خفض سعر الفائدة الرئيسي.. خبير اقتصادي: القرار قد يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية

خديجة قدوري

قرر مجلس بنك المغرب، المنعقد يوم الثلاثاء الماضي بالرباط، خفض سعر الفائدة الرئيسي، للمرة الثانية، على التوالي، والثالثة، منذ يونيو الماضي، بما قدره 25 نقطة أساس إلى 2,25 في المائة.

في هذا السياق، قال رشيد حسناوي، الخبير الاقتصادي، في تصريح لـ"تيلكيل عربي" اليوم الاثنين، إن قرار والي بنك المغرب بتعديل سعر الفائدة الرئيسي لا يُتخذ بشكل عشوائي، بل يأتي في إطار عملية مؤسسية دقيقة. إذ يجتمع مجلس بنك المغرب كل ثلاثة أشهر لتحليل التطورات الاقتصادية على المستويين الوطني والدولي بشكل منهجي، وذلك من أجل تكييف السياسة النقدية بما يتلاءم مع المعطيات الراهنة. وتُضفي هذه المراجعة المنتظمة طابعًا متوقعًا ومنهجيًا على هذا القرار، مع مراعاة تقييم آثاره في كل مرة حسب الظرفية الاقتصادية.

وأوضح حسناوي أن هذه القرارات تستند إلى جهاز تحليلي متطور، مدعوم بدراسات وتوقعات اقتصادية، بالإضافة إلى استطلاعات تُجرى من قبل مؤسسات متخصصة مثل المندوبية السامية للتخطيط، والمركز المغربي للظرفية أو من خلال الاستقصاءات القطاعية التي يجريها بنك المغرب نفسه لدى الشركات الصناعية أو التجارية أو المالية.

وأفاد الخبير الاقتصادي بأنه، على سبيل المثال، يأخذ البنك المركزي في الاعتبار، تطور معدل التضخم، ومستوى النمو الاقتصادي​، بالإضافة إلى التوقعات بشأن الطلب الداخلي والخارجي​، وكذلك وضعية سوق الشغل​، وسلوك الائتمان المصرفي​، والمخاطر الجيوسياسية أو المناخية.

وذكر في معرض حديثه أنه على الرغم من أن خفض سعر الفائدة الرئيسي قد يبدو إجراءً مؤقتًا، إلا أنه في الواقع نتيجة لعملية تقنية، مبنية على أسس علمية، تهدف إلى تكييف السياسة النقدية مع الاحتياجات المتغيرة للاقتصاد المغربي.

وأردف قائلا: إن هذا القرار يأتي كرد على تصاعد النزعة الحمائية الأمريكية، التي من شأنها أن تُبطئ وتيرة النمو الاقتصادي العالمي وتُولّد حالة من عدم اليقين سيؤثر على الاقتصاد المغربي عبر قنوات التجارة الخارجية وتدفقات رؤوس الأموال، فالبنك المركزي اعتمد سياسة نقدية تتسم بالمرونة كإجراء استباقي، بهدف التخفيف من آثار هذه الصدمات الخارجية، وتحفيز الطلب الداخلي، والحفاظ على دينامية نمو الاقتصاد الوطني.

تأثيرات على الاستهلاك والاستثمار

وفي معرض إجابته عن سؤال يتعلق بأبرز التأثيرات الاقتصادية المتوقعة لخفض سعر الفائدة الاقتصادي والتشغيل في المغرب، خاصة في ظل الظرفية الاقتصادية الحالية، قال إن قرار البنك المركزي المغربي بخفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس يمثل تيسيرًا في سياسته النقدية.

 وأشار إلى أن سعر الفائدة الرئيسي يعتبر الأداة التي من خلالها يؤثر البنك المركزي على تكلفة الائتمان للبنوك التجارية، وبشكل غير مباشر على الأسر والشركات. ويهدف هذا التخفيض عادةً إلى تحفيز النشاط الاقتصادي، خاصةً في سياق تباطؤ النمو الاقتصادي.

وتابع حديثه، قائلا: أولاً، يؤدي خفض سعر الفائدة الرئيسي إلى تقليل تكلفة إعادة التمويل للبنوك التجارية. وبالتالي، يمكن لهذه البنوك تقديم قروض بأسعار فائدة أقل، مما يسهل الوصول إلى التمويل للأسر والشركات. وبطبيعة الحال يعزز هذا التحفيز الائتماني استهلاك الأسر والاستثمار الخاص، ما يؤدي نظريًا إلى زيادة في الطلب الإجمالي، وبالتالي تسريع النمو الاقتصادي. في سياق يكون فيه نمو الناتج الداخلي الإجمالي ضعيفاً، كما هو الحال اليوم بالنسبة لبلادنا، يمكن أن تُعيد هذه الخطوة تنشيط الديناميكية الاقتصادية على المدى القصير.

وأوضح أنه بالنسبة للأسر، وخصوصا الطبقة المتوسطة، سيؤدي خفض أسعار الفائدة إلى خفض تكاليف الاقتراض، مما قد يحفز استهلاك بعض السلع التي تتطلب تمويلا بنكياً، مثل السيارات أو العقارات. ويمكن أن يدعم هذا الارتفاع في الاستهلاك بدوره الطلب الداخلي. وحتى بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين الذين لديهم قروض بسعر متغير سيستفيدون من هذا الإجراء.

تأثيرات على التجارة الخارجية وإنتاج المزيد من التضخم

وعلى صعيد آخر، أبرز كنقطة ثانية، أنه قد يؤدي خفض سعر الفائدة الرئيسي إلى تأثير غير مرغوب فيه يتمثل في انخفاض قيمة العملة الوطنية، أي الدرهم، بسبب انخفاض جاذبية الأصول المغربية للمستثمرين الأجانب. مضيفا أنه صحيح أن انخفاض قيمة الدرهم يمكن أن يحسن تنافسية الصادرات المغربية، ما يجعل المنتجات الوطنية أقل تكلفة في الخارج، وهو أمر مفيد بشكل خاص للقطاعات الموجهة نحو التصدير، مثل النسيج والملابس، وبدرجة أقل الصناعات الغذائية. ولكن، قد يؤدي ذلك أيضًا إلى زيادة الضغوط التضخمية من خلال ارتفاع تكلفة الواردات.

وأشار الخبير ذاته  إلى أن تأثير هذا القرار سيكون، حسب رأيه، محدودًا جدا. لأن الاقتصاد المغربي تواجهه مشكلات هيكلية كالبطالة المرتفعة التي تتجاوز 20 بالمائة، وضعف إنتاجية عوامل الإنتاج، وعدم اليقين الجيوسياسي. علاوة على ذلك، في سياق تضخم مرتفع، قد تُعقِّد مثل هذه الخطوات السيطرة على الأسعار، حتى لو أن البنك المركزي أخذ هذه المخاطر في الاعتبار قبل هذا التدخل.

وفي سياق رده على سؤال حول ما إذا كان هذا القرار كافيا لتحفيز الاستثمار والاستهلاك أم إن هناك حاجة إلى إجراءات موازية لدعم الاقتصادي، قال الخبير إن سعر الفائدة الرئيسي يعتبر ضروريًا، ولكنه غير كافٍ بمفرده لتحقيق انتعاش مستدام للاقتصاد المغربي. في الواقع، على الرغم من أن هذه الخطوة ستحفز الائتمان، والاستثمار، والاستهلاك، إلا أنها قد تؤدي أيضًا إلى آثار جانبية مثل زيادة التضخم، وانخفاض قيمة الدرهم، أو سوء تخصيص الموارد إذا لم يكن الائتمان موجهًا بشكل صحيح.

وعقب على ذلك قائلا: يجب أن يكون خفض سعر الفائدة الرئيسي جزءًا من استراتيجية ماكرو-اقتصادية متماسكة ليكون فعالًا ولتجنب آثاره السلبية.

ولفت الانتباه إلى أنه من بين التدابير المصاحبة الأساسية، يمكن التركيز على سياسات مالية مستهدفة من خلال استثمارات عمومية موجهة نحو البنية التحتية المادية، وغير المادية، وخاصة التكنولوجية، التعليم، والصحة إلخ.. وذلك من أجل دعم الطلب الداخلي وتشغيل الشباب.