دراسة.. تمثلات الخطاب الاحتجاجي لـ"لألتراس" في المغرب وتأثيراته السياسية - الجزء الأول

ألتراس أهلاوي كانت السباقة إلى تبني خطابات سياسية في شعاراتها
تيل كيل عربي

"الألتراس" والخطاب الاحتجاجي، موضوع دراسة أنجزها وأعدها الأستاذ الجامعي والباحث في علوم الاجتماع سعيد بنيس، دراسة تشرح نشأة فصائل التشجيع الكرية في المنطقة العربية وشمال إفريقيا، وتفكك كيف انتقل نشاطها من الاقتصار على التشجيع داخل الملاعب إلى تبني "مواقف سياسية" وتأثير في شرائح واسعة عبر شعارات وأناشيد تجاوز صداها المدرجات.

ويجب الأستاذ سعيد بنيس في هذه الدراسة عن مجموعة من الأسئلة، من بينها:  كيف تؤثر التحولات الاجتماعية على الأشكال الجديدة للاحتجاج في المغرب؟ وكيف يمكن فهم منطق الخطاب الاحتجاجي للألتراس؟

وفي الجزء الأول من هذه الدراسة، التي حصل عليها "تيل كيل عربي" وينشرها باتفاق مع كاتبها، يتناول الأخير المنهجية التي اعتمدها في الدراسة، ويطرح موضوع نشأة الخطاب السياسي والاهتمام به عند "الألتراس".

الأستاذ الجامعي والباحث في علوم الاجتماع سعيد بنيس

بدأ الاهتمام بالخطاب الاحتجاجي لشريحة الشباب التي تنتمي لألتراس  فرق كرة القدم في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط بشكل مباشر بعد انتفاضات 2011 التي شهدتها المنطقة. تجدر الإشارة إلى أن ألتراس مصر شكلت موضوع أولى الدراسات وتم تناولها من زاوية دراسة الحالة لا سيما بعد ترديد أناشيدهم الاحتجاجية خارج أسوار الملاعب ومشاركتهم في التظاهرات الشعبية كتلك التي كانت تنظم أمام السفارة الإسرائيلية والتي على إثرها تم اعتقال أحد أعضاء الوايت نايتس ( Ultras White Knights) (UWK07). كما تناسلت الأغاني الاحتجاجية منها لا للحصر "مش ناسيين التحرير" لمجموعة ألتراس وايت نايتس، وأغنية" 25 يناير قولنا بأعلى صوت" وكذلك أغنية "حرية" و"يا غراب ومعشش" لألتراس أهلاوي. وتم إجمالا مقاربة هذه الخطابات الاحتجاجية في إطار مقولة السياسة المشاكسة (Contentious Politics).

من هذه الزاوية يمكن كذلك قراءة الخطاب الاحتجاجي  في الملاعب على أساس أنه يمثل تحولا مجتمعيا على اعتبار أن التنافس الرياضي في ملاعب كرة القدم أصبح "ذريعة" لخلق موقع جديد ونوعي للفاعلية  (Agency) الاحتجاجية الشبابية. هذا التحول يسائل طبيعة ونوعية الاحتجاج الذي يظهر في الملاعب وكيفية مقاربة هوية المحتجين الجدد (الألتراس) مع الأخذ بعين الاعتبار الدينامية السياسية لكل بلد على حدة والمحددات الاجتماعية والثقافية التي أدت إلى هذه الفاعلية الجديدة التي برزت داخل ملاعب كرة القدم وفهم مضمونها في سياق المواطنة الرقمية الجديدة.

ألتراس مصر شكلت موضوع أولى الدراسات وتم تناولها من زاوية دراسة الحالة لا سيما بعد ترديد أناشيدهم الاحتجاجية خارج أسوار الملاعب

فما هي سياقات هذا الخطاب الاحتجاجي الجديد في أبعاده الاجتماعية والسياسية والثقافية في المغرب؟ كيف تؤثر التحولات الاجتماعية على الأشكال الجديدة للاحتجاج في المغرب؟ وكيف يمكن فهم منطق الخطاب الاحتجاجي للألتراس: هل نحن أمام صيرورة أم دينامية أم تغير أم فوضى أم ارتباك أم انزلاق أم أزمة أم احتباس أو أمام جميع هذه الحالات مجتمعة؟  وماهو دور المجال الرقمي في بناء الخطاب الاحتجاجي؟  ما أشكال السلوكات والتعبيرات الاحتجاجية، وما مستقبل خطاب الألتراس في المغرب؟ للإجابة على هذه التساؤلات سنشرع أولًا في تقديم المنهجية العامة للمقاربة المعتمدة  في الدراسة وثانيا رصد سياق نشأة الألتراس وثالثا توصيف الانتقال من مواقع رياضية إلى مواقع احتجاجية ورابعا تناول وظيفة الفضاء الرقمي  كوعاء لإبداع أشكال جديدة من الاحتجاج  وفي الأخير سنخلص  لاحتجاج الألتراس كمعارضة سياسية من خارج البنيات المنظمة. 

المنهجية العامة للدراسة

 يرمز مفهوم الخطاب الاحتجاجي إلى متن لغوي حجاجي وترافعي يبنى على تراكيب وصيغ بلاغية  ذات وظائف تعبيرية وتواصلية.  يمكن الخطاب الاحتجاجي من إبداع  مفاهيمَ جديدة للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي ورفعها في شعاراتٍ والترويج لها بطريقة مقنعة وبطاقة لغوية محركة. لهذا يشكل الخطاب الاحتجاجي أساس ظاهرة الالتراس. ولفهم  نمط التواصل الاحتجاجي  يبدو ضروريا الإلمام بالبيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي أدت إلى ظهوره وكذلك مدى تأثيره في المتلقي  وقدرته  على بناء وعي ومعنى مجتمعي جديد .

للإلمام بهذا المعنى والوعي الاحتجاجي الجديد ستعتمد الدراسة على فرضية التفاعلية الرمزية عند إيرفين كوفمان  (  Erving Goffman)  التي ترتكز على ثلاث صيغ تشبيهية لتحليل المعنى الناتج عن التفاعلات الخطابية  أولاها مسرحي وثانيها طقوسي وآخرها ترفيهي يحيل على اللعب. بالنسبة لكوفمان هذه الصيغ التشبيهية تمكن من فهم نوعية وطبيعة التفاعلات  المجتمعية التي تمارس في بنية مغلقة وحاضنة لأفراد بعينهم يسميها الكاتب المؤسسة الكاملة (Total institution ). فالتعايش داخل هذه البنية يشبه القيام بأدوار داخل مسرحية وأي خطأ من أحد الممثلين يؤدي إلى فشل التفاعل ويتم اعتباره وصما (Stigmate )  وخروجا عن القاعدة والطقس.  لهذا فالتجارب المجتمعية تخضع لإطارات تحدد التمثلات وتوجه الإدراك وتتحكم في سلوكات والتزامات الأفراد المنضوين في بنيات مغلقة مثل بنية الألتراس. تتميز هذه المقاربة مقارنة بالأبحاث التي تناولت ظاهرة الألتراس بالمغرب على أنها تعتبر الظاهرة خطابية ومدنية وليس نوعا من أنواع العنف  والشغب الشبابي.

تعايش داخل هذه البنية يشبه القيام بأدوار داخل مسرحية وأي خطأ من أحد الممثلين يؤدي إلى فشل التفاعل ويتم اعتباره وصما

فالفرضية الأساسية للجواب على الخطاب الاحتجاجي للألتراس فيما يتعلق بالحالة المغربية تقوم على أن الخطاب الاحتجاجي لم يعد مرتبطا بموقع معين أو تراب محدد، وأن المطالب يتم التعبير عنها عبر خطاب ينهل من فاعلية تشاركية رقمية تتم ترجمتها في مواقع رياضية تم تملكها  كفضاءات احتجاجية  (ملعب كرة القدم). لهذا يمكن في هذا السياق مقاربة الخطاب الاحتجاجي للألتراس من زاوية فرضية التفاعلية الرمزية لكوفمان؛ حيث يعمد الأفراد الفاعلون إلى تنظيم تفاعلاتهم مع المجتمع من خلال "مسرحة" توزع فيها أدوار بعينها تمكن من بناء المعنى الجماعي للخطاب.

ولأجرأة هذه الفرضية تم الاعتماد على مقاربة سوسيولوجية  تمتح من المنهج الوصفي التحليلي وأدوات منهجية كيفية مبنية على أسس النظرية المتجذرة (Grounded Theory ) التي تتأسس  على مقاربة استقرائية تتوخى بناء المفاهيم ، وهدفها النهائي هو توليد نظريات وبناء الأطر التحليلية من خلال الملاحظة الدقيقة وتحليل المعطيات  وتصنيفها في إطار موضوعاتي  لفهم الظاهرة  . يمكن إيجاز منهجية النظرية المتجذرة من خلال عدة مراحل منها  تحليل أسئلة البحث و تجميع أولى المعطيات  وغربلة  النماذج المفاهيمية وترميز المعطيات وترتيب المذكرات  ....

فيما يتعلق بأدوات الدراسة تم توظيف الملاحظة وقراءة التفاعلات الخطابية واللغوية الرقمية  بين أعضاء الألتراس لجمع المعطيات التي ترتبط بمجريات الأحداث والإنتاجات الخطابية من سنة 2017 إلى شهر مارس 2019  بغية تحليل وتوصيف مضمون المتن الخطابي عبر شبكة للتحليل ثلاثية الأبعاد ، بعد يبرز الألفاظ المثيرة وبعد يتجلى فيه العمق التفاوضي للخطاب وبعد لضبط الحقل الدلالي للاحتجاج.  تم بناء نموذج شبكة لجمع المعطيات على الشكل التالي:

 نموذج شبكة جمع المعطيات

 

التعابير البارزة

 

التعابير الاحتجاجية
 الفاليوم  Valium )  )

دواء مخدر ذو قدرة إدمانية عالية،

"سكتونا بالفاليوم"

 

 "الحرية " "الحرية لي بغينا ياربي"،
" ما نلاشيش " فعل مقترض من الفرنسية في صيغة النفي بالعامية المغربية يقابله بالفرنسية    (Je ne lâcherai pas) "ما نلاشيش ما نلاشيش"،
"فاير" ( (Fire (كلمة مقترضة من الانجليزية تعني "النار") "المعيشة أون فاير"،
" البابور" (المركب كناية على الهجرة)

 

"الشعب محكور كيفكر فالبابور"