ذكرت دراسة منشورة ضمن عدد شهر يناير من مجلة "ليكسوس" أن انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية، وما تبعه من عزلة دبلوماسية، اعتبر مؤشرا واضحا عن وجود خلل في علاقاته مع الدول الإفريقية، وهو ما كان يتعين تجاوزه بنهج سياسة إفريقية مختلفة ترتكز على التعاون، بأشكال مغايرة تتجاوز مخلفات المرحلة السابقة.
وفي هذا السياق، أفادت الدراسة المعنونة بـ"سياسة المغرب الإفريقية وتأثيرها على موقف الدول الإفريقية من نزاع الصحراء المغربية.. دراسة تاريخية تقييمية" بأن المغرب قام بنهج سياسة إفريقية يمكن وصفها بأنها أكثر براغماتية، لم يعد فيها الموقف من قضية الصحراء هو المحدد الوحيد لتعريف شركاء المغرب. وبالتالي، تميزت هذه المرحلة بانفتاح المغرب على شركاء جدد. كما تم تكثيف قنوات الاتصال مع الدول الإفريقية، في محاولة من الدبلوماسية المغربية لتجاوز غيابها عن منظمة الوحدة الإفريقية.
تحييد قضية الصحراء في العلاقات المغربية الإفريقية
وسجلت الدراسة أن الوضعية الصعبة التي عرفتها الدبلوماسية المغربية، خلال هذه الفترة، وما نتج عنها من انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية، كانت دافعا له لإعادة النظر في مضمون سياسته الإفريقية، من خلال تبني رؤية استراتيجية أكثر واقعية ومبنية على التعاون مع جميع الأطراف، وتحييد قضية الصحراء التي لم تعد المحدد الوحيد للعلاقات المغربية الإفريقية.
وأوضحت أن بداية هذا التغيير في سياسة المغرب الإفريقية كانت بتقديم المغرب لهبة مالية بمبلغ 10 ملايين دولار لفائدة دول الساحل الإفريقي، التي كانت تعاني من توالي سنوات الجفاف. وبخلاف توجهاته السابقة، لم تشترط الحكومة المغربية عدم حصول الدول المعترفة بـ"الجمهورية الصحراوية" على جزء من هذه المساعدات. وبالتالي، استفادت منه حتى الدول الإفريقية التي كانت مواقفها سلبية تجاه المغرب. وبذلك، يكون المغرب قد سجل أول تنازل عن مبدأ كان راسخا في سياسته الإفريقية؛ وهو المقاطعة المطلقة للدول المعترفة بالجبهة.
وفي المؤتمر الذين نظمته الأمم المتحدة حول إفريقيا، سنة 1986، أعلن المغرب عن إلغاء الرسوم الجمركية على وارداته من سلع الدول الإفريقية الفقيرة، والتي تحمل قيمة إضافية محلية، وهو الموقف الذي سيتكرر بعد ذلك بسنوات، خلال عهد الملك محمد السادس، في القمة الأوروبية الإفريقية المنعقدة بالقاهرة، في أبريل سنة 2000؛ حيث أعلن المغرب إلغاء ديونه على الدول الإفريقية الأكثر فقرا، وإعفاء صادراتها نحو المغرب من أداء الرسوم الجمركية.
وبالموازاة مع هذه الإجراءات، سوف تشهد هذه الفترة، أيضا، انفتاح المغرب على العديد من الدول الإفريقية التي كانت علاقاتها معها شبه منعدمة، بسبب طبيعة نظامها السياسي أو الاقتصادي، وموقفها المساند للبوليساريو في نزاع الصحراء. وقد كانت البداية مع أنغولا، كبلد ذو توجه ماركسي ومساند، بشكل مطلق، للأطروحات الجزائرية في هذا النزاع. وقد تم الإعلان عن إعادة ربط العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، في بيان مشترك صدر في 25 يونيو 1985، وفق نفس المصدر.
وأضافت الدراسة أنه في نفس السياق، قام المغرب، أيضا، بإعادة ربط علاقاته الدبلوماسية مع العديد من الدول الإفريقية؛ كالرأس الأخضر، والموزمبيق، والطوغو، والبنين، مسجلة أن رئيس هذه الأخيرة سوف يقوم بزيارة المغرب، في مارس 1991. نفس الشيء سيتحقق مع نيجريا، باعتبارها دولة إفريقية مهمة؛ حيث سيعيد المغرب ربط علاقاته الدبلوماسية معها، عبر فتح سفارة للمملكة بها، ومشاركة وزير الخارجية المغربي في الاحتفالات المنظمة بمناسبة تدشين العاصمة الجديدة أبوجا، في سنة 1991.
ويتبين، إذن، أن المغرب أصبح، منذ انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية، أكثر حضورا داخل إفريقيا. فبتخليه عن اعتبار قضية الصحراء والتقارب السياسي والإيديولوجي والعلاقات الشخصية للحسن الثاني مع القيادات الإفريقية كمحددات لعلاقاته الإفريقية، تمكن من الانفتاح على العديد من الدول، بما فيها تلك التي كانت تساند جبهة البوليساريو، والتي كانت تدعو إلى دخول المغرب في مفاوضات مباشرة مع هذه الأخيرة، وهو ما سيتحقق بلقاء الحسن الثاني مع بعض قيادي هذه الجبهة، بمراكش، في يناير 1989.
وأبرزت الدراسة أن هذه الاستراتيجية المغربية الجديدة تجاه إفريقيا شملت، أيضا، اهتماما متزايدا بالمشاكل التي تعاني منها القارة، وخاصة الحروب والنزاعات الأهلية. وفي هذا المجال، قام المغرب في العديد من الحالات بجهود للوساطة لحل هذه النزاعات، سواء في أنغولا، من خلال التوسط بين الحكومة وحركة أونيتا، أو في التشاد، لوضع حد للحرب الأهلية، في فترة حكم الرئيس حسين هبري، أو عبر إرسال تجريدات مغربية في مهام لحفظ السلام إلى العديد من الدول الإفريقية، التي كانت تشهد حروبا أهلية؛ كالصومال، والكونغو الديمقراطية، وساحل العاج، وفيما بعد في إفريقيا الوسطى. كما توسط المغرب لحل بعض الخلافات بين الدول الإفريقية؛ مثل اللقاء الذي عقد بالمملكة، في فبراير 2002، وجمع رؤساء كل من غينيا، وسيراليون، وليبيريا، من أجل الوصول إلى اتفاق حول منطقة "نهر مانو"، تفاديا لاندلاع حرب إقليمية في المنطقة.
من جهة أخرى، حاول المغرب تغيير صورته النمطية لدى الدول الإفريقية كبلد مساند للقيادات الديكتاتورية، من خلال رفضه تجديد اتفاقية التعاون العسكري والأمني مع رئيس غينيا الاستوائية، تيودور أو بيانغ، والذي وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري، سنة 1979؛ حيث يعتبر من أكثر الأنظمة التسلطية في إفريقيا؛ مما جعل المعارضة السياسية لهذا البلد تستحسن هذه الخطوة، وتعتبر هذا الموقف المغربي نوعا من الضغط على النظام الحاكم للانفتاح نحو التوجه الديمقراطي.
واستنادا إلى كل ما سبق، وفق الدراسة، يتبين أن المغرب عمل، منذ أواسط الثمانينيات، على نهج سياسة إفريقية مغايرة هدفها الأساسي هو إعادة ربط الصلة بالدول الإفريقية، كشرط أساسي لإقناعها بتغيير موقفها من نزاع الصحراء المغربية؛ وهو المسعى الذي كان يتطلب إحداث قطيعة مع ممارسات الماضي وقبول التعاون مع هذه الدول، رغم تباين أنظمتها السياسية وقناعاتها الإيديولوجية وطبيعة موقفها من هذا النزاع، لكن نجاح هذه الاستراتيجية كان رهين البحث عن قنوات جديدة للاتصال، لتعويض عضويته في منظمة الوحدة الإفريقية التي انسحب منها المغرب، وهو الأمر الذي تحقق عبر العديد من المنظمات الدولية الموازية، وأهمها المؤتمر الفرنسي الإفريقي.
القنوات الجديدة للاتصال
وفي ظل الاستراتيجية الجديدة التي انتهجها المغرب في سياسته الإفريقية، باشرت الدبلوماسية المغربية البحث عن قنوات جديدة للاتصال بالدول الإفريقية، والتي مثلت بعض المنظمات الدولية الموازية فرصة لتحقيق هذه الإمكانية؛ لكونها تضم في عضويتها العديد من الدول الإفريقية؛ كالمنظمة الفرونكفونية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الفرنسي الإفريقي.
وشهد دور المغرب داخل منظمة المؤتمر الفرنسي الإفريقي تزايدا ملحوظا، من خلال حصوله على العضوية الكاملة، خلال دورته الـ12 التي انعقدت بباريس، في دجنبر 1985، بعد أن كان المغرب مجرد عضو ملاحظ، منذ سنة 1980. كما شهد مستوى تمثيله، خلال دورات هذا المؤتمر، ارتفاعا متزايدا؛ حيث تولى الملك الحسن الثاني رئاسة الوفد المغربي في جل دوراته، خصوصا تلك التي كانت تحتضنها فرنسا، بعدما كان تمثيل المغرب، من قبل، لا يتجاوز المستوى الوزاري.
وأرجعت الدراسة هذا التحول إلى إدراك المغرب لأهمية دورات المؤتمر الفرنسي الإفريقي، بما توفره من إطار للتحاور مع الأفارقة، وهو التوجه الذي لا يزال مستمرا إلى حدود الساعة.
ويعتبر تنظيم المغرب للدورة الـ15 من هذا المؤتمر، في سنة 1988، تأكيدا للأهمية الكبرى التي أصبح المغرب يوليها لهذه المنظمة؛ حيث عرفت هذه الدورة مشاركة أكبر عدد من القادة الأفارقة بلغ 22 رئيس دولة؛ وهو ما وفر للمغرب فرصة للتواصل مع هذه القيادات، ومناقشة إمكانيات التعاون بين الطرفين. كما تأكد نجاح هذه الدورة في تبني القرار المقترح من طرف المغرب، في دلالة على تزايد المكانة التي أصبحت المملكة تحتلها داخل هذه المنظمة، والقاضي بانعقاد مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء بين دورات المؤتمر، بهدف تنفيذ توصيات الدورة السابقة، والتحضير للدورة الموالية.
كما أشارت الدراسة إلى أن المغرب قام بفتح مجالات جديدة للتعاون مع الدول الإفريقية، في عهد الملك محمد السادس، وخاصة مع دول الجوار؛ حيث انضم، في فبراير 2001، إلى تجمع دول الساحل والصحراء، المعروف اختصارا بتجمع "الصينصاد". هذا القرار كان يهدف، أيضا، إلى سد الطريق أمام محاولات جبهة البوليساريو للانضمام إلى هذا التجمع الإفريقي، خصوصا وأن المعاهدة التأسيسية لهذا التجمع تنص، بشكل خاص، على احترام سياسة الدول الأعضاء ووحدتها الترابية، وعلى منع استخدام تراب أي دولة ضد أي دولة أخرى شريكة.
ومن خلال ما سبق، يتبين أن القنوات الجديدة للاتصال التي اعتمدها المغرب في استراتيجيته الجديدة تجاه الدول الإفريقية مكنته من إعادة ربط الصلة بالقيادات الإفريقية. وبالتالي، مكنته من تجاوز العزلة التي فرضت عليه بانسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية. لكن هذه الإجراءات لم تكن كافية لدفع الدول الإفريقية إلى تغيير موقفها تجاه المغرب، بل كان يتعين على هذا الأخير تعزيز أوجه التعاون المشترك؛ وهو ما سعى إلى تحقيقه عبر مجموعة من الإجراءات الأخرى.
تكثيف التعاون العلمي والاقتصادي مع الدول الإفريقية
وتابعت الدراسة أن إحجام المغرب عن إدراج المحدد السياسي كشرط رئيسي لربط علاقاته مع شركائه الأفارقة ساهم في انفتاحه على عدد كبير منها. وقد كانت تنمية هذه العلاقات وتوسيعها تتطلب من المغرب بذل مجهودات كبيرة للاستجابة لطلبات هذه الدول، خصوصا وأنها كانت تمر بمرحلة انتقالية، وتسعى إلى تحسين أدائها الاقتصادي والرفع من مستوى تكوين مواردها البشرية؛ وهو الأمر الذي كان المغرب مؤهلا إلى القيام به، نسبيا، بعد نجاح تجربته السياسية والاقتصادية، مقارنة بدول أخرى مجاورة، ولمكانته كبلد يتواجد في موقع استراتيجي ويعيش حالة من الاستقرار.
وفي هذا السياق، وبهدف إعطاء بعد جديد لعلاقات التعاون بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، تم إنشاء وكالة التعاون الدولي، سنة 1986، كهيئة تابعة لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، والتي كانت أداة لتنفيذ سياسة التعاون التي ترسمها الحكومة المغربية، سواء على المستوى الاقتصادي، أو الثقافي، أو العلمي.
وكانت أنشطة هذه الوكالة موجهة، في البداية، إلى الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وقد كان إنشائها يستجيب لرغبة المغرب في التخفيف من حدة الإجراءات القانونية والبيروقراطية التي تطبعان سياسة التعاون التي تحددها وزارة الخارجية. وحتى تتمكن هذه الهيئة من القيام بمهامها على أكمل وجه، تم تزويدها بمجموعة من الأجهزة؛ كالجمعية العامة، والمجلس الإداري الذي يتولى تحديد اختصاصات الوكالة ووضع برامج عملها وتتبعها وتنفيذها.
وأضافت الدراسة أن قطاع تكوين الأطر الإفريقية يعتبر أحد أهم الأنشطة التي تقوم بها وكالة التعاون الدولي، من خلال توزيع الطلبة الأفارقة على مختلف الجامعات المغربية، وتوفير محل إقامتهم، عبر إنشاء ما يسمى بالحي الجامعي الدولي، والذي يضمن الإقامة المناسبة لهم؛ مما ساهم في ازدياد عدد طلبات الدراسة في المغرب من قبل هؤلاء الطلبة، والذي شهد ارتفاعا ملحوظا؛ حيث انتقل من 362 طالبا، برسم الموسم الجامعي 1983-1984، إلى 1725 طالبا، سنة 1991. وقد بلغ عدد الطلبة المسجلين في المعاهد والجامعات المغربية، إلى حدود السنة الجامعية 2019-2020، حوالي 12500 طالب.
وإذا كانت مهمة وكالة التعاون الدولي تشمل تنظيم دراسة كل الطلبة الأجانب في المغرب، فإن مجهودها يبقى مركزا على الطلبة المنتمين إلى الدول الإفريقية، والذين تبلغ نسبتهم، سنة 1990، حوالي 85 في المائة من مجموعة الطلبة الأجانب بالمغرب، فيما بلغ عدد الشواهد المسلمة إلى الطلبة الأجانب الذين تلقوا تكويناتهم في المغرب، إلى غاية السنة الجامعية 2020-2019، حوالي 35000 شهادة، من أصل 98 دولة، من بينهم 47 دولة إفريقية.
وتزايد عدد الطلبة الأفارقة بالمغرب، وإن كان يستجيب، بالدرجة الأولى، لرغبة الدول الإفريقية، بالنظر إلى السمعة الجيدة للتكوين العلمي والتقني بالمغرب، فهو، أيضا، فرصة لربط صلات مبكرة بالنخب الإفريقية المقبلة، والتي سوف تطلع بمسؤوليات مهمة على مستوى دولها؛ وهو ما سوف يساعد، بالتأكيد، في تحسين العلاقات بين الطرفين.
كما يشكل المجال العسكري أحد المجالات المهمة للتعاون بين المغرب والعديد من الدول الإفريقية؛ حيث يتم تكوين العديد من الأطر الإفريقية بالأكاديميات العسكرية بالمملكة. كما أن المغرب يمد العديد من القيادات الإفريقية باستشاريين عسكريين وأمنيين، كما هو الأمر بالنسبة للغابون، وغينيا الاستوائية، والطوغو.
وفي مجال العلاقات الاقتصادية، تشير الدراسة إلى أن المغرب بذل جهودا كبيرة للرفع من مستوى مبادلاته التجارية مع الدول الإفريقية، والتي لم تكن تتجاوز، منذ حصوله على الاستقلال، سوى 4 في المائة من مجموع تجارة المغرب الخارجية. وقد بادرت المملكة إلى اعتماد الكثير من الإجراءات للرفع من هذه المبادلات. فبالإضافة إلى إلغاء الرسوم الجمركية على وارداتها من الدول الإفريقية الأكثر فقرا، تم إنشاء العديد من اللجان العليا المشتركة مع العديد من الدول الإفريقية، والتي أوكلت لها مهمة البحث في طرق تنمية المبادلات بين الطرفين، وتذليل الصعوبات التي تحول دون ذلك. ونتيجة لهذه المجهودات، ارتفعت قيمة المبادلات التجارية بين المغرب وإفريقيا، بشكل ملحوظ، منذ سنة 1985، لتصل، سنة 1995، إلى 2,990 مليار درهم.
ومع ذلك، يبقى مستوى التطور في العلاقات التجارية بين المغرب والدول الإفريقية، رمزيا، مقارنة مع مبادلات المغرب التجارية مع الاتحاد الأوروبي، والتي وصلت، سنة 1996، إلى 64,5 في المائة من مجموع مبادلاته التجارية؛ وهو الأمر الذي يفسر بضعف وسائل الربط الجوي والبحري بين الجانبين، وفق نفس المصدر.
وسجلت الدراسة أن مجال التعاون الاقتصادي الذي انتهجه المغرب تجاه الدول الإفريقية، وإن لم يكن هو الدافع المباشر الذي أثر في مواقف الدول الإفريقية، كما يشير إلى ذلك "Thomas de SAINT MAURICE"، فإنه يعتبر سببا حاسما جعل بعض الدول الإفريقية تغير مواقفها من نزاع الصحراء، ويتأكد ذلك من خلال العودة إلى ظروف إعلان هذه الدول لقرارها بسحب الاعتراف بما يسمى"الجمهورية الصحراوية"؛ حيث كان ذلك، في الغالب، أثناء زيارة ممثلين عن هذه الدول للمغرب، والتي تم خلالها إبرام العديد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي والثقافي. فقرار البنين، مثلا، بتعليق اعترافها بالكيان الانفصالي، تزامن مع زيارة بيير أوشو، وزير الخارجية البينيني للمغرب، في مارس 1997، والمقرب من الرئيس البنيني.
وتابعت أنه تم، خلال هذه الزيارة، التوقيع على اتفاقيات للتعاون كانت اللجنة العليا المشتركة قد تدارستها خلال زيارة الوفد المغربي للبنين، في فبراير من نفس السنة. نفس الملاحظة يمكن تعميمها بالنسبة لبعض الدول الإفريقية الأخرى. فالقرار التشادي بتجميد الاعتراف أعلن أثناء زيارة تجيماساطا كابيلا، الوزير الأول لهذا البلد، للمغرب، في ماي 1997؛ حيث تم التوقيع على اتفاقية خلق لجنة مختلطة للتعاون، وبروتوكول للتعاون بين وزارتي خارجية البلدين.
واعتبرت الدراسة أن تزامن التوقيع على اتفاقيات للتعاون بين المغرب وبعض الدول الإفريقية وصدور قرارات هذه الدول الإفريقية بسحب الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية" مؤشرا قويا على أن هذه الدول كانت جد مهتمة بالتعاون الاقتصادي مع المغرب، والاستفادة من خبراته في العديد من المجالات؛ كالماء الصالح للشرب، والصيد البحري. وبالتالي، اعتبر هذا التفوق بالنسبة للمغرب حافزا دفع بها إلى إعادة تقييم موقفها من النزاع. فالحافز الخارجي، حسب بعض الباحثين، هو بالنسبة لصانع القرار، إما مشكلة يجب حلها، أو فرصة يتعين استغلالها.
كما شكلت الزيارات الخاصة والعطل داخل المغرب التي كان يستفيد منها مسؤولو الدول الإفريقية استراتيجية جديدة لتحقيق التقارب بين القيادات الإفريقية ونظرائهم المغاربة، من خلال عقد العديد من الجلسات الثنائية التي كانت تساهم، إلى حد ما، في تقوية هذه العلاقات.
وأشارت الدراسة إلى أن المغرب تمكن من الحصول على مواقف إيجابية من الدول الإفريقية المعترفة بـ"الجمهورية الوهمية" توجت بتقديم المملكة لمبادرة الحكم الذاتي، سنة 2007؛ حيث عرفت العشر سنوات الأولى من حكم الملك محمد السادس (1999 - 2010) تجميد بعض الدول لاعترافها؛ كدولة سيراليون، سنة 2003، ومدغشقر، سنة 2005، وبوروندي وكينيا، سنة 2006، وجمهورية الرأس الأخضر، سنة 2007. كما قررت بعض الدول الإفريقية الأخرى الذهاب بعيدا بسحب اعترافها بالجمهورية الوهمية؛ كدولتي التشاد وملاوي، سنة 2006.
وكانت هناك محاولات داخل منظمة الوحدة الإفريقية من طرف بعض الدول الإفريقية المساندة للطرح المغربي، وعلى رأسهم دولة السنغال، لإنهاء عضوية الكيان الوهمي داخل المنظمة، في سنة 2001، خلال المؤتمر الاستثنائي الذي عقد بمدينة سرت الليبية (الذي تحول فيه اسم المنظمة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي)، وكذلك في سنة 2006، أثناء قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة في غامبيا، وكذلك في سنة 2009، أثناء انعقاد القمة الـ35 للمنظمة الإفريقية بالجزائر؛ حيث حاولت هذه الدول إثارة مشكل بقاء الجمهورية الوهمية داخل البيت الإفريقي، وأوصت بضرورة مراجعة الميثاق المؤسس للمنظمة الإفريقية، لكن كل هذه المحاولات اصطدمت بمعارضة قوية من قبل الجزائر، والتي تتمتع بنفوذ كبير داخلها.
وأشار الأكاديمي المغربي، الحسن بوقنطار، إلى أنه على المغرب، كأولوية ملحة، أن يجتهد في دفع حلفائه داخل الاتحاد الإفريقي (في إطاره الجديد) إلى السعي لتجميد عضوية الجمهورية الوهمية، ومن ثم سيفتح له المجال من أجل العودة إلى المنتظم الإفريقي. لكن الدبلوماسية المغربية اختارت، كأولوية لها، العودة، أولا، إلى الاتحاد الإفريقي، سنة 2017، في قمة أديس أبابا، في انتظار تمكنها من نزع عضوية الكيان الوهمي، في السنوات القادمة، على هامش تزايد تجميد الاعتراف بها، وفتح كثير من الدول القنصليات جديدة بالمملكة، وفق الدراسة نفسها.