اكرام اقدار
تلعب المنظمات غير الحكومية وجمعيات المجتمع المدني، التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية، دور الانخراط في سيرورة توسيع المعرفة والوعي حول القضايا ذات الصلة. وفي السياق المغربي تشتغل عدد من المنظمات والجمعيات، إلى جانب هيئات ومنظمات غير حكومية أخرى، محلية أو أجنبية، على بلورة مشاريع تهم دعم قضايا حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة.
وحديثنا عن حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة يأتي في سياق التحولات والتطورات التي يعرفها الحقل الاجتماعي والسياسي وبالأخص الإعلامي حاليا، حيث الحاجة إلى هوامش أكبر وأوسع لحرية الرأي والتعبير والولوج إلى المعلومة.
بالنظر إلى تقييم مؤشر حرية التعبير في المغرب لعام 2024، فإنه لا زال يتسم بتحديات كبيرة رغم بعض التحسينات الطفيفة. ووفقا لتقرير "مراسلون بلا حدود (RSF) " لهذه السنة، احتل المغرب المرتبة 129 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة، وهو ترتيب يعكس العقبات التي تشوب حرية الرأي والتعبير وقانون الحق في الحصول على المعلومة، الشيء الذي يجعل الصحافيين ووسائل الإعلام في السياق المغربي يواجهون العديد من التحديات بفعل استمرار القيود على حرية التعبير وعلى الوصول إلى المعلومات.
تبعا لذلك، تسعى العديد من المنظمات وجمعيات المجتمع المدني دورا مهما في الاشتغال على قضايا حقوق الإنسان من خلال مراقبة الانتهاكات المرتبطة بهذه القضايا وكذا الدفاع والترافع عنها بهدف توسيع دائرة الحقوق والحريات من أجل تحقيق الآليات القانونية اللازمة لتعزيزها وضمانها والتحسيس بأهميتها.
ساهمت العديد من المنظمات والجمعيات في السنوات الأخيرة في خلق طرق مبتكرة لتعزيز الديمقراطية وكذا المشاركة في مبادرات تهم دعم قضايا حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة ولك عبر تنفيذها لعدد من برامج التوعية والتدريب، وكذا المشاركة في إعداد التشريعات والسياسات التي تدعم حق الوصول إلى المعلومات.
حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة في السياق المغربي
إن المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية تلعب دورا بارزا في النضال من أجل ضمان الحقوق المرتبطة بحرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة، وأيضا الترافع من أجل تجاوز التحديات المطروحة في هذا الجانب. والتي لا يكاد أي مجتمع يخلو منها بغض النظر عن التفاوت الذي يكون في ممارسة هذه الحقوق حسب البيئة السياسية ومدى تحقق الديمقراطية في كل بلد على حدة.
يؤكد محمد كريم بوخصاص، صحافي وباحث في علوم الإعلام والاتصال، في هذا السياق على "أن ممارسة الحق في حرية التعبير يحتاج إلى ضمانات قانونية وسياسية ومهنية، بالنسبة للصحافيين لتجنب بناء سقف زجاجي كبير تتم من خلاله مراقبة افكار المواطنين وتصرفاتهم ".
في السياق المغربي، يضيف بوخصاص، "نجد ان هذا الحق يعرف تحديات حقيقية رغم مرور خمس سنوات على الإقرار النهائي للقانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة، والذي قطع مسار المصادقة عليه حوالي ثمان سنوات، إلا أنه يبدوا أن الترتيبات القانونية المتعلقة بتنزيله على ارض الواقع ما تزال متعثرة الى اليوم".
جمعية سمسم-مشاركة مواطنة
في ظل ما يعرفه حقل الحقوق والحريات خاصة المرتبطة بالصحافة والإعلام، يُلاحظ أن المنظمات غير الحكومية تقوم بدور بارز في الترافع لأجل تجاوز الاشكالات والتحديات المرتبطة بحرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة، وخصوصا المجتمع المدني الذي يعتبر فاعل اساسي في تكريس الديمقراطية.
بالحديث عن المجتمع المدني، يمكن أن نسجل في هذا الصدد تجربة رحلة جمعية سمسم- مشاركة مواطنة في مجال الحق في الحصول على المعلومات، التي بدأت سنة 2019 مع إطلاقها لأول مشروع متخصص في هذا المجال؛ مشروع "الفصل 27" الذي أخذت تسميته من الدستور المغربي (الفصل 27 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات). هذا المشروع كان متمركزا بجهة طنجة تطوان الحسيمة وجهة مراكش آسفي، بهدف تقوية قدرات جمعيات المجتمع المدني في مجال الحق في الحصول على المعلومات ومساعدتها على بناء حملات ترافعية.
في إطار "مشروع الحق في الحصول على المعلومات"، عقدت جمعية سمسم- مشاركة مواطنة عدة شراكات مع مختلف الجمعيات المحلية، "بهدف خلق جمعيات متمكنة ومتمرسة، ذات خبرة في مجال الحق في الحصول على المعلومات" حسب الجمعية، وذلك من خلال "تنظيم دورات تكوينية للمواطنين والصحافيين وممثلي المجتمع المدني، بهدف مراقبة وتتبع تجاوب المؤسسات العمومية مع مطالب المواطنات والمواطنين وايضا الترافع من أجل تعديل وتحسين القانون المتعلق بالحق في الحصول المعلومات في المغرب".
صرحت بسمة اوسعيد- مديرة مشروع بجمعية سمسم-مشاركة مواطنة في هذا الصدد أن "هذا المشروع أسفرعن نتائج جد مستحسنة الشيء الذي جعلما نطلق شطر ثان من هذا المشروع، وهو مشروع الحق في الحصول على المعلومات كآلية للترافع والشفافية والحكامة الجيدة، في أبريل 2023. وحسب مديرة المشروع، فإن هذا المشروع "يهدف إلى المساهمة في تنزيل الحق في الحصول على المعلومات على المستوى المحلي، وذلك عبر مواكبة الجمعيات والصحافيين في ست جهات، في مشوار الترافع بشأن قضايا الشأن المحلي". وتضيف بسمة اوسعيد في نفس المضمار، "نسعى إلى بناء ائتلاف من الجمعيات والصحافيين، من أجل فتح نقاش بناء حول شفافية المؤسسات".
منتدى بدائل المغرب:
في تجربة أخرى أطلق منتدى بدائل المغرب (FMAS) عبر قطبه الإعلامي E-Joussourمنذ سنة 2020، برنامج تقوية وتعزيز قدرات الإعلام الجمعوي وحرية التعبير (LibEx). صرح الصحافي غسان وائل القرموني، عن منتى بدائل المغرب- جسور، أن هذا المشروع "يهدف إلى تقوية قدرات الجمعيات والأفراد، حتى يساهموا بدورهم في تعددية إعلامية وطنية، خاصة في ظل القيود على حرية الإعلام والصحافة الذي يقلص التعددية في الآراء خصوصا في الفضاء الرقمي".
تبعا لذلك، يضيف غسان وائل، "منتدى بدائل المغرب يشتغل ويدافع على دعم حق الجمعيات في تكوين وخلق منصات إعلامية جمعوية دائمة ومستمرة، إما عن طريق الدعم المباشر لهذه الجمعيات من أجل خلق أقطاب اعلامية خاصة بها، أو عن طريق التكوين أو الدعم التقني والمواكبة".
وأكد المتحدث نفسه أن "المنتدى ساهم إلى حد كبير في توسيع انتشار الإعلام الجمعوي كدينامية ومجال ثالث ينضاف الى الاعلام العمومي والخاص والذي يجي ان يحظى باهتمام أكبر، بفضل الإمكانات التي يوفرها في نشر قيم الديمقراطية وحرية التعبير".
عمل الجمعيات والمنظمات غير الحكومية.. أي تأثير على بيئة الممارسة الإعلامية في المغرب؟
يمكن أن نسجل من خلال ما سبق، أن بيئة الممارسة الاعلامية في المغرب تعرف بعض التحديات والاكراهات، بالرغم من إقرار مدونة الصحافة والنشر بقوانينها الثلاث (قانون الصحافة والنشر وقانون إحداث المجلس الوطني للصحافة وقانون الصحافي المهني) سنة 2016، إلا أن الممارسة الصحافية خلال الخمس سنوات السابقة، كشفت عن وجود تحديات حقيقية تعوق اضطلاع الصحافي المهني بوظائفه وادواره، في مقدمتها استمرار امكانية متابعة الصحافيين بقوانين أخرى غير قانون الصحافة والنشر في قضايا النشر.
يبدو إذن أن المنظمات غير الحكومية، وخاصة منها التي تشتغل على قضايا الصحافيين، تقوم أو يتوقع منها أن تقوم بعمليات الترافع وإثارة الانتباه إلى ضرورة خلق بيئة لممارسة جيدة للصحفيين. يقول الصحافي والباحث في علوم الاعلام والاتصال محم كريم بوخصاص، إن" تأثيره هذه المنظمات محدود جدا، والدليل هو أن عملها الترافعي لم يثمر بعد تجاوز التحديات المطروحة في بيئة الممارسة.، لكن مع أن هذا التأثير محدود، فإن مجرد اثارة الانتباه هو في حد ذاته انجاز". وهنا تطرح الحاجة إلى زخم كبير يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة، على مستوى تطوير وتجويد بيئة الممارسة.
يضيف المتحدث نفسه، ارتباطا بنفس السياق، "أتصور أن المنظمات غير الحكومية لها اسهام مقدر في الترافع لأجل حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة، ليس فقط بالنسبة للصحافيين، ولكن بالنسبة إلى عموم المواطنين. لأن المواطن أيضا يشمله قانون الحق في المعلومة ".
عموما يمكن أن نسجل بنا على كل ما ذكر، أن هناك جهودا تبذل من طرف مجموعة من المنظمات والجمعيات في سبيل دعم وتعزيز حرية التعبير والحق في الولوج إلى المعلومة، لكن يبدو هذه الجهود لم ترقى بعد إلى أن تحدث تأثيرا أبلغ على تجويد الممارسة الصحافية، الشيء الذي يجعل مسار جاوز التحديات التي تعترض حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة يتسم بالتعثر.
وحيث إن واقع حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة كشف عن تحيات كبيرة، تستدعي فهما أفضل لوضعية حرية التعبير وفعالية الحق في الحصول على المعلومات. وعليه، لا بد أن تكثف هذه المنظمات حملات ترافعها ونضالها في هذا الجانب، وأن تطور آليات اشتغالها بشكل أكثر اقناعا.
إن قضايا حرية التعبير وضمان الحق في الحصول على المعلومة، ترتبط دائما بمزاج السلطة ومدى قدرتها على توسيع هامش الحرية للمواطنين. وبغض النظر عن هذا المزاج والذي يختلف حسب كل ظرفية وسياق، فيبدوا أن المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية مطالبون بأن يستمروا في الترافع وفي النضال، ووضع الأصبع على مكامن الخلل حتى يتم تصحيحها، من أجل خلق مناخ عام يؤمن بضرورة توسيع هامش الحرية.