خبير لـ"تيلكيل عربي": النقل المؤقت للمياه بين الأحواض لا يكفي لمواجهة تحديات التغيرات المناخية

خديجة قدوري

في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها المغرب في مجال الموارد المائية، يبقى النقل بين الأحواض المائية أحد الحلول الأساسية لتوزيع المياه بين المناطق المختلفة، خصوصًا في ظل الفوارق الواضحة في الواردات المائية بين الأقاليم.

في هذا الإطار، أوضح محمد بازة ل "تيلكيل عربي" أن نقل المياه بين الأحواض يعتبر أمرًا بالغ الأهمية. وأشار إلى أن هذا النقل يساهم في تعزيز التضامن بين المناطق والأقاليم، نظرًا للفوارق الكبيرة في الموارد المائية بين مختلف المناطق. فهناك مناطق تتمتع بواردات مائية وفيرة، بينما تشهد مناطق أخرى واردات متوسطة وأخرى ضعيفة، مما يجعل النقل أمرًا حيويًا في هذه السياقات.

وأضاف أنه يجب أخذ عدة عوامل بعين الاعتبار، أولا، ضرورة التأكد من أن الموارد المائية المنقولة نفسها قابلة للاستدامة. ومن المهم أن تكون المناطق التي تعد مصدرًا لهذه المياه قادرة على الحفاظ على استدامتها لضمان عدم تأثير النقل سلبًا على تلك المناطق.

وأفاد، أيضًا، أنه يجب النظر في الكميات أو النسب المئوية من الواردات المائية في المنطقة التي يتم نقلها إلى مناطق أخرى، مقارنة باحتياجات تلك المنطقة نفسها. فمن الطبيعي أنه إذا كانت المياه مستدامة، أي هناك فائض مائي يمكن نقله، فليس هناك أي إشكال، كما أن نقل قسط من المياه المستخدمة في الري الفلاحي من منطقة إلى أخرى، يصير حتميا لتلبية متطلبات الشرب نظرًا للأولوية التي تحظى بها مياه الشرب في المناطق الأخرى.

واستطرد قائلاً إن الإشكالية الحالية تكمن في نقل المياه من حوضي سبو واللوكوس فقط بينما أحواض أخرى كانت تعرف نقصا في المياه قبل أمطار شهر غشت وبعده. في الوقت الحالي، لا يتم النقل إلى جميع هذه الأحواض بل إلى ثلاث أو أربع فقط. المعضلة تكمن في أن الطاقة الاستيعابية لأحواض اللوكوس وسبو  محدودة، وهذا يمثل تحديًا كبيرًا.

وتابع قائلًا: "من جهة أخرى، أصبحت المناطق الشمالية تشهد، في السنوات الأخيرة، تأثيرات متزايدة من التغيرات المناخية، مما أدى إلى انخفاض الواردات المائية فيها بشكل ملحوظ.

وفي سياق متصل، أشار إلى أنه في ما يتعلق بحوض سبو، الذي كان دائمًا يحتل المرتبة الأولى على الصعيد الوطني في نسبة ملء السدود، أو على الأقل المرتبة الثانية بعد حوض اللوكوس، فإنه منذ عام 2023 تراجع ليصبح في المرتبة الثالثة، ثم الرابعة، واليوم يوجد في المرتبة الخامسة. وهذا يعني أن قدراته المائية بدأت تتراجع، حيث تقلصت الواردات المائية في شمال المغرب، وبالأخص في حوض سبو، خاصة منذ سنوات 2018 و2019.

ورغم أن المنطقة الشمالية كانت تتمتع بفائض مائي في تلك الفترة، كان من المتوقع أن تتأثر أيضًا بالتغيرات المناخية، وهو ما بدأ يحدث بالفعل.

وأضاف أنه إذا أخذنا بعين الاعتبار توقعات التغيرات المناخية وتأثيراتها على الواردات المائية في مختلف المناطق، بما فيها المناطق الشمالية، فإن النقل الذي نعتمد عليه حاليًا يعتبر حلًا مؤقتًا فقط، وقد لا يكون حلاً دائمًا. لذا، يجب النظر في الحلول البديلة بعناية، حيث إن نقل المياه قد تكون له فترة زمنية محدودة أو قد يصبح غير ممكن في المستقبل، ما يستدعي الاستعداد لمواجهة هذه التحديات.

وأشار إلى أنه في ما يتعلق بالنقطة الثانية، وهي التحلية، يجب ألا نعتبرها بديلاً للمياه التقليدية، خاصة في قطاع الفلاحة. فذلك ليس ممكنًا. التحلية هي حل لا غنى عنه، وهي مهمة للغاية، خصوصًا في توفير مياه الشرب وربما لري بعض المساحات الفلاحية الصغيرة. لكن لا يمكن الاعتماد عليها لزراعة مساحات كبيرة، ولا يمكن تصور إعادة تأهيل المساحات المروية السابقة باستخدام التحلية، فهذا أمر غير ممكن.

وقال أيضًا إنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن هناك، كما أشرنا سابقًا، تأخيرا في بناء محطات التحلية. فبالفعل، جميع المحطات المقررة، سواء في الدار البيضاء أو طنجة أو الناظور وعدة مناطق أخرى، لم تكتمل بعد. وبالتالي، يجب تسريع وتيرة بناء هذه المحطات في بعض المناطق، خاصة في الدار البيضاء وطنجة والناظور، على الأقل في هذه الجهات.

وأضاف، في ما يخص المقارنة مع إسبانيا بخصوص عدد محطات التحلية ووتيرة بنائها، أنه لا يوجد مجال لذلك، حيث إن الظروف بين البلدين تختلف بشكل كبير ولا يمكن مقارنتهما. ما يمكن قوله هو أن هناك تأخيرا في بعض المشاريع، وله أسباب يجب العمل على تسريعها، لضمان توفير مياه الشرب للمناطق التي قد تشهد نقصًا في هذه الموارد.

وبخصوص البدائل المتاحة  لتوفير  مياه السقي للمناطق الفلاحية المتضررة، خاصة في ظل منع حفر الآبار  واستمرار الجفاف، قال إنه يجب التفكير في إيجاد بدائل لقطاع الفلاحة نفسه، بدلاً من التركيز على إيجاد بدائل لتوفير مياه السقي في هذه المناطق. فهذه المناطق أولاً متضررة، وثانيًا يتم منع حفر الآبار فيها غالبًا بسبب نضوب المياه الجوفية أو اقترابها من النضوب.

واختتم حديثه قائلاً إنه لا مجال للزيادة في تغطية احتياجات الفلاحة بالمياه الجوفية، حيث إن ما يتم استخدامه من هذه المياه يفوق بكثير  النسبة المتجددة، حيث إنه يستهلك أيضا ثلاثة ملايير متر مكعب في السنة من المخزون  غير المتجدد، إذن، يجب التفكير في بدائل لقطاع الفلاحة في المناطق التي نضبت فيها المياه، كما ينبغي إعادة النظر في مستقبل الفلاحة في المغرب بشكل عام نتيجة الندرة المائية الهيكلية.