رضوان بنتهاين - متدرب
تناول بحث حديث العهد، حُرر بمركز الأبحاث "يوروميسكو" (Euromesco)، تحت العدد 58، من طرف يوسف الطوبي، بعنوان "التجارة الالكترونية والاقتصاد الرقمي بالمغرب كعامل للإدماج الاجتماعي وخلق فرص الشغل: سياقه ومقارباته والقيود التي تواجهه"، موضوع الاقتصاد الرقمي المغربي، والتحديات التي تواجهه، مقدما مقترحات من أجل الرقي بإيجابياته.
في سياق التزايد الذي شهده المغرب وإفريقيا للتجارة عبر الانترنت (e-commerce) في السنوات الأخيرة، شددت المقالة حديثا على ضرورة تفعيل قوانين بالمغرب من أجل التطوير والاستفادة من التجارة عبر الانترنيت، مع الحرص على حماية المستهلك لخدماتها.
ويتعلق الأمر بدراسة نوعية سعت إلى فهم آثار ارتفاع التجارة عبر الانترنت، والتي تُعرفها كنموذج عمل بحيث يتم بيع وشراء مختلف السلع والخدمات عبر الشبكة العنكبوتية، على المجتمع المغربي، وبلورة طرق من أجل الرقي بإيجابياتها، مع حماية المستهلك والصناعات التقليدية.
وأكد البحث على قابلية الحكومة المغربية على إدماج الجانب الرقمي والمستجدات التكنولوجية في مخططاتها التنموية، مستشهدا بمشروع Cité du gaming بمركز مدينة العرفان بالرباط، معتبرا كل الخدمات التي تتم عبر الانترنيت، زيادة على الصناعات التي تولد بفضل الشبكة العنكبوتية، جزءا من مفهوم التجارة الرقمية (e-commerce)، والتي سيشارك في تنظيمها كل من القطاع العام والخاص، بهدف خلق 3.300 فرصة عمل بالمدينة.
غياب إطار قانوني شامل وانعدام البنية التحتية
إلا أن هذه المجال، حذرت الوثيقة، يحمل معه مخاطر الاحتيال والجريمة الالكترونية، مما دفع الحكومات إلى وضع عدد من القوانين من أجل حماية المستهلك، مضيفا بأن المغرب لا زال يواجه بعض التحديات في هذا الصدد، ومن بينها "غياب إطار قانوني وتنظيم واضحين بخصوص التجارة الإلكترونية"، بحيث لا يزال في حاجة إلى إطار قانوني أكثر شمولا لحماية كل من المستهلك والمشتغل.
كما أشار إلى النقص الذي يعرفه المغرب على مستوى البنية التحتية، أي ما يخص أنظمة تسليم السلع والخدمات وبوابات دفع الأموال، والتي تشكل عنصرا مهما لتجويد التجارة الرقمية، إضافة إلى بعض التحديات التي تواجه الوكالات المغربية المتعلقة بتنمية التجارة الرقمية، مثل الوكالة المغربية لتنمية المقاولات (AMDE)، من بينها ضعف الثقة لدى المستهلكين وما ينتج عنها من تردد في القيام بعمليات الشراء عبر الانترنيت، وهو الأمر المُسبب جزئيا من طرف قلة الوعي بخصوص الحقوق والحماية التي يوفرها لهم القانون، إضافة إلى الافتقار إلى بوابات محلية موثوقة لتفعيل عمليات الشراء عبر الانترنيت.
وذكر البحث أيضا الجهود التي بذلتها الحكومة المغربية من أجل تنظيم التجارة الرقمية وتشجيع المنتجات الوطنية والحرص على ازدهار المنتجين المحليين. واستحضر في هذا الصدد إفادة السلطات بأن الدافع وراء هذا الارتفاع في التجارة الرقمية هو قيام عدد من التجار المغاربة، إلى حدود الآن، باستغلال الإعفاءات الموفرة للسلع المستوردة ذات قيمة أقل من 1250 درهم من رسوم الجمارك، بحيث قاموا بإعادة بيعها في الأسواق المحلية، وهو الشيء الذي أدى إلى نقص حاد في العائدات الضريبية، مما دفع الحكومة إلى مواجهة هذه الظاهرة.
المغرب ملجأ لتهرب شركات التكنولوجيا العملاقة من الضرائب
كما سعت الحكومة أيضا، أضاف البحث، إلى استهداف عناصر أخرى مثل مؤثري وسائل التواصل الاجتماعية، بالإضافة إلى الشركات الرقمية العملاقة مثل غوغل وآبل وفيسبوك وآمازون، التي تتهرب من دفع الضرائب بعدد من الدول، ومن بينها المغرب، كما تقوم باحتكار الحصة الأكبر من سوق الإشهار في المملكة، مما يثير استياء الإعلام والناشرين المحليين.
إلا أن هذه المحاولات أدت بدورها إلى استياء عدد من المواطنين المغاربة، والذين برروا معارضتهم لها، وفق المقالة، بضعف عام لجودة المنتجات المحلية وأسعارها المرتفعة مقارنة مع هذه الخدمات الرقمية الجديدة التي وفرت فرصا حديثة لنسبة كبيرة من الشباب المغاربة.
وبالتالي، يضيف البحث، تجد الحكومة نفسها في وضع صعب، بحيث تحاول الموازنة بين تشجيع التجارة الرقمية من جهة وحماية الصناعة المحلية التي قد تتضرر منها من جهة أخرى.
وذلك في سياق إدراك الحكومة لما تحمله التجارة الرقمية من احتمالات هائلة وجاذبيتها للشباب – ويصرح يوسف طوبي (كاتب البحث) بأنه وفق تجربته، فمعظم هؤلاء الشباب المقبلين على استغلال التجارة الرقمية لا يحملون لشهادات كما ينتمون لفئات اجتماعية هشة — إلا أن البحث شدد على أن الحكومة لازالت في حاجة إلى القيام بالعديد من الجهود للحرص على أن تلعب هذه الظاهرة دور قوة داعمة للإدماج الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، كما يجب على حماية المستهلك الرقمي من الهجمات السيبيرية زيادة على خلق فضاء رقمي آمن أن تكونا من أولويات الحكومة.
مقترحات للرقي من منافع التجارة الإلكترونية
ووضعت الوثيقة في هذا الصدد عدد من مقترحات سياسات حكومية من أجل تحقيق هذه الأهداف:
- الاستفادة من إمكانيات التجارة الرقمية عن طريق توفير تدريبات وقروض صغيرة للمجموعات الهشة من أجل دفعهم إلى خلق مشاريعهم الرقمية الخاصة.
- تشجيع المقاولات المحلية على الانفتاح على السوق العالمية عن طريق مساعدتهم في رقمنة خدماتهم.
- الاستثمار في المؤسسات العمومية التنظيمية المُكلفة بالوقاية السيبيرية والانترنيت بغية خلق فضاء رقمي آمن.
- تشجيع خلق المواقع التجارة الرقمية المحلية وتفعيل هيكلة ضريبية عادلة وسريعة التكييف لإدارة المقاولات الرقمية.
- إدماج دروس حول البرمجيات والأمن الإلكتروني بالإضافة إلى التكنولوجيات الجديدة في البرامج الجامعية سعيا إلى مجاراة طلب السوق.
ارتفاع المعاملات الرقمية بالمغرب
كما ذكر البحث عدد من المؤشرات التي تدل على ارتفاع هذه الظاهرة بالمغرب، من بينها بلوغ المبلغ الإجمالي للمعاملات التجارية الرقمية 5.7 مليار درهم بين شهري يناير وسبتمبر من عام 2021، في مقابل 30 مليون درهم بسنة 2008 وفق مركز النقديات، توافقا مع الارتفاع العام لعدد المعاملات النقدية الرقمية والغير الرقمية للمسجلين عند مركز النقديات بالسنين الأخيرة، والذي اعتبرته الوثيقة كمؤشر على الإمكانيات التي توفرها التجارة الرقمية من حيث التنمية الاقتصادية ومحاربة أشكال عدم المساواة، مشيرة إلى اعتراف الدولة المغربية المبكر بهذه الإمكانيات وإرادتها لمجاراة نمو هذه الظاهرة والاستفادة منها عن طريق عدد من المبادرات، كمخطط المغرب الرقمي 2013 وإستراتيجية المغرب الرقمي 2020 إضافة إلى مخطط أفق 2025 (Horizon 2025).
والجدير بالذكر بأن تقارير مركز النقديات تُظهر كذلك ارتفاع في نسبة التعاملات الرقمية ومبالغها الإجمالية على مستوى السنين الأخيرة، بحيث وصل عدد المعاملات الرقمية في سنة 2017 إلى 6.6 مليون معاملة بمبلغ 2.6 مليار درهم، في مقابل 14.9 مليون معاملة ومبلغ 5.7 مليار درهم في الأشهر الـ9 الأولى بسنة 2021 و20.4 مليون معاملة مع مبلغ 7.1 مليار درهم في الأشهر الـ9 الأولى لعام 2022.
إلا أن المجلس الأعلى للحسابات صرح في 2014، في تقييمه لمخطط المغرب الرقمي 2013، بأن هذا الأخير افتقر إلى مقاربة تشاركية لعدد من متسلمي الرهان والفاعلين.
ومع ذلك أشارت المقالة إلى سعي المغرب المستمر نحو رقمنة اقتصاده، بحيث استحضر التقدم "العظيم" الذي حققه، خاصة في ما يتعلق بالاشتغال عن بعد من خارج البلاد (offshoring)، بحيث شكل هذا الأخير 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بقيمة صادرات تجاوزت 13 مليار درهم في حدود نهاية سنة 2019.
"عقب أخيل" النموذج التنموي المغربي
وذكر البحث بأن هذا الاهتمام المغربي بالتجارة الرقمية أتى في سياق "عقب أخيل"، أي الموقع الأضعف للنموذج التنموي المغربي، وهو ما تظهره العديد من الأرقام الصادرة من المندوبية السامية للتخطيط: بحيث ما يقارب 40 بالمائة من المغاربة النشيطين يفتقرون إلى شهادة؛ و36 بالمائة يحملون شواهد متوسطة، بينما يحمل 25 في المائة شواهد عليا.
كما أوضح تقرير أنجزه مؤخرا المرصد الوطني للتنمية البشرية، بشراكة مع اليونيسيف، بأن نسبة الشباب البالغين من العمر ما بين 15 و24 سنة الذين لا يتابعون دراستهم ولا يمارسون أية مهنة بلغت بسنة 2019 28.5 بالمائة، كما صرح بأن النسبة الأعلى من الشباب الذين توقفوا عن دراستهم بـ2017 ولم يحصلوا على عمل هم من الإناث، بحيث تتمثل نسبتهن في 43 بالمائة في مقابل 22 بالمائة من الذكور.
وتابع البحث مصرحا بأن هذه الأرقام مقلقة بالرغم من كونها تعبر عن تحسن بالمقارنة مع الماضي.
الارتفاع العالمي للتجارة الرقمية
وتمت الإشارة إلى الارتفاع العام للتجارة عبر الانترنت على المستويين الإفريقي والعالمي، بحيث ارتفع عدد المتسوقين عبر الانترنيت بإفريقيا بنسبة 18 بالمائة فيما بين عامي 2014 و2018، بالمقارنة مع النسبة العالمية المتوسطة والتي تقدر بـ12 بالمائة، وأفادت الوثيقة بأن جائحة كوفيد 19 وما صاحبها من فترات الحجر الصحي لعبت دور هام في تفشي هذه الصناعة، بحيث أصبح التسوق عبر الانترنيت ضرورة وليس تفضيلا، وهو ما أدى إلى ارتفاع في كل من التحويلات الرقمية والاقتصادية.
كما تم الاستشهاد بآخر تقرير لـInsider Intelligence، التابع لشركتي الأبحاث eMarketer وBusiness Insider، والذي يفيد بارتفاع نسبة المبيعات بالتجزئة عبر الإنترنت من إجمال المبيعات بالتجزئة لعام 2022 بنسبة 2 بالمائة مقارنة مع سنة 2017، متوقعا أن تصل إلى 25 في المائة في حدود 2025.
ومع ذلك، تجدر الإشارة بأن تقرير Insider Intelligence يفيد بأن الارتفاع السنوي لحجم المبيعات عبر الانترنيت الإجمالي بالتجزئة لعام 2022، بالمقارنة مع سنة 2021، المتمثل في 9.7 في المائة، هو الأضعف من نوعه منذ عام 2011، وهو الشيء الذي يعود، وفق التقرير ذاته، إلى التحديات الاقتصادية التي شهدها العالم بأسره خلال هذه الفترة الأخيرة، مُطًمئنا بأن معدل النمو لن يصبح سلبيا وبأن تراجعات النمو ستكون ضئيلة على مر السنين القادمة.
واستحضر البحث المؤشرات الدالة على الاهتمام الذي أظهرته إفريقيا في هذا المجال، مستشهدا بإدراج الاتحاد الإفريقي لبروتوكول التجارة الرقمية في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، مخصصا تنسيق وتسيير البروتوكول للجنة التجارة الرقمية والتي تتكون من جميع الدول الأطراف للإتحاد.