رضوان بنتهاين - متدرب
كشفت دراسة حديثة أُجريت بالمغرب ونُشرت بمجلة "العلوم التطبيقية" (Applied Sciences) بموقع MDPI تحت عنوان "A Comprehensive Methodology for the Statistical Characterization of Solar Irradiation: Application to the Case of Morocco" عن منهجية جديدة قادرة على تطويق هامش انعدام التأكد لدى التحاليل والتقييمات الخاصة بالإشعاعات الشمسية، أو أي مصدر أخر، بشكل أقل تعقيدا من الطرق المستعملة سابقا، مذكرة بإمكانيات المغرب الواعدة في مجال الطاقة الشمسية، إضافة إلى ما توفره هذه الطريقة الحديثة من فرص لتعزيز احتمالات نجاح المشاريع المستقبلية للطاقات المتجددة نظرا لقدرتها الأقل تطلبا على استمثال تحاليل وتوقعات المصدر الشمسي وغيره من المصادر.
وتم اختيار المغرب لإجراء هذه الدراسة نظرا للدور المهم الذي تلعبه الطاقة الشمسية في القطاع الطاقي للمغرب، إلى جانب باقي دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والتي لها إمكانيات هائلة في الطاقة الشمسية نظرا لموقعها الجغرافي الذي يتوفر بغزارة على هذه المصدر، بحيث بات جزءا مهما من مخططاتها الوطنية للطاقة. كما أصبحت هذه الدول على العموم أكثر إقبالا على استعمال الطاقات المتجددة.
وذكرت الدراسة في هذه الصدد بلوغ حصة مساهمة الطاقات المتجددة في توليد الطاقة الكهربائية بالمغرب إلى 37.08 بالمائة بحلول عام 2021.
وبالرغم من عدم تمكن المغرب من تحقيق نسبة الـ42 بالمائة المُستهدفة للسنة ذاتها والتي تم تحديدها في اتفاق باريس، فقد عبرت الحكومة عن تفاؤلها بتمكن المغرب من توليد 52 في المائة من طاقته الكهربائية بحلول سنة 2030 عن طريق المصادر المتجددة.
كما ذكرت الدراسة اهتمام هذه الدول بالطاقة الشمسية ومختلف الطاقات المتجددة إلى "عوامل سوقية مجردة"، تتجلى في انخفاض تكلفتها بالمقارنة مع صناعات الوقود الاحفوري، وتوقعات تزايد الطلب على الطاقة في المستقبل، إضافة إلى ما تواجهه هذه الدول من نقص في المصادر المائية، مما دفعها نحو التوظيف المتزايد لمشاريع تحلية المياه.
وأكدت الدراسة على أهمية اعتماد بيانات موثوق بها للإشعاعات الشمسية من أجل إنجاح المشاريع الشمسية للطاقة، إضافة إلى حتمية التحديد والمصادقة على التوزيع الإشعاعي في التقييم التقني الاقتصادي لهذه المشاريع، نظرا لما قد تسببه المعطيات الخاطئة من فوارق كبيرة بين توقعاتها والنتائج المحصل عليها، وهو ما تبسطه هذه المنهجية الجديدة نظرا لكونها أقل تعقيدا من الطرق السابقة، مما يجعل استعمالها لضبط هامش عدم اليقين حول تحاليل الإشعاعات الشمسية أكثر سهولة.
وفي إطار تصميم مشاريع الطاقة، شددت الدراسة على ضرورة تجربة نماذج كل من الإشعاع الطبيعي المباشر (DNI) والإشعاع الأفقي الكلي (GHI) وفق جوانب إشعاعية مختلفة من أجل دراسة متغيرات الأداء التي قد يظهرها النظام الشمسي إزاء تنفيذ هذه التصاميم، مضيفة بأن الاقتصار على مجموعة واحدة من البيانات قد ينجح في حدود توفر المعطيات التجريبية عند تنفيذ المشروع، ولكن عندما يخضع النظام الشمسي لظروف متعددة، فقد يؤدي ذلك إلى اختلاف كبير للنتيجة المحصل عليها مقارنة مع النتيجة المتوقعة مما قد يقلص من نسبة الأرباح المرجوة.
كما أُشارت إلى وجود عدد من الدراسات السابقة حول الإشعاعات الشمسية بالمغرب المعتمدة على بيانات الأقمار الاصطناعية. واعتمدت الدراسة بدورها على تشخيصات وتوقعات بيانات الأقمار الاصطناعية نظرا لما تقدمه من نتائج دقيقة ومرضية، إضافة إلى النقص الذي تعرفه البيانات المقاسة على سطح الأرض.
إلا أن هذه البيانات تعتمد على نماذج أو تقنيات رياضية معقدة، كالخوارزميات المبنية على الشبكات العصبونية الاصطناعية (ANN)، مما قد يعيق إقبال مطوري المشاريع والمقاولات على استعمالها من أجل تقييم المصدر الشمسي، وهو ما دفع الدراسة إلى محاولة تطوير منهجية أقل تعقيدا لتقييم المصدر تقوم على تحديد التوزيع الاحتمالي (PDF) للمشاريع بموقع معين.
وتمت دراسة الإشعاعات الشهرية لـ23 مدينة موزعة على 6 مناطق مناخية باعتماد 3 من أصل 4 قواعد بيانات من موقع PVGIS تم تأكيدها باستعمال قياسات المحطات الأرضية، وذلك عوض إشعاعات كل ساعة، لأن هذه الأخيرة تُستعمل لدراسة المشاريع لمدة لا تتجاوز سنة واحدة، في حين أن الدراسة سعة إلى تقييم المشاريع الشمسية على طول عمرها بأكمله.
ونظرا لاستعمال الأنظمة الكهروضوئية (PV) لكل من الإشعاعات المباشرة والإشعاعات الموزعة، فقد تم اعتماد الإشعاعات الأفقية الكلية (GHI) من أجل تقييم احتمالية المشاريع الشمسية ذات تطبيق كهروضوئي، أما مشاريع الطاقة الشمسية المركزة (CSP)، فنظرا لاستغنائها عن الإشعاعات الموزعة، فقد تم الاقتصار على الإشعاع الطبيعي المباشر (DNI).
ونظرا لغياب بيانات أرضية للإشعاعات، فقد تمت مراقبة جودة (Quality Control) بيانات المجموعات الـ3 المختارة عن طريق حوسبة الفارق النسبي بين مقاييس إشعاعات كل قاعدة باعتماد أدوات إحصائية تعطي أرقام دالة على هذه الفوارق، بحيث كلما كبر الرقم المحصل عليه كبر الفارق بين هذه المقاييس. واعتمادا على نتائج هذه الإحصائيات، فقد تم استعمال مجموعة البيانات PVGIS-CMSAF للإشعاع الطبيعي المباشر (DNI) ومجموعة PVGIS-SARAH للإشعاعات الأفقية الكلية.
وبعد عزل واختيار البيانات ذات توزيع بقمة واحدة (Unimodal) من بين البيانات ذات التوزيع بقمتين أو أكثر (Bimodal – Multimodal) عن طريق توظيف اختبار "هارتيغان" (Hartigan’s dip test)، تم إخضاع العينة الأحادية القمة لاختبار Anderson-Darling من أجل تحديد مدى تطابق بياناتها مع 10 توزيعات تم اختيارها لكونها الأكثر تداولا في الأبحاث السابقة، وتم اعتماد تقنية تقدير كثافة النواة (بالإنجليزية: kernel density estimation) للبيانات ذات توزيع ثنائي القمة.
وأظهرت النتائج تنوعا كبيرا في التوزيع الاحتمالي المحدد (PDF) لكل من الإشعاعات الأفقية الكلية (GHI) والإشعاعات الطبيعية المباشرة (DNI)، مما يؤكد على ضرورة انجاز بتشخيص ملائم للإشعاعات عند تقييم مشاريع الطاقة.
وشددت الوثيقة في هذا الصدد على إمكانية الرفع من عدد التقييمات الدقيقة المنجزة التي توفرها هذه المنهجية لمطوري المشاريع لكونها تأخذ بعين الاعتبار الطبيعة التعددية الجذرية للطاقة الشمسية بدون إضافة أي عبء رياضي مفرط، بحيث تعتمد على خطوات بسيطة وتستعمل أدوات إحصائية معروفة على نطاق واسع، مما يجعل منها تطبيق أكثر سهولة بالمقارنة مع الشبكات العصبونية الاصطناعية (ANN)، وتستعمل هذه الأخيرة في التوقعات الإشعاعية من أجل تحديد قيمها لمدة معينة (عادة لمدة ساعة واحدة) بدقة عالية، وهو ما تقوم به، وفق ما أكدته الوثيقة، بشكل أكثر فعالية ودقة من المنهجية المطروحة، بالرغم من قدرة هذه الأخيرة على القيام بالعملية ذاتها.
كما ذكرت الدراسة باعتماد الشبكات العصبونية الاصطناعية (ANN)، والتي تُستعمل أساسا في سياق إدارة الأنظمة الطاقية، على الظروف المناخية الملاحظة عبر السنوات السابقة، مما يتطلب معرفة مجموعات بيانات لعدة متغيرات كحرارة الجو والرطوبة وسرعة واتجاه الرياح والضغط الجوي بالإضافة إلى بيانات الإشعاع الشمسي، وهو ما "لا يجعلها فقط أكثر تعقيدا بكثير، بل أيضا أكثر تطلبا من حيث معطيات مجموعات البيانات الجوية".
واستنتجت الدراسة بأنه لكل طريقة استخداماتها حسب مزاياها وخصائصها؛ فحينما يُراد توقع الإشعاعات فيُستحسن استعمال الشبكات العصبونية الاصطناعية (ANN)، أما إذا كان الهدف الأسمى هو تطويق هامش عدم اليقين لإشعاعات التحاليل وتوفير بيانات عملية إشعاعية قابلة لتشخيص التغيرات الإشعاعية، وهو الهدف المراد عند التقييمات التقنية الاقتصادية للمشاريع الطاقية الشمسية، فيُفضل استعمال المنهجية الجديدة، والتي تظل قابلة للاستعمال للظواهر الأخرى كتغيرات سرعة الرياح أو الرطوبة الموسمية، إضافة إلى المجالات العلمية الغير المنتمية لقطاعات الطاقة.
ومن أجل التحقق من مصداقية نتائج الدراسة، تم إخضاع التوزيع الاحتمالي المحدد (PDF) المحصل عليه للإشعاعات الأفقية الكلية (GHI) لمدينة الرباط بشهر أكتوبر لتقنية "محاكاة مونت كارلو" (بالانجليزية: Monte Carlo Stimulation)، وهي تقنية رياضية معقدة تسعى إلى فهم تأثير المخاطر وعدم اليقين عن طريق صياغة الاحتمالات لنتائج متعددة في عملية يستحيل توقعها نظرا للتدخل العشوائي للمتغيرات المستعملة، ثم تمت مقارنة القيمة المتوسطية المحصل عليها مع آخر بيانات الأقمار الاصطناعية لسنة 2020 بنفس المدينة ونفس الشهر، وحُصل على فرق نسبي قيمته 1.5 في المائة، مما يدل على فعالية المنهجية في تمثيل الأنماط العشوائية للإشعاعات.