دراسة بولاندية تدق ناقوس خطر استنزاف الفرشة المائية بالأطلس المتوسط

تيل كيل عربي

رضوان بنتهاين - متدرب

قامت دراسة حديثة نشرت من طرف الأكاديمية البولندية للعلوم (PAN)، ومعهد التكنولوجيا وعلوم الحياة –المعهد الوطني البولندي للأبحاث (ITP-PIB) في مجلة تنمية الأرض والمياه، تحت عنوان "مراقبة مناطق سهل ݣيݣو المروية بالأطلس المتوسط المغربي فيما بين 1972 و2018 باستعمال تقنية الاستشعار عن بعد"، بدراسة التطورات التي شهدتها منطقة ݣيݣو من حيث المجالات الزراعية المروية مقارنة مع المجالات المطرية من 1972 إلى 2018، مستنتجة بأن المناطق المروية تزايدت مساحتها على حساب المناطق المطرية نتيجة عدة عوامل، من بينها قلة الأمطار وارتفاع عدد سكان المنطقة، كما حذرت من إمكانية استنزاف الفرشاة المائية نتيجة هذا الضغط المتفاقم عليها، مناشدة الحكومة بالتدخل وتفعيل مخططات مستدامة تقوم بأخذ هذا التهديد بعين الاعتبار.

نتائج الدراسة

جاء البحث كمحاولة لتلبية "الحاجة إلى توسيع المعرفة العلمية بخصوص نطاق المساحات الزراعية المروية، والتي (المعرفة) تشكل عنصرا جوهريا لدراسة وتقييم ديناميات الري واستعمال المياه وما بصحبهما من آثار اجتماعية اقتصادية وبيئية"، ووجد بأن المساحة السطحية للمناطق المروية في سهل ݣيݣو بالأطلس المتوسط قد ارتفعت من 699 إلى 3,987 هكتار خلال 3 عقود، "مما أدى إلى إفلاح مجموعة من الأراضي التي كانت في الأصل ذات وظيفة رعوية".

فقام الباحثون بدراسة تطورات الاستعمال الأرضي لمنطقة خاضعة لإقليمي بولمان وإيفران في سهل ݣيݣو (بمساحة 765 كيلومتر مربع)، والتي تمتاز باحتياطات كبيرة من الخزان الجرفي، مع احتمال ضعيف لوفرة المياه السطحية نظرا لعدة عوامل، من بينها قلة التساقطات وعمق الخزانات الجوفية وتباين خواصها.

وتزامن توسع المياه الجوفية، وفق معطيات الدراسة ذاتها، مع انخفاض نسبي لمساحة لأراضي المحاصيل المطرية، بحيث انخفضت هذه الأخيرة من 6,544 هكتار بسنة 1985 إلى 5,635 هكتار بعام 2018.

أما الأراضي الرعوية البازلتية والجيرية، والتي شكلت المساحة العظمى من المنطقة المدروسة، فتراجعت مساحتها بشكل متواصل ب3,240 هكتار و908 هكتار على التوالي في نفس الفترة.

وأرجعت الدراسة هذا النمو إلى التداخل فيما بين عوامل طبيعية من جهة، كتوالي فترات الجفاف ووفرة المياه الجوفية، وعوامل أخرى اجتماعية كالنمو الديموغرافي وانفتاح ساكنة المناطق الجبلية والسياسات التطوعية الحكومية بالإضافة إلى تنمية وتعميم استغلال المياه وتقنيات الري، وهكذا "أصبح سهل ݣيݣو من أهم المناطق المروية بجبال الأطلس المتوسط ومثالا جليا لتطورات الاستغلال الأرضي بالمناطق الجبلية المغربية".

وقسمت الوثيقة الارتفاع في مساحة الأراضي المروية، والتي تجلت نظرا للانخفاض المتواصل لنسبة الأمطار منذ سنة 1970 في تطورات تقنية للنظام المائي الزراعي، إلى 3 مراحل: المرحلة الأولى تمظهرت في توسيع صغير للمناطق المروية حول بعض سدود وادي ݣيݣو أو بعض الينابيع المحلية؛ أما المرحلة الثانية فبدأت مع جفاف سنوات عقد 1980، بحيث اضطر الفلاحون بالاعتماد على المياه الجوفية نظرا لغياب مياه الجريان السطحي، وتميزت هذه المرحلة باعتماد الفلاحين المكثف على الآبار وإدخال المضخات المعتمدة على محركات غازية لاستخراج المياه من الطبقة الجوفية خلال فترة الري بأكملها؛ أما المرحلة الثالثة والأخيرة، فقد تم خلالها التنقيب المفرط عبر الآبار واستبدالها بأحواض احتياطية لمواجهة العجز المائي، "مما أدى إلى انخفاض مرعب لمنسوب المياه الجوفية،" كما شككت الوثيقة في إمكانية استدامة المحاصيل المروية خلال السنوات القادمة.

وأضافت بأنه بالرغم من مساهمة هذه التطورات في استقرار سكان المنطقة وتحسين مستواهم المعيشي، فإن الضغط المتزايد الذي تسببه للموارد المائية الجوفية من خلال الضخ المرتفع والمفرط يحمل في طياته تداعيات كبيرة على المستوى البيئي، مردفة بأن عملية رسم الخرائط – والتي من الممكن أن تكون أكثر دينامية عن طريق وضعها، على سبيل المثال، بشكل سنوي – حول المواضع المروية يشكل من هذا المنظور عنصرا جوهريا لأي تدخل فعال من طرف الدولة، والذي اعتبرته كذلك أمرا "أساسيا من أجل الحفاظ على الزراعة والموارد المائية".

السياق التاريخي

وأفادت المقالة بأن هذه التطورات التي شهدتها المنطقة المدروسة أتت في سياق اعتماد الاقتصاد المغربي على القطاع الفلاحي و"الرهانات المناخية" منذ ستينات القرن الماضي إلى قرابة سنة 1982، مضيفة بأن الخيارات السياسية المتخذة خلال هذه الفترة – والتي اتسمت بهيمنة التنقل الرعوي – غالبا ما استفادت منها المزارع الكبيرة والمتوسطة في المخططات الفلاحية الواسعة النطاق، في حين شددت على أن مناطق الأطلس المتوسط، باستثناء بعض الوديان، "لم تستفيد" من هذه المخططات معتبرة إياها "مثالا نموذجيا للمناطق التي ظلت في الغالب غير مطورة ومنخفضة السكان في مواجهة الهجرة الحضرية المرتفعة الوتيرة".

وأضافت بأن انحدار نسبة التساقطات فيما بين سنتي 1980 و1990، زيادة عن مختلف التجليات الهيدرولوجية للجفاف (مثل جفاف البحيرات والينابيع إلخ) أثرت بشدة على الإنتاج الزراع، وبالخصوص على الأماكن المطرية (وتجلت هذه المآثر في تراجع المحاصيل وتدهور أراض الرعي)، وهو ما دفع السلطات إلى محاربة الجفاف عن طريق برامج ذات "رؤية عامة" في إطار التنمية القروية وتوظيف أنظمة جديدة للإنتاج الزراعي "أقل اعتمادا على الرهانات المناخية".

وأدى ذلك إلى تراجع كل من الانتجاع والإنتاج المكثف للحبوب (الذي هيمن على المنطقة خلال الفترات السابقة) وتزايد نسبة السكان مع دفع المناطق القروية إلى أنشطة زراعية متعددة الأقطاب؛ فتمت إعادة تصميم الأنظمة الزراعية مع بناء آبار واستعمال مضخات تعتمد على محركات من أجل استخراج المياه الجوفية.

وتزامنت هذه المرحلة مع عدة تغيرات، من بينها ارتفاع محاصيل البطاطس وتوسع المناطق المروية من 699 هكتار بسنة 1985 إلى 1.425 هكتار بعام 1998، في حين ارتفعت المناطق المطرية من 6.554 إلى  7.871 هكتار بنفس الفترة، كما عرفت المدن المحلية مثل ݣيݣو وتيمحضيت تعاظم سكاني.

وبدأت تدخلات الحكومة في 1998، والتي سعت إلى تجويد المستويات المعيشية للساكنة والتشجيع على التوطين، والتي تجلت في عدة فعّاليات، من بينها: التنقيب وبناء قنوات الري كجزأين من مخطط المغرب الأخضر الذي انطلق في سنة 2008 وغيره من المبادرات التي ركزت مواردها منذ عام 2006 على التنمية الهيدروليكية، مما أدى إلى توسع في المناطق السطحية المروية قدره 1.293 هكتار؛ إضافة إلى الإعانات الحكومية المكثفة، والتي ارتفع عددها من 179 بعام 2011 إلى 256 بسنة 2016، بالغة بذلك حدها الأقصى في 371 إعانة بسنة 2015؛ كما شهدت هذه الفترة ارتفاع في عدد المستثمرين القادمين من خارج المنطقة.

فوجدت الدراسة بأن مساحة الأراضي ذات المحاصيل المروية ارتفعت من 2.717 هكتار بعام 2010 إلى 3,987 هكتار بسنة 2018، وارتفعت على العموم من 1985 إلى 2018 بنسبة 600 في المائة؛ كما أشارت إلى ارتفاع نسبته 350 في المائة للأراضي المروية في المناطق الأكثر شمالا بالأطلس المتوسط خلال الفترة ذاتها، وهو ما لاحظه الباحثون ذاتهم في سنة 2021 باستعمال نفس تقنيات البحث قيد الوصف، مما يؤكد على  أن الضغوطات على الفرشاة المائية للأطلس المتوسط قد ارتفعت بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة.

منهجية البحث

كما تمت الإشارة سابقا، فقد سعت الدراسة إلى تلبية الثغرات بخصوص المعرفة الدقيقة حول نطاق المساحات الزراعية المروية، وأشارت في هذا الصدد إلى النقص المعرفي حول الري بالرغم من التأثير القوي لهذا الأخير على الإنتاج الغذائي وإدارة المياه، مستحضرة كذالك وفرة الخرائط المرسومة عبر تقنيات الاستشعار عن بعد على المستويين العالمي والإقليمي، والتي تم تسهيل طرق استعمالها من خلال الولوج المفتوح لأرشيفات الأقمار الاصطناعية مثل لاندسات (Landsat) و سينتينيل (Sentinel)، مما فتح المجال لرسم خرائط الغلاف الأرضي على المستويات العالمية والقارية والإقليمية والمحلية.

وصوحبت هذه التطورات بظهور عدد من الخوارزميات لمعالجة واستخلاص المعلومات من هذه الصور، إلا انه بالرغم من تمكنها من الفصل بين المناطق المروية والمجالات الغير المروية، فالقليل فقط من هذه التقنيات الاستشعارية تقوم بتصنيف الري كفئة خاصة، وذلك راجع إلى عدت تحديات طبيعية، مثل تباين مساحات الأراضي المروية وتوزيعاتها المتشتتة، إضافة إلى اختلاف مواقيت الري خلال السنة بسبب العوامل المناخية واختلاف المزارع.

فسعت الدراسة إلى رسم الخرائط والتقييم الكمي للأراضي المروية عن طريق كل من العمل الميداني، والذي تجلى في زيارة ميدانية للقطاعات المدروسة مع دراسة استقصائية للفلاحين من أجل تحديد المناطق المروية وفصلها عن الأراضي الزراعية المطرية، وصور الأقمار الاصطناعية من Operational Land Imager المتواجد داخل قمر لاندسات 8 (Landsat 8) و ( Landsat TM 4-5 (Thematic Mapper إضافة إلى Corona KH-4B و Sentinel-2 لأيام من أعوام 1976 و1985 و2010 و2018، بحيث استعملت الصور الملتقطة من طرف Corona KH-4B ب1976 كنقاط مرجعية لفهم السياق العام للتطورات الأرضية قبل الفترة المدروسة. وبعد اختيار تواريخ الصور تم تحديد الأشهر الأنسب لدراسة المناطق المروية.

وتم تصنيف الصور – باستثناء صور سنة 1976 – باعتماد طريقة الاحتمال الأقصى (بالإنجليزية:maximum likelihood method)، وهي طريقة تعتمد على التعلم الآلي (Machine Learning).

ثم تمت حوسبة دقة صورة عام 2018 باستعمال مصفوفة الإرباك (بالإنجليزية: Confusion Matrix) بحيث تم إنتاج البيانات المرجعية والمعطيات الميدانية في آن واحد.

وهكذا تم انتاج خرائط الاستعمال الأرضي لسنوات 1985 و 1998 و2010 و2018، مع تغشيتها يبعضها البعض من أجل رصد التغيرات الواقعة على مرور هذه الفترات.