يعتبر محمد الرهج، الخبير الاقتصادي في المالية العمومية، وفي سياق الاستدانة التي أقبل عليها المغرب في ظل جائحة "كورونا"، أن القرض في حد ذاته لا يزعجه، وأعطي مثال الدار التي تشتعل فيها النار، وأوضح "ليس الوقت ملائم للتفكير في الماء وثمنه، يجب أن أطفئ النار، مهما كلف ذلك، ولا يهمني إن كان ثمن اللتر درهما أو المتر المكعب بثمن 20 درهما وبالتالي ستكون الفاتورة مرتفعة".
وأكد "لا، يجب أن أطفئ النار لأحافظ على الدار على الأقل والممتلكات التي توجد فيها. والمغرب يوجد في مثل هذه الحالة. أنا من حيث المبدأ، أتفق لأن الترخيص هو 31 مليار درهم، ثانيا لدينا ثلاثة ملايير دولار لصندوق النقد الدولي لخط الائتمان، ثم لدينا 275 مليون دولار للبنك العالمي التي حولها لـ'كورونا'. الإشكال مطروح من باب الأخلاق. يمكن أن أذهب للاقتراض مادامت هناك إمكانية والأسعار منخفضة، ولكن يجب أن أعرف المقابل بالتدقيق. يجب أن تذهب تلك الأموال أساسا لميزان الأداءات وليس إلى داخل الميزانية. ولكن يجب أن توجه إلى أسبقية الأسبقيات، ليس من أجل شراء السيارات أو 'السيغار' أو العطور غدا.. ولكن يجب أن نشتري القمح لأن المغاربة يحتاجون القمح للغذاء ولدينا جفاف في السنة الماضية وفي هذا العام، وربما نستورد 60 أو 70 مليون قنطار وهي مكلفة من حيث العملة الصعبة، فضلا عن المواد البترولية التي يحتاجها الاقتصاد وتجهيزات قطاع الصحة والأدوية. وإذا أعطيت لهذه المجالات فأنا أصفق لذلك، ولكن لا أتفق على استيراد الكماليات، خصوصا أن لدينا ديون كبيرة وهذا هو طرحي الشخصي".
وحول مذكرة المندوبية السامية للتخطيط التي تتوقع سنة كارثية، سيكون لها ما بعدها، أوضح الرهج "حان الوقت لمراجعة الأسبقيات بالنسبة للبلاد، لا على مستوى الاقتصاد، ولا على مستوى المالية العمومية. بالنسبة لي، لابد من مراجعة الأولويات، ومن هذه الأولويات لدينا الآن، الصحة والتعليم والاستقلال الغذائي، لا يعقل أن أصدر الورد والكليمانتين للخارج وأستورد القمح للمغاربة. على الأقل يجب أن أوفر في التوجه الاقتصادي، وأساسا في السياسة الفلاحية، ويجب أن أنتج، ولايجب أن أنتظر فقط الأمطار، ولكن يجب أن أعتمد على خطة السدود وقنوات الري وإصلاح الأراضي وبطريقة ما يمكن أن أفرض على الفلاحين أن ينتجوا، أولا، الغذاء للمغاربة للحصول على الاستقلال الغذائي. وإن كنت تذكر في 1978-1979، عندما احتل الاتحاد السوفياتي أفغانستان، العالم الغربي 'طحن' الاتحاد السوفياتي عندما فرض عليه حصارا حول القمح... نحن لا نعاني من الحصار، ولكن نحتاج القمح. على الأقل في التوجهات ما بعد 'كورونا' يجب مراجعة السياسة الفلاحية وسياسة التغذية، ويجب الحصول على استقلال غذائي، سواء بالنسبة للمواد الفلاحية أو مواد الصناعة الغذائية كالحليب والجبن وغير ذلك.. ثم مراجعة التوجهات لأن نمط التنمية كيفما كان نوعه الهدف الأساس منه هو الإنسان، ويجب توفير الرفاه (Bien-être) له. عندما تأخذ جميع المفاهيم للنموذج، فهو خلق الثروة وتوزيعها على أفراد المجتمع على المستوى الاقتصادي والمالي والثقافي وغير ذلك. إذن الهدف الأسمى لكل نموذج، كيفما كان نوعه، هو توفير أسباب المعيشة للإنسان. والمعيشة بمعناها العام، سواء من الجانب الصحي أو الثقافي أو الترفيهي... في آخر المطاف، 'كورونا' عرّتنا، وكنا قد سايرنا توجهات صندوق النقد الدولي منذ الثمانينات وتخلينا عن قصد عن الصحة والتعليم، ونحن الآن نجني ثمار ما زرعناه في الثمانينات. فلو وقع هنا ما وقع في أوروبا أو في الصين لمات الجميع وأنت تعلم واقع المستشفيات. وهذا الواقع عرى على واقع غياب التعليم لدى فئة غير واعية أو لا تريد أن تعي أو تم إدخالهم عن قصد في إطار الجهل، ونسمع الآن الخرافات وما إلى ذلك".
وشدد، بالنسبة إلى ما بعد "كورونا" على "مراجعة الأسبقيات لنصل إلى الاستقلال الغذائي، ثم نوفر مستوى عاليا في الصحة والتعليم ومراجعة ما يسمى 'السيادة الوطنية'، لأن الكل يتحدث عن أن الذين يصنعون الأقنعة والأدوية، التي تصنع أغلبها في الهند والصين، يجب أن تبقى في بلادها أو أن تذهب إلى أوروبا، والآن سيتغير مفهوم الدولة الذي سيصبح في مركز القرار، أما المبادرة الخاصة فقد أكل عليها الدهر وشرب".
واستدرك المتحدث قائلا "أنا لست ضد المبادرة الخاصة بالمفهوم الاقتصادي، بل يجب أن تكون لها حدود. والدولة يجب أن تعود إلى الأدوار التقليدية ومن أدوارها التقليدية، هناك الصحة والتعليم والسيادة والأمن. لا أطلب أن تصنع الدولة السراويل، التي يجب أن تتركها للقطاع الخاص، والإنتاج الفلاحي يجب أن يبقى للفلاح ولكن الدولة يجب أن تقوم بوظائفها المركزية التي بدأت تسترجعها، كما في الصحة الآن،حيث يبقى أن المستشفى العمومي هو الذي يواجه الفيروس"...