خمريش: زيارة الرئيس الصيني تفضيل للمغرب على الجزائر ورسالة مشفرة إلى أمريكا

بشرى الردادي

أثارت الزيارة القصيرة لشي جين بينغ، رئيس جمهورية الصين الشعبية، إلى المملكة المغربية، ليلة أمس الخميس، الكثير من التساؤلات حول الأبعاد الإستراتيجية الكامنة وراءها، خاصة في ظل التنافس الاقتصادي الصاعد بين القوى العظمى، وإعادة التموضع الإستراتيجي في المنطقة.

وفي هذا الصدد، حاور "تيلكيل عربي" عز الدين خمريش، أستاذ العلاقات الدولية، لكشف ما تحمله هاته الزيارة في طياتها، وهل باتت الصين قريبة من الاعتراف رسميا بمغربية الصحراء، وكيف ستدبر المرحلة الجديدة في علاقتها مع الجزائر، في ظل قربها المتزايد من المملكة، والرسالة التي تريد بعثها إلى منافستها أمريكا.

في نظرك، هل السبب وراء الزيارة هو مجرد الحاجة إلى الراحة والإمداد بالوقود، أما أنها تحمل ما هو أبعد من ذلك؟

العلاقات بين المغرب والصين جيدة وتبعث على الارتياح. وبالتالي، فإن زيارة الرئيس الصيني إلى المملكة تحمل أكثر من دلالة ورمزية. أعتقد أنها ليست زيارة راحة أو محطة شكلية، بقدر ما هي زيارة تشكل فرصة لمناقشة مجموعة من القضايا المتعلقة بمصالح البلدين الأساسية، خاصة في هذه الفترة بالذات.

هي، بالفعل، زيارة غير رسمية وغير متوقعة، ولكنها تحمل مجموعة من الأبعاد السياسية والاقتصادية. فاختيار شي جين بينغ لأن يتوقف بالمغرب اعتراف بأنه بلد صديق وشريك وموثوق فيه.

الرئيس الصيني يريد أن يبعث برسالة مفادها أن بلاده مستعدة للجلوس مع المغرب للاتفاق على مجموعة من الملفات الاقتصادية، التي يمكن للطرفين الاستفادة منها.

نحن نعرف أن التهافت الصيني على إفريقيا يجب أن يمر عبر المغرب. ولهذا، فإن زيارة شي جين بينغ تحمل في طياتها إشارة إيجابية من الصين حول استعدادها للتعاون مع المملكة، وللتعويل على دخولها في شراكات مع الصين؛ ما سيفتح في وجهها أبواب السوق الإفريقية، خاصة ونحن نعلم أن العملاق الصيني في منافسة شرسة مع أمريكا في هذه البقعة الجغرافية بالذات.

كما أن الصين لا يمكن أن تعول على أي دولة في إفريقيا لحماية مصالحها الاقتصادية غير المغرب، خاصة وأنه تغول كثيرا في دول القارة، وبات له موطأ قدم داخلها.

ونحن نتحدث عن الدلالات السياسية.. هل يمكن توقع اعتراف صيني رسمي بمغربية الصحراء؟

الصين دائما ما تعترف بالوحدة الترابية للمملكة، ولم يسجل التاريخ السياسي، يوما ما، أنها وقفت ضدها أو شككت فيها.

لكننا نتحدث هنا عن اعتراف صريح، وفتح قنصلية صينية في الأقاليم الجنوبية...

فتح قنصلية من عدمه يدخل في إطار القانون الدبلوماسي والقنصلي، لكن مواقف الصين دائما ما كانت إيجابية تجاه الوحدة الترابية للمملكة المغربية. فهي تشجع على وحدة الدول، وتقف ضد الطرح الانفصالي؛ لأنها تعاني، بدورها، من هذا المشكل.

فقط من أجل تأكيد موقفها وثباته، يمكن للصين، مثلا، أن تعلن، في القريب العاجل، عن اعتراف رسمي بمغربية الصحراء، وتجسيد ذلك بافتتاح قنصلية ذات طابع اقتصادي أو تجاري، كما فعلت أمريكا، في الأقاليم الجنوبية.

هل يمكن اعتبار أن الصين تحاول تجنب المواجهة المباشرة مع الجزائر، من خلال تعاملها، بشكل حذر، مع ملف الصحراء المغربية؟

في العلاقات الدولية، ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم. الصين، اليوم، تبحث عن مصلحتها الاقتصادية. لذلك، ستدافع عنها بعقد مجموعة من الشراكات والاتفاقيات مع المغرب، بعيدا عن علاقتها مع الجزائر.

من جهة أخرى، الصين بلد مستقل في رسم سياسته الخارجية. وبالتالي، فهي لا تعير أي اهتمام لا للجزائر ولا لغيرها، إذا ما أرادت أن تذهب بعيدا في علاقتها مع المغرب، خاصة وأنه لا يمكن مقارنته مع البلد الجار. فالمملكة دولة مسؤولة ومصدر ثقة لدى القوى الاقتصادية العالمية، في حين أن النظام الجزائري نظام عسكري مبني على ردة الفعل وزرع الفتنة والأزمات في المنطقة، وهو الأمر الذي تعيه الصين، جيدا. وبالتالي، لا يمكن لها أن تتخذ أي موقف سلبي اتجاه المملكة، سواء كان ذلك سوف يشنج العلاقات مع الجزائر أو مع غيرها، خاصة وأننا نعلم أن الصين ليست في حاجة إلى هذه الأخيرة، فهي ثاني قوة اقتصادية في العالم، وسياستها لا ترضخ لأي ضغوطات يمكن للجزائر أن تقوم بها في هذا السياق.

الصين معروفة بإتقانها للرموز، هل يمكن اعتبار هذه الزيارة رسالة محسوبة إلى أمريكا، خاصة مع فوز دونالد ترامب؟

يمكن أن نسجل أن الصين تريد أن تبعث برسالة مشفرة إلى أمريكا؛ مفادها أنها ستضع رجلها في منطقة شمال إفريقيا كبوابة للقارة.

من جهته، تقوم سياسة المغرب الخارجية على تنويع الشركاء، والتعامل مع الجميع في إطار المحافظة على مصلحته الوطنية ومصالحه الاقتصادية.