. ويبقى الأهم، مهما كان النموذج المتبنى، هو السهر على أن يقرر ذوو الحقوق في مصيرهم وفي قواعد تدبير المال الذي يستخلصونه من نشاطهم الخاص، بغض النظر عن السياسات العمومية التي تتخذها الحكومات المتعاقبة وفقاً لأيديولوجياتها واستراتيجياتها.

غير أن مشروع قانون 25.19 يقلل، دون مبرر معقول حسب رأيي، من دور ذوي الحقوق في الهيئات التقريرية للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، مقابل تضخيم دور السلطة الحكومية. حيث أن لا تمثيلية لذوي الحقوق داخل مجلس الإدارة، حسب هذا النص، إلا عبر انتخاب غير مباشر في إطار فئة واحدة من أعضاء مجلس الإدارة، في حين أن الإدارة تعين فئتين، الكل تحت رئاسة السلطة الحكومية أو من يمثلها.

إضافة إلى ذلك، يجب الانتباه إلى أن هذا النص لا يهم الموسيقيين ومهنيي الفنون الدرامية الأخرى (السينما، السمعي البصري، المسرح، الرقص...) فقط. بل هو بالغ الأهمية استراتيجيا لأنه يهم اليوم العالم الرقمي في المقام الأول، حيث يمكن أن يضم بشكل من الأشكال المدونين وأصحاب قنوات على "يوتوب" وكل مبدع لمضامين أصلية على الشبكات الاجتماعية مثلا، مما يشكل تقاطعا طريفا مع القانون رقم 22.20.

في رأيي، ينبغي على الأقل إعادة النظر في نموذج حكامة وإدارة المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة كما هي مقترَحة في تلك المسودة، حتى تتماشى مع روح العصر ومع التحديات الحقيقية للقطاع، وحتى نكف عن "إساءة الضن" مسبقا بالفاعلين المعنيين عبر افتراض عدم نضجهم، مثلما حصل في نازلة القانون رقم 22.20...

لنعد إذن إلى قانون 22.20، كيف تفسرون أن استشارة قبلية للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري كانت ستجنب الحكومة "لبسا جليا"، كما أشرتم  في بداية مقالكم؟

أولا، لابد من توضيح نقطة مهمة: لست مؤهلا اليوم للتكلم باسم الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بأي حال من الأحوال. تحدثت عنها من جهة لأن ظهير إحداثها ينص على مراسلة الحكومة للمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري قصد إبداء الرأي في مشاريع النصوص القانونية ذات الصلة بالاتصال السمعي البصري، ومن جهة ثانية لأني أمضيت فيها سنوات عدة سواء كمدير ديوان الرئيس أحمد غزلي منذ إحداث الهيئة، أو كمدير عام بعد ذلك. بهاتين الصفتين، تعرفت بدقة على الكفاءات المكونة لتلك المؤسسة. كما أعرف ميزة الأشخاص المتواجدين على رأسها اليوم وكذا جزءا كبيرا من أعضاء مجلسها. بعد هذا التوضيح، وللإجابة على سؤالكم، فإني كملاحِظ عن بعد أعتقد جازما بأن استشارة قبلية لـ"الهاكا" كانت ستسمح لمحرري مشروع 22.20 باستيعاب الفرق بين البعد الإداري (الضبط/الضبط المشترك من خلال التعاقد والعقوبات الإدارية) من جهة، والشق الجنائي (القضاء) من جهة أخرى، وتجنب الإحالة على اتفاقية بودابيست، وفهم مدى صعوبة الضبط المشترك مع عمالقة العالم الافتراضي، وبالأحرى حلم إخضاعهم لضبط حكومة وطنية. كما أنهم كانوا سيتنبهون إلى مسألة الفصل بين الصحافيين والمؤثرين من ناحية نظام المسؤولية التحريرية، والذي هو خطأ لأنه يخلق تحريفا لمبدأ المساواة أمام القانون ويضعف النظام برمته نظرا للانمحاء التدريجي للحدود بين هاتين الصفتين في عالم رقمي متحول باستمرار. أخيرا، أكيد أن مثل هذه الاستشارة كانت ستمكن محرري ذلك النص من الإحاطة بمسألة حرية التعبير في إطار المسؤولية، وهو مبدأ ذو قيمة دستورية يوجد في قلب معادلة الضبط والتقنين السمعيين البصريين. على الأرجح، كانت أشغال مصالح المديرية العامة ومداولات المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري ستقدم أيضا إضاءات لمحرري النص بشأن عناصر أخرى ربما رأت من المجدي تناولها.

في نظركم، ما هي جوانب نشاط الشبكات الاجتماعية التي كان ممكنا للنص أن يتطرق إليها لسد الفراغ أو الفراغات القانونية بالمغرب؟

كما تمت الإشارة، لم يكن مفترضا في النص أن يتناول جوانب خاصة جدا لنشاط الشبكات الاجتماعية، ولا أن يقتصر على هذه الجوانب لوحدها. كما لم يكن ينبغي فيه في نظري الخلط بين الضبط الإداري والمقتضيات الجنائية. حيث إن الفراغ القانوني في هذا المجال هو فكرة لا تستند بالضرورة إلى واقع، لأن قانون الصحافة والنشر والقانون الجنائي أبانا عن قدرتهما معا على تغطية أغلب هذه الجوانب. وإذا كان الغرض هو تطوير الترسانة القانونية في هذا الباب، كان من الأجدر القيام بدراسة جادة أو باستشارة واسعة، بل بمناظرة وطنية مخصصة لمسألة ضبط المضامين على الإنترنيت، من أجل تحديد الإشكاليات الحقيقية الواجب معالجتها، وليس فقط الأعراض  الظاهرة، وتحصيل توافقات تمكن جميع الأطراف المعنية من تبني آليات عامة قابلة للتطبيق على مجموع سلسلة القيم الرقمية الوطنية، تحدد من خلالها بشكل واضح أدوار ومسؤوليات الفاعلين (من رواد إنترنيت ومقدمي خدمات ولوج إلى الإنترنيت والدولة).

بما أن مسألة الضبط الإداري تحتاج، على ما يبدو، إلى مزيد من الدراسة، يكون من المحبذ بهذه المناسبة أن تستعرض التجارب الدولية، الأوروبية على الخصوص، خلال السنين العشر الأخيرة، بنجاحاتها وإخفاقاتها، وأن يعمق التفكير في الإمكانية التقنية والقانونية لتدبير مضامين الشبكات الاجتماعية على الصعيد الوطني، وفي إكراهات وحدود هذه المقاربة، وأن ينظر في الأدوار والوظائف التي يمكن للمجتمع المدني أن يضطلع بها... يتعلق الأمر أيضا بالتفكير مثلاً في وسائل العمل على خلق آلية إقليمية للضبط، والانخراط فيها (على مستوى أوروبا وإفريقيا مثلاً)، من شأنها التنسيق بين هيئات الضبط الوطنية ضمن جهاز وازن بشكل يسمح بالتحاور النِدِّي مع الشبكات الاجتماعية الكبرى، وفي نفس الوقت يمكن من كبح جموح هيئات الضبط الوطنية في حالة نزوع أو جنوح نحو السلطوية.

إن المقاطعة هي الإشكالية الأكثر إثارة للجدل داخل مشروع القانون. إذ يرى الكثيرون فيها انتقاما من الذين بادروا إلى تجربة مقاطعة 2018 في المغرب. كيف ينظر إلى مثل هذه الممارسة من الناحية القانونية على المستوى الدولي؟

يتعلق سؤالكم تحديدا بحملات التواصل المنظَّمة للتأثير بالأخص على الاختيارات الاستهلاكية للجمهور. في هذه الحالة، يمكن أن ندرك بالفعل أن هذا يخلق تضاربا، من جهة، بين حرية تعبير منظمي المقاطعة لإقناع الجمهور بالانضمام إليهم، ومن جهة أخرى، القوانين المؤطرة للتجارة الرامية إلى منع التلاعبات الاقتصادية التي تمس بحرية التجارة. وما هذا إلا دليل على أن هذه القضية هي أكثر تعقيدا مما يبدو. الآن، وحسب الدول، إذا أضفنا إلى هذا كله قوانين الاستهلاك التي تكرس حق المستهلك في المعلومة وتؤطر وتحمي أنشطة جمعيات حماية المستهلك، سيرتفع تعقيد المسألة درجات. مع ذلك، فالجواب الأبسط والأقصر، فيما يتعلق بالاجتهاد القضائي في هذا الباب، والذي يبدو لي مشتركا بين هذه الدول، هو أن الدعوة السلمية إلى المقاطعة تدخل في باب الحق في حرية التعبير ما دامت وسائل الدعوة السلمية إلى المقاطعة وغاياتها لا تعتمد التمييز بسبب الأصل أو الانتماء (أو عدمه) إلى عرق أو قبيلة أو أمة أو دين ما أو غير ذلك... غير أن تقبل هذه القاعدة البسيطة في الظاهر ليس بديهيا، بما أن مفهوم التمييز يخضع بدوره لتأويلات شتى حسب كل حالة، يتداخل فيها الاقتصادي بالسياسي. فآلاف الكتب والمقالات الأكاديمية وقرارات المحاكم والمحاكم العليا خصصت لهذه المسألة.

إذن فالأمر يتوقف على الثقافة القانونية لكل بلد على حدة...

في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، أصدرت المحكمة العليا بتاريخ 2 يوليوز 1982 حكما (رقم 18.202) بشأن حملة مقاطعة المحلات التجارية التي يملكها البيض، والتي أطلقت سنة 1966 في ولاية مسيسيبي من قبل الجمعية الوطنية للنهوض بحقوق الأشخاص الملونين (NAACP). كانت تلك الحملة تهدف إلى إجبار أرباب هذه المحلات التجارية على تبني قواعد المساواة في التعامل مع الأشخاص، مهما كان لون بشرتهم. قرار المحكمة العليا هذا يقر بأن أصحاب هذه الحملة السلمية للمقاطعة يتمتعون بحماية التعديل الأول (أي المادة الأولى) من الدستور الأمريكي الذي يكرس حريات التعبير والاجتماع والتجمع وإصدار العرائض، ولا يمكن تحميلهم المسؤولية المدنية عن الأضرار الناجمة عن حملتهم. لكن المعركة القضائية استمرت 16 سنة، مما يثبت تعقد معالجة مثل هذه القضايا. خلاصة القول أنه لا شيء ممنهج في هذه المسألة! فالنقاشات الكبرى في هذا البلد حول الدعوات إلى المقاطعة ترتبط أكثر بالتجارة الخارجية والسياسات الدولية للولايات للمتحدة، حيث ثمة قوانين لتشجيع المقاولات الأمريكية، وأحيانا إرغامها على رفض المشاركة في مقاطعة دول أجنبية لا تخضِعها الولايات المتحدة لعقوبات، بغية كبح محاولات توظيف المقاولات الأمريكية في تنفيذ السياسات الخارجية لدول أخرى. وقد تم تبني هذه المقتضيات ابتداءً من 1976 لمواجهة آثار مقاطعة إسرائيل من طرف جامعة الدول العربية.

حديثاً، في يوليوز 2019، صادقت الغرفة الأولى للبرلمان الأمريكي على إجراء يجرم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، في إطار مشروع قانون أشمل يحدد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. فحركة "BDS" هي حركة دولية تستهدف وضع حد للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عبر الخطوات الثلاثة المكونة لاسم الحركة. إلا أنه في مناقشة هذا القانون والتصويت عليه رفضت الغرفة الأولى ذات الأغلبية الديمقراطية، باسم الحق في حرية التعبير، المصادقة على بند سبق أن صادق عليه مجلس الشيوخ الذي يسيره الجمهوريون، والذي كان يهدف إلى السماح لحكومات مختلف الولايات الأمريكية بفسخ روابطها مع المقاولات المشاركة في حركة مقاطعة التعامل مع إسرائيل.

ماذا عن أوروبا؟

في فرنسا، حيث تتم مقاربة "المقاطعة" ضمن القانون الجنائي من خلال وسائل تطبيقها وما ينجم عنها من عواقب، تم رفع دعوى من هذا القبيل ضد مناضلي حملة "BDS" الذين يدعون في فرنسا إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية. وكانت المتابعات الجنائية تستند إلى الفقرة 8 من المادة 24 من قانون 1881 حول حرية الصحافة، والتي تحيل على التمييز كما نوقش آنفاً. والنتيجة هي أن المسطرة لا تزال جارية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، منذ 2016، قصد البت في مسألة حرية التعبير والحق في الدعوة إلى المقاطعة احتجاجاً على سياسة دولة أخرى.

أخيرا، في بريطانيا، كان على محكمة استئناف إنجلترا وبلاد الغال البت في دعوى رفعتها جمعية رصد حقوق الإنسان اليهودية (Jewish Human Right Watch) ضد بلدية ليسستر التي تبنت قرارا يدعو إلى مقاطعة كل بضاعة قادمة من المستعمرات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية. فجاء القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بتاريخ 3 يوليوز 2018 ليؤكد أن الدعوة إلى مقاطعة منتجات المستعمرات الإسرائيلية هي من حرية التعبير السياسي وليس فيها أي تحريض على التمييز العرقي، خصوصا وأن المجلس البلدي لمدينة ليسستر يعترف، في قراره الذي قاضته جمعية رصد حقوق الإنسان اليهودية، "بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام وفي مأمن من أي إغارة" لكن "تندد بحكومة إسرائيل لاحتلالها غير الشرعي المستمر لجزء من القدس الشرقية والضفة الغربية، ولاستمرارها في مقاطعة قطاع غزة، ولتملكها غير القانوني للأراضي في الضفة الغربية". إذن، فهذه النماذج التي سُقْتها، على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، تسمح بفهم مدى تعقيد هذا النوع من القضايا، التي يُبت فيها حالة بحالة، ولكن كذلك بالتأكيد على أنها لن تجد حلا جذريا وممنهجا في مادة من سطرين ضمن قانون يطمح إلى ضبط استخدام الشبكات الاجتماعية.