في سياق يتسم بالانتعاش بالنسبة لجميع القطاعات الاقتصادية، يسعى قطاع العقار جاهدا لتحقيق الاستقرار، وتجاوز آثار الأزمة الصحية.
وفي الواقع، سجلت التمويلات والمعاملات ارتفاعا في عام 2021، مقارنة بالسنة الماضية، معلنة بذلك عن آفاق واعدة للقطاع، خلال سنة 2022.
الخبير في قطاع العقار، أمين مرنيسي، يسلط الضوء في حوار أجرته معه وكالة المغرب العربي للأنباء، على هذه الآفاق، ويعلق أيضا، على انخفاض مؤشر الأصول العقارية.
انخفض مؤشر أسعار الأصول العقارية بنسبة 3.2 في المائة، فيما ارتفعت نسبة المعاملات بـ32.8 في المائة، في سنة 2021، وذلك حسب بنك المغرب والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية. ما هي قراءتكم لهذه المعطيات؟
تلاحظون أن انخفاض أسعار الأصول يتزامن وارتفاع حجم المعاملات، وهذا ليس من باب الصدفة.
في الواقع، كان عام 2021 مميزا، بمعنى أنه شهد واقعا "هجينا". كان الفصل الأول إلى غاية 30 يونيو 2021، على وقع التحفيزات الضريبية، مع تخفيض رسوم التسجيل بنسبة 50 في المائة، في حالة اقتناء عقار سكني لا يتجاوز سعره 4 ملايين درهم، والإعفاء التام من هذه الرسوم، في حال اقتناء سكن اجتماعي.
من هذا المنطلق، شهد النصف الأول من سنة 2021، دينامية لسوق العقار، بالنظر إلى الإعفاء من الرسوم. بينما شهد النصف الثاني من العام، حالة من الركود. لكن الحصيلة كانت على العموم إيجابية. وقد تأتى ذلك أيضا، بفضل التغييرات في الأسعار التي أجراها المنعشون العقاريون، الذين أبانوا عن تبصر ونضج، للتكيف مع حاجيات السوق.
كما أن الرغبة في التخلص من حظيرة المساكن في متم السنة، ساهمت أيضا، في التراجع الملحوظ لأسعار بعض أنواع السكن.
ارتفعت المعاملات السكنية بنسبة 26.1 في المائة مع انخفاض الأسعار بنسبة 4 في المائة. هل يمكن أن نستشف من هذا أن الأمر يتعلق بانتعاش جديد؟
بادئ ذي بدء، يمكن أن نتحلى بالأمل على اعتبار أنه في نفس فترة تفشي الوباء، عندما كان التهديد يطال الاقتصاد والتشغيل، فضلا عن التهديد الأكيد للقدرة الشرائية للمغاربة بشكل عام، فإن رغبة هؤلاء في امتلاك السكن لا زالت حاضرة.
الأرقام التي ذكرتها تؤكد هذا المعطى، وعلى ضوء هذه المعطيات يجب أن ننظر أيضا، إلى سلوك الشراء لدى المغاربة. فوجود الحافز هو ما يدفعهم للإقبال على اقتناء السكن، سواء تعلق الأمر بحافز ضريبي، أو ذي صلة بالسعر المطلوب. وفي ظل غياب أي حوافز تذكر، يقررون تأجيل عملية الشراء.
هذا السلوك يبدو منطقيا وواقعيا، لاسيما في فترة الأزمة. لكنه غريب في نفس الوقت، على اعتبار أن السوق يجد نفسه محكوما بمنطق التكلفة/الفرصة الذي يحدد جودة أدائه، أو على النقيض، تباطؤه. لذلك، فالحديث عن وجود تعاف حقيقي يعد مسألة سابقة لأوانها.
من هذا المنطلق، فإنه إذا كانت سنة 2021 شهدت انتعاشا بفضل المعطيات التي أوردتها سابقا، فإن سنة 2022 لا تتضمن أي عنصر جديد في قانونها المالي على وجه الخصوص، وستشكل بالتالي اختبارا حقيقيا.
ماذا عن الأصول العقارية المستخدمة لأغراض مهنية، التي انخفضت أسعارها بنسة 4.3 في المائة، وارتفعت معاملاتها بنسبة 45 في المائة؟
تعكس الدينامية التي يشهدها السوق المتعلق بالأصول العقارية المستخدمة لأغراض مهنية، إلى حد كبير، الوضع الاقتصادي الصحي للبلاد.
من الواضح أنه على الرغم من الأزمة الاقتصادية وعدم اليقين السائد منذ سنة 2020، أظهر اقتصادنا نوعا من الصمود؛ حيث فقدت العديد من الوظائف، وأعلنت عدة مقاولات إفلاسها. لكن رغم ذلك، حافظ الاستثمار، لاسميا الرغبة في الاستثمار، على توهجه. وتم في السياق ذاته، إحداث العديد من المقاولات الجديدة، وتوسيع أنشطة أخرى متواجدة.
كما فتحت آفاق جديدة في وجه سوق العقارات المستخدمة لأغراض مهنية، في ظل أزمة "كوفيد-19"، ومكنت هذا السوق من تعزيز نموه مع منحى التراجع النسبي للأسعار، ما ساهم في تعزيز جاذبية هذا السوق، وتحقيقه معدل نمو جيدا للغاية.
كيف تقيمون آفاق قطاع العقار بشكل عام هذه السنة؟
إذا افترضنا أن السوق ينتظر إشارات، وليس منذ العام الحالي 2022. فانتهاء المقتضيات المتعلقة بالسكن الاجتماعي المدعم يضفي نوعا من الشك بالنسبة للفاعلين في القطاع.
ماذا عن بديله؟ الجميع ينتظر منتجات جديدة مؤطرة جديدة، في مقدمتهم المستهلك. لازال هناك نقص لاسيما بالنسبة للعقارات المتوسطة التي يتراوح سعرها بين 500 ألف ومليون درهم، فالسوق في حاجة ماسة إلى هذا النوع من العقارات، فأين هي؟
يمكن للفاعلين بذل جهود على مستوى الأسعار، لكن إلى متى؟ لكن في الوقت الذي ينتظر المستهلك، يتوجب أيضا، أخذ مسألة الجودة والآجال بعين الاعتبار.
المعادلة صعبة ومعقدة. لكنها مع ذلك ممكنة. ويتعين على السلطات العمومية تنظيم مناظرة حول العقار، لإعطاء المهنيين الرؤية والثقة الضرورية، ومنح الأمل لآلاف الأسر التي لا تطلب سوى الاستثمار في مسكن.
كما ينبغي دعم القوة الشرائية التي تضررت جراء الأزمة، لأنه في حال وجود مساعدة ما، فيتعين أن يستفيد منها المشتري. فالمشتري الذي يلتجئ إلى السوق، سيساهم في انتعاش سلسلة القيم العقارية برمتها.