دعا إليه الملك لمعالجة الفوارق الاجتماعية.. قالوا عن النموذج التنموي

تيل كيل عربي

عاد الملك محمد السادس، في خطاب الذكرى 66 لثورة الملك والشعب، للحديث عن النموذج التنموي الجديد، الذي يراد منه  أن يساعد على تجاوز الحدود التي أبان عنها النموذج الحالي، بما يفضي إلى معالجة الفوارق الاجتماعية والمجالية، التي ما فتئت تتسع في الأعوام الأخيرة.

ينتظر أن يعلن الملك عن تشكيل لجنة لبلورة النموذج التنموي الجديد، الذي يفترض أن يتجاوز الحدود التي تجلت في النمودج الحالي، غير القادر على الانخراط في مسار نمو اقتصادي مستدام، كفيل بتوزيع عادل للثروة، وهو ما يؤكده خبراء ومسؤولون مغاربة انشغلوا، عبر تصريحات وحتى تدوينات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في الفترة الأخيرة برصد مكامن الضعف في النموذج التنموي الحالي وشروط تجاوزه.

أحمد الحليمي، المندوب السامي في التخطيط: ميثاق وطني جامع

"خلف أي نموذج اقتصادي، يجب أن تكون ثمة رؤية مجتمعية. هذا ماكان عليه الحال منذ آدام سميث إلى كارل ماركس، مرورا بالنيوليبراليين. انظروا إلى ما حدث بعد الاستقلال بالمغرب، الجميع كان معبئا من أجل تغيير الأمور. لقد أصلحنا الزراعة، وأحدثنا صندوق الإيداع والتدبير والبنك الوطني للتنمية الاقتصادية، والعملة الوطنية، والبنك المركزي. حررنا النساء".

"لقد كانت ثورة مجتمعية سهلت التنمية الاقتصادية. لقد أخفقنا في سنوات الثمانينات، لأنه كان ثمة تدبير اقتصادي من قبل بورجوازية سعت إلى نوع من الليبرالية، التي تفضي إلى إثراء بعض الأشخاص. هذا ما أسقطنا في برنامج التقويم لهيكلي في التسعينيات من القرن الماضي، ووقعنا في تدبير الأمور عبر النقاش مع النقابات والمجتمع".

"وفي 2000، حدث ما عشناه بعد الاستقلال، مع ملك أطلق العديد من الثورات المجتمعية والالتزامات مع الجيل الجديد. هكذا، أقلع الاقتصاد إلى غاية أزمة 2008، واليوم لا يجب أن ندخل في عقد جديد بدون انطلاق جديدة أو رؤية جديدة للمغرب. لا يجب الخوف من الإصلاحات، فكل إصلاح يخلف رابحين وخاسرين. والمهم هو قيادتها ضمن نوع من التوافق كي يعرف الجميع الكلفة والثمار، ويعلم أن هذه الأخيرة ستكون موزعة بطريقة صحيحة. يجب التوفر على ميثاق وطني يربط الحاكمين بالمحكومين. يجب أن نعرف إلى أين نسير، ونعدل المسار كل عامين، إذا أخطأنا في إطار الاستشراف".

نورالدين العوفي، اقتصادي مغربي: الاستثمار في القدرات

"من سمات اقتصاد الحرمان استمرار العجز الاجتماعي بالرغم من الجهود المبذولة على مستوى الاستثمار (الأوراش الكبرى، البرامج القطاعية المهيكلة، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية). لماذا فشلت السياسات "الصديقة" للفقراء (بحسب المؤسسات المالية الدولية) في محاربة الفقر والتهميش والإقصاء؟ لماذا لا تستفيد سوى الأقلية من السياسات الماكرواقتصادية؟ لماذا لا يتم "جريان" النمو من الأعلى نحو الأسفل اجتماعيا، ومن المراكز إلى الأطراف مجاليا؟ ."

"فرضية الفوارق الاجتماعية، فرضية قديمة/جديدة. النظرية التقليدية التي بلورها كوزنيتس سنة 1955 (النمو الاقتصادي والفوارق في الدخل) تقول بـ"الضرورة التاريخية" لنسبة من التفاوت في توزيع الدخل بين الأرباح والأجور، في المراحل الأولى من السيرورة التنموية، وحينما تكتمل القاعدة التراكمية، فإن حدة الفوارق تخف بالتدريج. وبحسب كوزنيتس، فإن العلاقة بين التفاوت والتنمية هي علاقة طردية في بداية التراكم، ثم تتحول بعد ذلك إلى علاقة سلبية".

"تحيل إشكالية الفوارق في صيغتها الجديدة (ستيجليتز، وكروكمان في الولايات المتحدة الأمريكية، طوما بيكيتي، 2015) إلى نظرية العدالة، بمعنى الإنصاف، التي بلورها جون راولس، والتي تربط مقبولية الفوارق بمدى مساهمتها في تحسين مستويات الفئات الاجتماعية الضعيفة. وسيكون لأمارتيا سين الدور الأعظم في تطوير نظرية العدالة وإغنائها باعتبار مستوى القدرات التي يتوفر عليها الأفراد في "اختيار نمط الحياة الذي يرومون".

"تكمن أهمية مفهوم القدرات في التنزيل الفعلي للحقوق الشكلية، أو السلبية (الحق في التعليم، في الصحة، في السكن، في الشغل)، وتحقيقها على أرض الواقع، لتتحول إلى خدمات فعلية يستفيد منها الجميع بنفس الشروط والمواصفات (المدرسة، المستشفي، سوق الشغل، الولوج إلى المناصب، إلى غير ذلك)."

"في وضعية الحرمان الشامل، وضعف مؤشرات التنمية البشرية، يشكل شرط التمكين من القدرات، بالاستثمار فيها، قاعدة لتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص، ولتحقيق العدل، ولإنجاز الأفراد لنمط العيش الذي يصبون إليه ." 

"تعتمد الحكومة، في الأغلب، على المؤشر المالي، أي على مستوى الدخل، في صياغة السياسات الاجتماعية، بينما تقوم الفوارق على عجز أصلي، متراكم ومتفاقم، في الضروريات من القدرات، من جهة، وعلى الاختلال الحاصل في شروط التحقيق، والتفعيل، والإنجاز (نفس المؤهلات والكفاءات لا تقابلها نفس الفرص) من جهة أخرى".

"من هنا فإن عملية التقليص من الفوارق الاجتماعية تتطلب، كما سبقت الإشارة، تعديل الأولويات بالاستثمار في الضروري من التنمية بصفة عامة، ومنه الاستثمار في القدرات، والارتقاء بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى مستوى الساق الثانية التي تقف عليها استراتيجية التنمية الشاملة (يشكل الاستثمار في البنيات الثقيلة والمادية الساق الأخرى)، أي بالمزاوجة بين الكفاءة الاقتصادية القائمة على الاستثمار المنتج، وبين العدالة الاجتماعية التي تتطلب التمكين من القدرات، "في نفس الآن"، بتعبير بول ريكور".

 محمد برادة، وزير المالية السابق: التصنيع أولا

"قبل عشرين عاما، كان الاقتصاد يخلق 160 ألف فرصة عمل، بينما اليوم لا نتحدث سوى عن 50 ألف فرصة عمل، هذا ما دفع إلى ارتفاع معدل البطالة، لأنه في الاقتصاد هناك ثلاثة قطاعات متمثلة في الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات، والحال أن قطاع الصناعة اندثر".

"من الجيد أن تكون لديك مجموعات مثل "رونو" أو "بوجو"، لكن لا يمكنها أن تخلق جميع فرص العمل التي يحتاجها المغرب. هناك العديد من المصانع التي أغلقت، لأننا لم نتوفر على سياسة تقوم على تدعيم إمكانياتنا الصناعية وتحسين الإنتاجية التي تقوم على المزاوجة بين مساهمة الرأسمال المادي والرأسمال اللاماي. لقد استثمرنا كثيرا في في البنيات التحتية، صحيح أن المغرب تحول، لكن دون أن نحدث فرص العمل".

"لقد وصل معدل الاستثمار العمومي قياسا بالناتج الداخلي الخام إلى 32 في المائة، غير أن ذلك لا يحفز النمو ولا يخلق فرص العمل. والنتيجة أنه ليس هذا النوع من الاستثمارات الذي سيخلق فرص عمل دائمة. فعندما تمد طرقا وقناطر، ستحدث فرص عمل، خلال فترة الأشغال فقط، بالموازاة مع ذلك، لا نتوفر على ما يكفي من الوحداث الإنتاجية في الصناعة التي تتيح فرص عمل دائمة. للأسف، فتحنا الحدود ووقعنا اتفاقيات ثنائية مع العديد من البلدان، ونريد تطبيق سياسية ذات نفس "كينزي"، حيث أن الدولة تستثمر من أجل حفز النمو، غير أن جميع الاستثمارات لا تذهب لمصانع مغربية، بل تذهب لشركات أجنبية".

"إننا نتوفر على بطالة كبيرة، خاصة بين الشباب، ما يغذي الفوارق. صحيح أن الدخل الفردي تحسن، غير أننا نتوفر على طبقة جد غنية، ما يعمق الفوارق مع الفئات الأخرى. إن نموذجنا التنموي لا يخلق النمو والشغل. فخلال العشرين سنوات الأخيرة، كان معدل النمو متراوحا بين 3 و3,5 في المائة. هذا غير كاف من أجل معالجة مشاكل البطالة، خاصة أن النمو سىء من حيث الكيف. إنه نمو يرتهن للتساقطات المطرية وشركائنا الخارجيين".

"ونحن لا نتحكم في مصيرنا بسبب الارتهان للأمطار، غير أنه لايجب الارتكاز على الفلاحة، يجب أن يتجه البلد نحو التصنيع. فالصناعة هي التي تخلق فرص العمل المباشرة وغير المباشرة. والحال أننا فقدنا صناعتنا وأبرمنا اتفاقيات كي تذهب مواردنا إلى الخارج. فقدنا الحس الوطني. بعد الاستقلال كنا نتحدث عن الوطنية ونعطي الأولوية للمغرب. اليوم يقول الأمريكيون "أمريكا أولا"، و نحن نقول "الأجنبي أولا" إلى درجة أننا أنجزنا تحقيقا، اكتشفنا، عبره، أن 82 في المائة من الشباب يحلمون بالهجرة إلى الخارج. هذا مخيف. هذه هي المشاكل الحقيقية التي نعاني منها. فنمونا دوري Cyclique وغير مستقر، وغير إدماجي Inclusif".

"نحن ننخرط في سياسات قطاعية دون خلق علائق بينها. ففي فترة من الفترات، اكتشفنا أننا لا نتوفر على ما يكفي من المساكن الاجتماعية، فقررنا دعم المنعشين العقاريين، عبر إعفائهم من الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات، ورأينا كيف اغتنت بعض المجموعات العقارية وكيف أصبح المصنعون، يحولون نشاطهم إلى العقار. كان يمر ذلك دون أن يثير أحدا. والجميع أضحى يبحث عن أنشطة لا تشغل كثيرا من اليد العاملة مثل العقار والتجارة. هذه الحقيقة لا نتحدث عنها".

"أنا أرى مصانع تغلق، وتمر الأمور عادية، بينما في بلدان أخرى يبحث الناس عن حل لمثل هذه الأوضاع. ففي أوروبا، إذا كان سيغلق مصنع بسبب واردات من الصين، تتخذ تدابير من أجل حماية الإنتاج المحلي، بينما نحن نفضل المنتوج الأجنبي. لقد دعمنا العقار وأعفينا المنعشين من الضريبة، بينما هم شرعوا في استيراد كل المواد من الخارج، يشترون الأبواب والزليج من الخارج، بينما يغلق الصناع المحليون محلاتهم ومصانعهم. الحديد يأتي من إسبانيا وتركيا، بينما تعاني الشركات المحلية. كان يتوجب على من أعطوا الإعفاءات للقطاع، أن يبحثوا عن أثر ذلك على القطاعات الأخرى. هذه النظرة حول العلاقة التبادلية بين القطاعات هي التي نفتقدها".